شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

حقوقيون لـ”رصد”: العدالة الانتقالية.. وزارة استحدثت لتجميل وجه النظام

حقوقيون لـ”رصد”: العدالة الانتقالية.. وزارة استحدثت لتجميل وجه النظام
العدالـة الانتقالية، هي إجراء تقوم به الأنظمة الإصلاحية، لتصحيح الاوضاع وتقديم الفاسدين للمحاكمة، هـــي فكرة نظــر إليها كثيــرون بعـــــــــد ثــــورة 25 يناير على أنها عصا سحرية بإمكانها حل جميع مشكلاتهم التي ثاروا لأجلها

العدالـة الانتقالية، هي إجراء تقوم به الأنظمة الإصلاحية، لتصحيح الاوضاع وتقديم الفاسدين للمحاكمة، وهي فكرة نظر إليها كثيرون بعد ثورة 25 يناير على أنها عصا سحرية بإمكانها حل جميع مشكلاتهم التي ثاروا لأجلها، وعلى الرغم من أنه تم تطبيق عناصرها بشكل عشوائي في مصر، إلا أننا لا نستطيع حتى الآن أن نقول أنه تم تحقيق العدالة الانتقالية .

تشكيل الوزارة

“يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية، يكمل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا وذلك وفقاً للمعايير الدولية”.. هكذا نصت المادة 241 من دستور 2014 في مصر وهو الدستور الذي نص أيضاً وبشكل واضح علي أن ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة شعبية، وما حدث في 30 يونيو 2013 ثورة شعبية أيضاُ.

مع تولي الدكتور حازم الببلاوي، مهام رئيس الوزراء، بعد أحداث 30 يونيو، ظل التشكيل الوزاري على حاله، ما عدا تعديل بسيط تمثل في استحداث وزارة للعدالة الانتقالية، وكان أول من تولاها المستشار أمين المهدي، ثم تولاها بعده المستشار إبراهيم الهنيدي.

وقال المستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية ومجلس النواب حينها: “سنعمل على القضاء على الفساد من خلال تطوير التشريعات التى يبلغ عددها الآن نحو 100 ألف تشريع”، وبعد مرور نحو عام، وعندما تأكد للدولة استحالة إجراء أي “مصالحة وطنية” ومع تغيير الحكومة تم حذف هذه الوزارة من التشكيل الوزاري.

نفقات في السراب

ورغم إنشاء وزارة للعدالة الانتقالية في مصر، ضمن التشكيل الوزاري في أغسطس  2013، إلا أن الوضع ظل عبثياً، ولكن الأمل كان موجودا في إمكانية أن تتخطى الوزارة كل هذه العراقيل، لتقدم تجربة مصرية حقيقية وجادة للعدالة الانتقالية.

ونشرت مستندات ووثائق في وسائل الإعلام تكشف أن موازنة الوزارة خلال العامين اللذين كانت موجودة فيهما؛ تخطت 21 مليون جنيه (2.8 مليون دولا أميركي)، وطبقا للبيان المالي لعام 2014- 2015 بلغت الميزانية ما يقرب من 11 مليون جنيه مصري (1.6 مليون دولار)، وفي موازنة العام المالي الماضي 2013- 2014 بلغت الميزانية ما يزيد عن 10 ملايين جنيه (1.4 مليون دولار).

وتكشف بنود الموازنة المكررة خلال عامين من عمر الوزارة المشكلة بعد 30 يونيو 2013، إنفاق ما يزيد عن 8 ملايين جنيه (مليون دولار) أجورا للعاملين في كل عام أي ما يساوي 16 مليون جنيه (2.1 مليون دولار) تم إنفاقها على الأجور فقط، ونحو 800 ألف جنيه لشراء سلع خاصة بالوزارة في العام الواحد، ومليون ونصف المليون تستخدمه الوزارة تحت بند سنوي يسمى بـ”الاستثمارات”.

تجارب سابقة

وتعد تجربة جنوب أفريقيا هي التجربة الأشهر في تحقيق العدالة الانتقالية، حيث تطلعت إلى القضاء على نظام التميز العنصري الذي كان سائداً فيها، وبدأت فعاليات التجربة في أوائل التسعينات، بعد إطلاق سراح المناضل نيلسون مانديلا.

وتم إجراء مفاوضات مع الحكومة وكيان سياسي يسمى “المؤتمر الوطني الأفريقي”، وبناء على ذلك بدأت التجربة في تشكيل محاكمات شعبية أطلق عليها “لجان الحقيقة والمصالحة”، للكشف عن التجاوزات التي حدثت أثناء نظام الفصل العنصري، وقد استمعت اللجان إلى أكثر من 7 ألاف شهادة ورغم ذلك لم يقدم أحد إلى المحاكمة، لتتبنى لجان الحقيقة والمصالحة شعار “العفو مقابل الحقيقة”، وهو ما جعل الأمر يفشل في البداية بعد غياب محاكمة المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان.

وتعرضت تجربة جنوب إفريقيا إلى انتقادات واسعة، حيث قدّم  الضحايا شكاوى جديدة لعدم حصولهم على تعويضات، وعدم تقديم مرتكبي الجرائم في حقهم إلى المحاكمة.

وفي عام 1976، استولى الجنرال خورخي فيديلا بانقلاب عسكري على الحكم في الأرجنتين، و امتدت ممارساته الديكتاتورية إلى حكم أربعة جنرالات بعده، وانتهت في العام 1983 إثر هزيمتها في حرب” جزر الفوكلاند” ضد بريطانيا.

وشهدت الأرجنتين، منذ ذلك الحين، تغييرات جذرية في التحقيقات والمحاكمات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت بين العامين 1976 و1983، عندما كانت البلاد خاضعة للحكم الدكتاتوري الذي أدى إلى اختفاء حوالي 30000 شخص قسراً، وبعد استعادة الحكم المدني، وضعت الحكومة مجموعة من المبادرات المرتبطة بالبحث عن الحقيقة والمحاكمات والتعويض.

وورث راؤول ألفونسين، وهو الرئيس الأول المنتخب ديمقراطياً بعد انتهاء الحكم العسكري الاستبدادي، نظاماً ضعيفاً وجيشاً قوياً لطالما قاوم المحاسبة عن جرائم الماضي وانتهاكات حقوق الإنسان، لذلك كانت محاولاته الأولى لتعزيز العدالة والمحاسبة كلها ضعيفة.

 ووضع ألفونسين قوانين عفو أشير إليها بالـ”نقطة” أو بـ”قوانين الطاعة الموجبة”، حددت مهلة من ستين يوماً بدأت بعدها المحاكمات الجديدة، ومنحت الحصانة لأفراد الجيش من رتبة كولونيل وما دونها بما أنهم نفّذوا الأوامر، وحوكم بعض القادة العسكريين الأساسيين في محاكمتين كبيرتين بعد مرور 18 شهراً فقط على سقوط الحكومة العسكرية.

وأسس “ألفونسين” أيضا اللجنة الوطنية حول الاختفاء القسري للأشخاص لتقصي مصير المفقودين، وأصدرت اللجنة في عام 1984 تقرير Nunca Más  (أبداً)، أدرجت فيه أعداد الضحايا ومراكز الاعتقال التي تم فيها تعذيب المعتقلين وقتلهم بأمر من السلطات العسكرية.

وتم في عهد الرئيس “ألفونسين” أيضاً اقتراح تعويض الضحايا (على شكل تقاعد جزئي)، وتم سن القانون المنظّم لها في أوائل التسعينيات تحت إدارة الرئيس “منعم”، فيما أشارت اللجنة الوطنية حول الاختفاء القسري للأشخاص إلى أن عدد الأشخاص المختفين في ظل النظام العسكري بلغ 8960 شخصاً، وتضمنت الملفات الخاصة بهم السجلات الأساسية لبرنامج التعويضات.

وأصدر الرئيس “منعم” عفوين في العامين 1989 و1990، شمل الأول عدداً صغيراً من الضباط الذين حوكموا، أما الثاني فشمل من سبق أن تمت مقاضاتهم والحكم عليهم.

 وبحلول عام 1990، لم يكن قد تمت إدانة سوى 10 أشخاص، حصلوا كلهم على العفو وأُطلق سراحهم، ولكن قضايا عديدة فُتحت في المحاكم في القسم الأخير من التسعينيات واستمرت منذ ذلك الحين.

فشلت لهذه الأسباب

 

واعتبرت نيفين ملك الناشطة الحقوقية أن “المشكلة في ملف العدالة الانتقالية الكبرى، الأولى هي أنها استحدثت وسط استحالة تحقيق العدالة ومع تفشي الظلم، وإفلات الجناة من العقاب من مرتكبي حالات القنص وكم الضحايا في أحداث ماسبيرو وأحداث رابعة، وعدم حصول أهالي الشهداء على حقوقهم بشكل مناسب”.

وأشارت “ملك” في اتصال هاتفي مع شبكة”رصد” إلى أن “هذه الوزارة استحدثت لتجميل الصورة أمام الغرب ليس إلا، فلم تسعى لإيجاد نوع من العدالة الانتقالية ليقوم على تحقيق العدل والتصالح المجتمعي وتعويض المضرروين”.

وقال ناصر أمين عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: “لا يوجد أي منفعة من وزارة العدالة الانتقالية، خاصة واننا لم نرى كل الضحايا الذين تضرروا في مصر قد أخذوا حقوقهم من خلال لجان للوزارة، لذلك فلم تنفذ هذه الوزارة سوى شو إعلامي”.

وأضاف “أمين” في تصريح لـ”رصد”: “إن الوزارة لم تتسم في أدائها بشفافية وباتت كأنها وزارة للتموين ليس أكثر، ولم يشهد لها بالاستقلالية وبالتالي ضاعت مهمتها وسط البلبلة”.

وأوضح أن “وزارة العدالة الانتقالية جاءت في ظروف غير مناسبة ووسط تصارع الدولة مع الإرهاب، ففي أوقات الحرب لا تستطيع الأنظمة النظر إلى الفساد بقدر توجيه نظرها نحو العناصر المتطرفة والإرهابية”.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023