من حين لآخر يجب على كافة الطيف الإسلامي أن يقف وقفة مع الذات يراجع فيها نفسه وينظر إلى الوراء يتفقد أخطاءه ويقيم مساره ليستنبط طريقه في المستقبل القريب والبعيد.
وليس ثمة وقت كان التيار الإسلامي أحوج فيه إلى هذه المراجعة من هذه الأيام التي تشهد المحنة الثانية بعد سقوط الخلافة العثمانية رسميا وذلك لسبب جوهري هو أن أبناء هذا التيار هم هم وليس الجيل الثاني منهم قد لدغوا من نفس الجحر هو هو مرتين في حياتهم فكانت الهجرة الكبرى الأولى أيام عبد الناصر وكانت الهجرة الكبرى الثانية هذه الأيام.
إذا نظرت إلى التيار الإسلامي على اعتباره أنقى صورة انعكاسية للمجتمعات التي ظهر فيها بحكم اقترابهم من الوحي وأدركت مدى الخلل الواقع فيه علمت بالضرورة كيف هي حال المجتمعات وعلمت بالضرورة أيضا أن الطريق لا تزال طويلة وشاقة.
بنظرة عابرة للحدود المقيتة تجد أن التيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها قد سجلت عددًا نادرا من التعاون المشترك فيما بينها وإنما غلبت التنافسية والندية والخصام وحتى التبديع والتفسيق على طبيعة العلاقة بين هذه التيارات مما دفعها إلى الخصام والقطيعة أحيانا في مجتمعات السلم وإلى الحرب والقتال في مجتمعات الحرب ووحده تاريخ العراق وسوريا يشهد بذلك.
جهلت الجماعات الإسلامية كلها دون استثناء من الناحية الحركية أن المقوم الأساسي للنهضة هو الشعوب المسلمة وإن كانوا قد عولوا عليه كثيرا في أدبياتهم فأصبحت كل جماعة تتعامل في واقعها على أنها المخلص الوحيد وأنها رأس الحربة دون غيرها.
الكبر هو أكبر داء أصيبت به التيارات الإسلامية، وهو داء يحتاج إلى الوقوف أمامه كثيرًا لتحليله ومعالجته فهذه الجماعة تتعامل مع غيرها بمبدأ “أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا”، والأخرى تتهم الأولى بالجهل العلمي مع كثرة عددها فتتعامل من منطلق التبديع والتفسيق، وكذا حال الأفراد التابعين لكل منهما، لا يخرج اللقاء بينهما من الشقاق إلى العمل المشترك مع أن الأمة كلها مدعوة للذب عن دينها ومقدراتها على مستوى الأفراد والجماعات ما داموا مسلمين ولو كانوا من أهل البدع.
الظلم المبرر بالمصلحة هو من سمات تعامل التيارات الإسلامية مع بعضها في الأمور الخلافية، فكم من مظلمة وقعت بين هذه التيارات ولم تجد طريقها للتحاكم إلى ما أنزل الله لا لشيء إلا أن المخالف ليس من أبناء التيار فتكون المصلحة العامة لتيار معين مبررًا للسكوت على المظلمة الخاصة.
الإمعية على مستوى الفرد العامل في التيار الإسلامي هي الأخرى من الصفات السائدة فكل فعل مبرر بمعرفة من هو أعلى مرتبة في سلم القيادة فأصبح هؤلاء القادة عند أتباعهم بمنزلة المهديين السائرين بنور الله، في حين أنهم يعيبون على عامة الشعب المسلم نفس الصفة عندما يستقبلون الأخبار من الطغاة والمجرمين ويصدقونهم، حتى رأينا من أتباع حزب النور الضال من يضع يده في يد النصارى يحارب إخوانه المسلمين باسم المصلحة ودرء الفتنة “ألا في الفتنة سقطوا” واتباعهم لمن هم أعلى منهم مقاما وأكثر علما، وانتشر تعبير “إخوانا اللي فوق عارفين كل حاجة” بين شباب تيار الإخوان المسلمين كتعبير عن عدم القدرة على المساءلة وطلب الإقناع.
التحزب الأعمى للجماعة والتيار يرمي به كلُّ أحد كلَّ أحد يخالف تياره ومنهجه ولو نظر في نفسه وراجعها لوجد أنه يريد أن يعلو الإسلام من خلاله هو ومن خلال تياره هو وإلا وجد في صدره ضيقا وحرجًا من ظهور الإسلام على يد طائفة أخرى.
التنطع الشديد في جانب المظهر والزي الإسلامي جاء على حساب العقيدة وما تستلزمه من وقوف في جانب الحق ومحاربة الباطل، بل نتج عن ذلك من أضفى شرعية إسلامية بسبب تنطعه الخارجي على المحاربين لله ورسوله عندما وقف في صفهم يحارب المسلمين ويبرر حرقهم أحياء في مشهد يعيد إلى أذهاننا قصة الأخدود.
الجهل بالحقائق التاريخية والشرعية يؤدي إلى الاعتماد على العبقرية الشخصية الفردية بعيدا عن العمل المدروس الذي يستلهم طريقه من العلم الشرعي والدراسات العلمية، فيكون نتاج ذلك أن يلدغ التيار الإسلامي من نفس الجحر عدة مرات وتتكرر هجرات القادة من بلد مثل مصر حتى تترك البلد الأهم في المنطقة مجرفة تماما من القيادات الإسلامية، فيطول الزمان على الجيل الذي يليهم حتى يملؤوا الفراغ الحاصل لغيابهم.
أيها الإسلاميون ثوروا على أنفسكم تصح ثورتكم.