شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المزايدة عندما تُهدد ثورة..

المزايدة عندما تُهدد ثورة..
في الجمعية التأسيسية تنافس ثلاثة مزايدون.. المجلس الأعلى للقوات المسلحة زايد على الوطنية والمخاطر التي يتعرض لها الجيش بينما بعد الانقلاب منح قائد الانقلاب غطاء مؤسسيا ليوقع أسوأ وأحقر وثيقة وقعتها مصر على مدار تاريخها

في الجمعية التأسيسية تنافس ثلاثة مزايدون..
المجلس الأعلى للقوات المسلحة زايد على الوطنية والمخاطر التي يتعرض لها الجيش بينما بعد الانقلاب منح قائد الانقلاب غطاء مؤسسيا ليوقع أسوأ وأحقر وثيقة وقعتها مصر على مدار تاريخها وهي وثيقة سد النهضة وسمح بتدخلات أجنبية في أمن المطارات المصرية؛ لا بل وتدخلات في شئون من صميم الأمن القومي الذي لم يحلم أعداؤنا يوما أنها يمكن أن تكون من المُباحات..
وحزب النور زايد على الشريعة وحمايتها بينما مع الانقلاب وبعده فرط في أبسط أحكامها بل والمعلوم منها بالضرورة وأولها حرمة الدماء واعتقال الناس بالباطل..
وبعض غلاة العلمانية زايد على المخاطر التي تتعرض لها الحريات العامة وخطر هيمنة فصيل، بينما شارك في الانقلاب وأسس لأسوأ كارثة ضربت حقوق الإنسان والحريات في مصر وأقصت كل الفصائل..
وكثيرون هم من سقطوا أسرى لتلك المزايدات في حينها.. بل ربما الجميع..
واحد من الدروس المستفادة من الانقلاب والأخطاء المؤسسة له.. أن الغلاة هم أهم أسباب الإخفاق وأن المزايدين هم الحجر الأول في فشل أي ثورة لا قدر الله.. وأن المزايدة لا يجب أن تدفعنا سوى للتساؤل عما يكمن خلف تلك الروح الشاذة التي تعتبر نفسها أكثر وطنية من غيرها أو أشد تمسكا بمطالب الثورة دون الآخرين أو الأقرب إلى روح الشريعة دون العالمين أو الحراس على شرعية رئيس منتخب أكثر من غيرهم..
فالشرط الأول لنجاح مسار ديموقراطي أو مسار ثوري هو البحث عن الطريق الوسطي الذي يحقق مطالب التيار العام من الشعب وهو ما تبعه النبي صلى الله عليه وسلم سًنة في حياته كُلها فما كان يُخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما.. والإثم في سياسة الناس هو أن تُجبرهم على رأي مُغالٍ أو أن تقيمهم على تقدير فكرٍ شاذ.. وهو ما دفع أمير المؤمنين ابن الخطاب إلى إقالة بعض عمّاله على الأمصار لأنهم يحملون الناس مالا يُطيقون لأنهم يقدّرون من وجهة نظرهم، أنه الصواب الواضح والحق البيّن..
لكن الأخطر في ثورتنا.. أن موجات المزايدة تضربها في كل مرحلة..
ففي أيام حكم الرئيس مُرسي علا صراخ المتخوفين من الأخونة.. وحمل رئيس حزب النور دفاترا حضّرها له البعض ليعلن في مؤتمر صحفي وفي لقاء بين الرئيس والقوى السياسية أن الرئيس عيّن 13 ألفا من الاخوان في وظائف بعصب الدولة المصرية.. وهو ما تبين افتراؤه بعد الانقلاب.. وتبين أنها إنما كانت خُطة لردع الرئيس وتخويف الحكومة من إجراء أي تغيرات جوهرية في إدارات الدولة الرئيسية.. إنه إرهاب معروف لتخويف الطرف الآخر من التدخل بالتغيير والإصلاح..
وهي خطة أفلحت في حرمان الرئيس من روح المبادرة والمباغتة في إجراء تغيرات جوهرية كانت مطلوبة بمؤسسات الدولة لتجنب الاتهام بالاخونة..
وقد قالها الرئيس بنفسه”: إنني أُتَهم بالأخونة دون تغيير جوهري.. فكيف لو أجرينا تغييرات شاملة!!
وكذلك تصاعدت ادعاءات أخونة الشرطة بعد أن فُضح تواطؤُها في محاولة الانقلاب خلال أحداث الاتحادية، فلم يكن مطلوبا منها أن تواجه المظاهرات كما يطنطن البعض وإنما تقديم معلومات للقضاء حول عمليات تمويل وتسليح قام بها رجال الحزب الوطني في بعض المناطق مستغلين انشغال المولاة والمعارضة من أبناء الثورة في التطاحن.. لكنها لم تفعل.. ولحمايتها لاحقا خرجت صيحات أن الرئيس يأخون الشرطة.. لأن المنطقي أنه كان على الرئيس أن يجري إصلاحا لهذا الجهاز الذي لا يوالي الثورة ولا يؤمن بالتغيير ويعتبر كل من ينتمي لثورة يناير خصما.. فجاءت المزايدة لتمنح هذا الجهاز حصانة لا يستحقها..
وعندما بدا أن الدوائر العليا من القضاء تُفرط في حقوق الشعب بتبرئة كل نظام مبارك دون أن تقوم بتحقيقات كافية كفل لها القانون أدواته .. ابتداء من البراءة الأولى لمبارك في 2 يونيو 2012 وتلتها براءات لم تتوقف لأركان حكمه.. بل وتفرغت الدستورية وبعض الدوائر التي يقودها أبناء نظام مبارك لمحاكمة الثورة وحل السلطات المنتخبة وملاحقة الثوار وإغلاق ملفات الفساد وقتل الثوار في كل موقعة.. علت صرخات التحذير من أخونة القضاء.. وهو ما جعل مجلس الشورى يتردد في إصدار قانون السلطة القضائية الذي كان يمكن أن يضمن لمصر تجديد شباب قضاتها بفتح الباب لكل الأوائل في العشرة سنوات السابقة من تبوء مقعد القضاء بعد أن حُرموا منه لوظيفة الوالد المتواضعة أو لفقر العائلة أو لغير ذلك..
واليوم ينخر في صفوف الثورة نفس أصحاب الدعوات التي لا تبتغي سوى المزايدة على بقية أبناء الثورة وحرمان الثورة ذاتها من القدرة على التوسع بين أبناء الشعب واكتساب مزيد من التأييد على كل المستويات..
فالمنطقي أنه بعد عامين ونصف من الانقلاب وقد انتهت كل خدعه وتجاربه إلى كوارث تضرب الوطن فقرا وإفلاسا وتبديدا للمياه والطاقة والثروات واللهاث خلف مشروعات وهمية والمغامرة باسم وسمعة ومستقبل البلاد.. أن يُعيد كثير من أبناء مصر تقديرهم للموقف.. حتى أولئك الذين أيدوا يوما الانقلاب اعتقادا منهم أنه ربما يُسرع بتحقيق أمانيهم المشروعة.. يعيدون الآن تقيم الموقف..
حتى مؤسسات الدولة التي وقفت يدا بيد مع الانقلاب تقف الآن حائرة وترغب في ثغرة تعود منها عن مؤازرة انقلاب تُدرك أنه في طريقه لسقوط مدوٍ..
حتى أبناء الأجهزة الأمنية أدركوا أن الانقلاب وضعهم في موقف عدائي مع هذا الجيل من الشباب والأجيال القادمة ويبحثون عن مخرج..
حتى رجال الأعمال الذين تورطوا في رشى الضمائر لقبول الانقلاب ودعم القتل والتسلط مرتجفون مما هو آت..
نحن أمام تغير جذري وكبير لا يمكن منعه إلا بطريق واحدة..
وهي أن يبقى صف الثورة منقسما وأن تُحرم الثورة من الالتحام بكل فئات شعبنا..
هنا يأتي دور المزايدين عن قصد أو دون قصد..
ويأتي دور الغلاة من كل طرف ليمنعوا تلاحم الثورة وتضافر جهودها.. ومن ثم يمنحون الانقلاب مزيدا من الوقت ليعيد تطهير أجهزته من المتململين .. وليعيد بناء صفه المتداعي..
لا يمكن أن تنتصر ثورة يبدأ أنصارها قبل نقد الانقلاب والتبصير بكوارثه بتلاوة سوءات الطرف الآخر من الثورة والتذكير بأخطائه ولعن اليوم الذي شاركه فيه في الميدان..
ولا يُمكن أن تنتصر ثورة وبعض من المتحدثين باسمها كانوا أقرب لمبارك من قربهم إليها.. ومع ذلك يعتبرون أنفسهم حُراسا لشرعية رئيس منتخب ويخونون كل من يمد جسورا لبقية أطياف الثورة..
لا يُمكن أن تنتصر ثورة وبعض فصائلها منشغل بقمع أبناء فصيله وإحالتهم للتحقيق لأنهم يؤمنون بالثورة أو يُدافعون عن اصطفاف أبنائها طريقا لاستعادتها..
نحن أمام مُزايدين لا يملكون سوى المزايدة لامتلاك مساحة في الواجهة.. وسذاجة ترتكب نفس الأخطاء بالوقوع في شباك المزايدين..
لو أفلت التيار العام للثورة المصرية من المزايدين والمكايدين.. فإن استردادها قريب..



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023