مرت سنة على سيطرة الجنرال السيسي على الحكم، فأصدرت المؤسسة العسكرية بياناً طويلاً عريضاً بإنجازات وهمية حققها “رئيس الضرورة” بتعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، أو “رئيس المصلحة” بتعبير المتحلّقين حوله.
المدهش مرة أخرى، أن يندهش بعضهم من بيان الجيش بإنجازات الجنرال، وهم يرددون ما دخل الجيش بإنجازات الرئيس، معتبرين أن هناك تداخلاً بين العسكري والمدني.
يعلم الكل أن عبدالفتاح السيسي هو مندوب المؤسسة العسكرية في مؤسسة الرئاسة، وأنه لم يكن ليحكم مصر لو أراد الجيش غير ذلك، وما كان له أن يفكر في التخطيط للقرصنة على السلطة المدنية المنتخبة في 30 يونيو/حزيران 2013 لو لم تشأ المؤسسة العسكرية ذلك.
بوضوح أكثر، السيسي هو مرشح حزب الجيش في انتخابات الرئاسة الماضية، التي تمت تحت إدارة وحراسة الجيش، ويمكنك العودة إلى البيان العسكري في يناير/كانون الثاني 2014 والذي يعلن فيه المجلس العسكري تفويضاً، هو أقرب إلى التكليف، لعبدالفتاح السيسي، بخوض سباق الانتخابات الرئاسية.
نشرت الصحف المصرية نصاً واحداً في ذلك الوقت يقول “انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى جلسة طارئة اليوم الإثنين السابع والعشرين من يناير 2014م، حيث استعرض ما تمر به البلاد في هذه الأوقات التاريخية الحافلة بالأحداث الكبرى”.
وتضمن البيان، الذي أذاعته القوات المسلحة على التلفزيون المصري، فقرة تقول نصاً “ولم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً”.
فيما بعد كانت الدعاية الانتخابية الخاصة بالسيسي معتمدة بشكل أساسي على استعراض القوة العسكرية في مجالي السياسة والاقتصاد، على نحو بدا معه الشعب المصري مخيراً بين الجوع والفقر وضياع الأمن، من جهة، والقبول بمرشح الحزب العسكري، من جهة أخرى، وبالطبع في مجتمعات منكوبة بالقمع والفساد، والنخب السياسية الصفيقة، التي نشطت في ترويج منتج فاسد اسمه “الديمقراطية العسكرية”، ومع الوضع في الاعتبار أن المرشح المنافس كان مجرد ديكور وأقرب إلى شخص عسكري الوجدان متخفٍ في ثياب مدنية، ثبت الجيش سيطرته على الحكم، وسط صخب جماهير معبأة بهلاوس الفزع من سقوط الدولة، وكوابيس الكراهية المجتمعية المصنّعة في ورش العسكر.
لقد خاضت المؤسسة العسكرية الصراع السياسي باستخدام عبدالفتاح السيسي، وليس السيسي هو الذي استخدم الجيش للوصول للرئاسة، فكل يوم يمر يثبت أن هذه المؤسسة الجبارة كما صنعت “الظاهرة العكاشية” في الإعلام، وفرضتها نموذجاً رائداً وقائداً لجيوش الإعلام، يقوم رمزها بجولات تفقدية في مقرات الصحف، وينحني أمامه رؤساء تحرير، فإنها صنعت “عكاشية” أخرى في السياسة وأوصلتها إلى الحكم، حيث ينحني أمامه رؤساء أحزاب مدنية ديمقراطية، فيما يجلس آخرون القرفصاء أمامه يدبّجون له القصائد والمعلقات.
لذلك يبدو الأمر باعثاً على الضحك حين يستكثر أحد على القوات المسلحة أن تصدر بياناً بما تسميه إنجازات عام في الحكم، ويقول إن مثل هذا يجب أن يصدر من مؤسسة الرئاسة، فالحاصل أن المؤسسة العسكرية باتت هي المعنية، وليس سواها، بتقديم كشوف حساب تقول للجماهير ها قد نجح مرشحنا.
وليس أكثر مدعاة للسخرية من افتراض أن رئاسة الجمهورية شيء وقيادة الجيش شيء آخر، سوى افتراض وجود تناقض أو تنافس أو تهديد من ناحية أحمد شفيق لحكم السيسي.. فالمؤكد أن كليهما يدين بالولاء والطاعة لمشيئة مضخّات الأرز. غير أن النكتة الأعمق مما سبق هي تلك التي أطلقها أستاذ العلوم “السيسية”، عمرو الشوبكي، في حوار صحافي، انتقد فيه عودة الدولة العميقة ورموز مبارك، وفي الوقت ذاته يقول “من حق الفريق شفيق أن يشكل تحالفاً سياسياً يخوض به الانتخابات البرلمانية، ولا أعتبره متآمراً على نظام الحكم الحالي، كونه جزءاً من الحالة السياسية في مصر بعد الثورة، ولا أرى أنه يمثل خطورة على النظام الحالي، بل إن وجوده يقوي النظام السياسي ولا يضعفه، كما يعتقد البعض”.
وكأن شفيق كان من رجال جيفارا ومانديلا، وليس من رجال حسني مبارك!