شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ربيع المؤامرة أم مؤامرة على الربيع؟!

ربيع المؤامرة أم مؤامرة على الربيع؟!
يحلو للكثير أن يهجو الثورات العربية، أو ما اصطلح عليه الربيع العربي، وهم يشاهدون صور اللاجئين السورين إما جثثًا ملقاة على شواطئ البحار أو ناجين يطرقون أبوب أوروبا؛ طمعًا في عيش كريم وأمن فقدوه في بلادهم المحترقة، يتغنى هؤلاء

يحلو للكثير أن يهجو الثورات العربية، أو ما اصطلح عليه الربيع العربي، وهم يشاهدون صور اللاجئين السوريين إما أن تكون جثثا ملقاة على شواطئ البحار أو ناجين يطرقون أبوب أوروبا؛ طمعًا في عيش كريم وآمن فقدوه في بلادهم المحترقة، يتغنى هؤلاء بما يعتبرونه “إنسانية الغرب” وهم يحسنون استقبال ضيوفهم، في الوقت الذي يصفون به هذا الربيع بـ”المؤامرة”.

لا أدري كيف صار الربيع بنظر هؤلاء مؤامرة وهو ما جاء إلا استجابة لشعارات “عيش، حرية، كرامة” التي رفعها الثائرون ضد أنظمة القمع والاستبداد. لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها ونقول بملء الفيه إن ما يحدث هو مؤامرة على هذا الربيع، وبتأييد ومساندة من الغرب الذي نتغنى بإنسانيته، كما تغنينا بديمقراطيته التي قبلنا لها ورفض هو نتائجها المخالفة لهواه المعاكسة لإرادته؟

أرى أن الذي يعتبر الربيع العربي مؤامرة هو بالتأكيد غارق في وهم استقلال دول العرب، والتي تبين أنها غارقة في وحل التبعية والعمالة؛ فلم تكن هذه الثروات يوم أن عاقب الغرب غزة على تجربتها الديمقراطية بالحصار، وشنت “إسرائيل” عليها أول حرب قاتلة مدمرة، والعرب في حالة موات حكامًا ومحكومين، حتى التنديد والاستنكار أصبح ثقيلًا عليهم، لم تكن عندما أحرق الصهاينة المسجد الأقصى، يومها قالت جولدا مائير: “لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا من كل صوب، لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة”.

الغريب العجيب أن هؤلاء الذين يتغنون بإنسانية الغرب ويهجون الربيع العربي يقفون “بالباع والذراع” مع نظام عبد الفتاح السيسي الذي أحرق الإنسانية في ميادين رابعة والنهضة، وسجنها في زنازينه، ويساند نظام الأسد الذي أحرقها في أحياء وقرى بلاده بالبراميل المتفجرة، لقد هتفوا لثورة عارية، لا صوت يعلو في أرضها فوق صوت المستبعد إلا صوت الثكالى واليتامى والمعذبين، ولا صورة غير صورة القمع والاستبداد.

لقد جرب الفلسطينيون في غزة خاصة، عامًا من حكم الربيع العربي الذي كانت مصر تمثل عنوانه البارز، عام من حكم الدكتور محمد مرسي الذي جاء بكلمة الشعب وبديمقراطية الغرب، رأينا كيف تبدلت أحوالنا في غزة رخاء هناء بعد شدة وعناء، يوم أن كان معبر رفح الوجه الحقيقي للحصار، لا يغلق إلا استثنائيًا، على عكس ما هو بعد الانقلاب عليه وقبل وصوله إلى سدة الحكم.

انقلبوا على هذا الربيع وبدعم “الغرب الإنساني”؛ لأنه يريد لنا أن نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، ونقاتل بسلاح من إبداع عقولنا، انقلبوا عليه لأن الربيع لا يريد لنا أن نكون تبعًا، يريد منا أن نكون منتجين عاملين لا مستهلكين مأجورين.

إنهم وهم يهجون الربيع، ويتغنون بالغرب، نسوا أو تناسوا أن الرئيس المسجون محمد مرسي ممثل الربيع، يعتبر أول رئيس ينتصر للثورة السورية، ويصدر قرارًا باستقبال اللاجئين الفارين من جحيم الأسد كمواطنين مصريين، وهو الذي انتصر لغزة يوم أن كانت تصرخ “وين الملايين”؛ فكانت المرة الأولى التي يدخل فيها وزراء خارجية العرب هذه البقعة المنسية من الأرض بعد حرب 2012، على عكس ما يفعله نظام الانقلاب منذ عامين؛ فهذا كاتب إسرائيلي يعتبر السيسي قد أضر بـ”إسرائيل” عندما أصر على إطالة أمد الحرب صيف عام 2014؛ لإلحاق مزيد من الأذى بحماس، ابنة جماعة الإخوان المسلمين الملاحقة في بلاده.

نعم، نجح أعداء الربيع في تشويه صورته، لكن الحقائق التي تتكشف يومًا بعد يوم تعطي مؤشرًا كم هو قلق الغرب و”إسرائيل” خاصة من هذا الربيع الذي يعطي الشعوب حقها في الحكم والمشورة لتسترد ثرواتها المنهوبة وتعيد عقولها المهاجرة.

إن الشعوب التي استمرأت العيش الذليل تحت أنظمة باعت الوطن من أجل الكرسي هي اليوم تدفع الثمن غاليًا مكرهة من القتل والتعذيب والتهجير، ولن تغير الصورة المنقولة عن “إنسانية الغرب” من حقيقة أن هذا الغرب هو سبب ما حل بنا من مأساة يوم أن دعم الانقلابات وأعاد إنتاج القمع والاستبداد، كان بإمكانه أن يتحلل من كل هذه المسؤوليات والإجراءات في إيواء اللاجئين السوريين لو أنه دعم تطلع الشعوب نحو الحرية والعيش الكريم وتبنى نتائج الديمقراطية التي صدرها ولم يدعم من انقلبوا عليها بالمال والسلاح سرًا وعلانية.

ما من إنسان حر إلا ويتألم على مشاهد القتل والدمار والغرق التي تصعقنا كل صباح ومساء، لكن حسبنا أن هذه الشعوب التي تدفع الثمن غاليًا الآن قد أطاحت بجدار الخوف ولم تعد تخشى النار والبارود وهي تزيل عن جسدها المتهالك غبار السنين والعقود، وما الربيع العربي الذي تنعمنا في ظلاله قليلًا إلا بارقة أمل لتستمر الشعوب في كفاحها ونضالها ضد القمع والاستبداد، مع الإشارة أن أوروبا والغرب الذي يبيع لنا الإنسانية على الهواء عاش سنينًا وعقودًا في بحور من الدماء والقتل والاستبداد حتى تحررت شعوبه وصارت لها كلمة ويحسب لها ألف حساب. العرب اليوم على ذات الطريق حتى وإن تلون الغرب بوجهين، بين شعوبهم ملائكة الرحمة ومن ورائهم شيطان أكبر يدعمون كل حاكم عربي مرتزق؛ حفظًا لمصالحهم واستمرارًا لسرقة ثروات العرب، والتي بلا شك مصيرها مرتبط بصحوة هذه الشعوب التي لن تقبل حينها أن يحكمها مرتزق أو أن تسرق خيراتها على حين غفلة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023