ولد رامي عصام في مدينة المنصورة في أسرة من الطبقة المتوسطة، وكان والده مهندسا وتوفي عندما كان رامي في الثانية عشرة من عمره، عندها أصبح شقيقه شادي الذي يكبره بعامين بمثابة والده. عندما بلغ السابعة عشرة اشترى له شادي غيتاره الأول. وبعد عدة أشهر اكتشف عصام موهبته في تأليف الألحان، وكان يغني أغاني الحب في البداية لكن حلمه كان أن يصبح نجم روك. وأكد له شادي أهمية كلمات الأغنية وأن لا يكون هدفه الشهرة فحسب بل الرسالة التي ينبغي إيصالها للآخرين.

في 2008 التقى عصام في مقهى إحدى المكتبات، شاعرا يدعى أمجد قهوجي، وقد ساعد عصام نظرا لأنه يكتب كثيرا في الموضوعات السياسية والثورية، وحتى يومنا كتب أمجد حوالي 75% من كلمات أغاني عصام. وعلى الرغم من أن أغاني عصام جعلته شخصية مشهورة ومضطهدة، فإنه قليلا ما كتب كلمات أغانيه بنفسه. والغريب أن مؤلفي الأغاني يبقون غير معروفين ولا يتعرضون للملاحقة من قبل السلطات بل تقع كامل المسؤولية على المغني وحده.

قبل أربع سنوات كان عصام وسط إحدى أكثر اللحظات التاريخية ضجيجا، حيث تجمع الملايين مطلع 2011 محتلين ميدان التحرير لمدة 18 يوما مطالبين بإنهاء حكم حسني مبارك الاستبدادي الذي دام ثلاثين عاما. كان عصام وسط الحشود ينشد الأناشيد الثورية ويشارك في نضال الشباب الجماعي. جرى اعتقاله واستجوابه وتعذيبه بوحشية حتى أصبح مشهورا كأحد الرموز الحية للثورة. وظهر بقوة في الفيلم الوثائقي الذي رشح لنيل الأوسكار في 2014 “ذا سكوير” وكذلك في برنامج “60 دقيقة” الإخباري الأمريكي، كما جذب رامي آلاف المعجبين إلى حفلاته الموسيقية. وعندما عاد العسكر إلى السلطة في 2013 عزموا على إسكات صوت المعارضين وكان عصام واحدا منهم.

تم توقيفه عند نقطة تفتيش في السويس ثم اعتقل وتم استجوابه طوال الليل، ومع إرغامه على أداء الخدمة العسكرية الإلزامية قرر عصام السفر. وقامت شبكة المدن العامة للاجئيين (ICORN) وهي منظمة توفر الملاذ الآمن للكتاب الذين يتعرضون للخطر بعرض إقامة مدفوعة التكاليف في مالمو مدة عامين فما كان منه إلا أن حمل غيتاره وغادر.

منذ أن غادر عصام مصر وحملة السيسي على معارضيه تزداد عنفا سواء كانوا من العلمانيين الليبرالين كعصام أو من الإسلاميين المحافظين كجماعة الإخوان المسلمين. وقد قتل أكثر من ألفي شخص وجرى اعتقال حوالي أربعين ألفا. كما حوكم العديد من الناشطين في محاكمات جماعية سريعة بأقسى العقوبات كالسجن المؤبد والإعدام. وربما دق المسمار الأخير في نعش الديمقراطية بالحكم على محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمراقراطيا بالإعدام لهروبه من السجن في 2011. جميع النشطاء اليوم إما في السجن أو غادروا البلاد أو قتلوا أو يعانون خيبة الأمل.

يقول رامى عصام: “أول مرة غنيىت في ساحة التحرير كان في الأول من فبراير بعد الخطاب العاطفى لمبارك والذي ظهر فيه منكسرا ووعد بعدم خوض الانتخابات المقبلة وأنه سيرحل بعد ستة أشهر. وتلقي العديد من الشبان اتصالات من ذويهم بالعودة لمنازلهم حيث أن كل شيء سيكون على ما يرام. لكننا كنا مصابين بخيبة الأمل فهو لم يستمع لنا لذا غنيت “ارحل” فتغير المزاج على الفور”. وظن بعض المتظاهرين بأن عصام لا يملك النفس الثوري وكل ما يسعى وراءه هو الشهرة.

وفي التاسع من مارس قرر الجيش إخلاء ميدان التحرير واستخدام العنف لتفريق الحشود وقام الجيش بجر عصام وآخرين إلى المتحف القريب وهناك جردوه من ثيابه وأخذ ضباط ممن يرتدون ملابس الوحدات الخاصة في الجيش بتعذيبه، وقصوا شعره بزجاج مكسور وضربو رأسه بالحائط مرارا ثم ضرب بقضبان خشبية ومعدنية وركل وتعرض للصعق الكهربائي. يقول عصام “لم يسألوني عن شيء… لذا ظننت أنهم يريدون قتلي فقط… شعرت أني أموت لكني سمعت صوتا في داخلي يقول لا تعطيهم الفرصة لقتلك قاوم حتى النهاية” وبعد ثماني ساعات جرى إطلاق سراحه.

استغرق الشفاء شهورا ويقول عصام أن تجربة الاعتقال في المتحف غيرت شخصيته للأفضل فقد بدأ بكسر حاجز الخوف. وما أن تعافى حتى عاد للقضية مع روح الثأر، وكان يطوف أنحاء البلاد ويغني في المسارح والاحتفالات وزوايا الشوارع. حاولت بعدها الأحزاب الجديدة التقرب منه لضمه لصفوفها لكنه أصر على البقاء مستقلا. ولم يشارك في الانتخابات التي انتهت بتقلد محمد مرسي مقاليد للسلطة، إذ لم يرغب بالمشاركة بأي عملية حكومية لأنه لا يثق بهم، وقد فقد الكثير من أصدقائه ولا زال الناس يموتون ويعذبون. وفي الفترة ما بين عامي 2011 و2013 كانت حياة عصام مكرسة للغناء والاحتجاج فقد أولع بالاعتصامات والنضال.

وتزوج عصام في عام 2012 وفي السنة التي تليها رزق بصبي. تأثرت حياته برمتها بالثورة وهو الآن يبعد آلاف الأميال عن أهله وبلده.

بعد انتخاب السيسي جرت محاكمات سريعة لأصدقاء عصام وعقوبات بالسجن لعقود. وفي طريق عودته من سيناء تم اعتقاله وتفتيشه واستجوابه طوال الليل قبل إطلاق سراحه. جاء أولي ريتوف مدير “فرى ميوزك” وهي منظمة غير ربحية تساعد الموسيقيين المضطهدين في أنحاء العالم لزيارة عصام وأخبره أن السلطات تستهدفه وأنه حان وقت مغادرة البلاد.

أخبر عصام ريتوف أن مشكلته ليست الاعتقال بل أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وقد تلقى الكثير من التهديدات المباشرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ويعتقد بأنه إذا التحق بالجيش فستكون نهايته.

كان ريتوف حلقة الوصل بين عصام ومنظمة ICORN . بعدها تمكن عصام من السفر بعد أن منع من ذلك مرات عديدة. أمضى شهرا في هلسنكي وفي أولى حفلاته هناك قاطعه عدد من المصريين صارخين وملوحين بصور السيسي.

لدى وصول عصام إلى مالمو لم يكن يعرف أحدا سوى ريتوف المقيم في كوبنهاجن، وهو صحفي سابق في هيئة الإذاعة الدنماركية التقى عصام في عام 2011. “عندما تسير معه في ميدان التحرير جميع الناس شيبا وشبانا يتحدثون إليه فالجميع يعرفه هنا لا يعرفه أحد” حسب قول ريتوف.

يؤكد عصام أنه لا يعتبر نفسه منفيا في السويد. فهو لم يتقدم بطلب للجوء أو لم يتخل عن جواز سفره، بل ترقب العودة إلى مصر هو جل ما يشغل باله. كما أنه يعمل على ألبوم جديد وبدأ بكتابة أغان بالإنجليزية في محاولة للوصول بسهولة للمستمعين الأوروبيين والأمريكيين.

يعمل عصام على كل المحاور استعدادا للعودة فقد تعلم كيف يتكيف مع الحياة ويحارب الوحدة، ولا يزال على اتصال يومي بعائلته وأصدقائه. وأخبره شقيقه شادي أن إقامته المؤقتة في السويد ستكون نقطة قوة في مسيرته، إذ إن جميع الشخصيات العظيمة في مرحلة ما من نضالها الثوري غادرت بلادها لتعود لاحقا أقوى مما كانت عليه. وبالرغم من ذلك فإن شادي يرى أن عودة عصام القريبة لن تكون في مصلحته إن لم تتغير الظروف.