الآن، يمكنك أن تتأكد أن كل مظاهر العداء لثورة يناير التي عبّر عنها المجلس العسكري، منذ ما بعد خلع حسني مبارك، كانت من تأليف وإخراج اللواء عبد الفتاح السيسي في ذلك الوقت، المولع دومًا باللقطة و”الأفيش”.
هذا شخص يكرّس جهده كله للانتقام من الثورة، يكره أهلها وميدانها، ويعتبر ميدان التحرير عدو النظام الاستراتيجي، منذ سلسلة الهجمات البربرية التي شنت عليه، في عامي 2011 –2012. والآن، يحتله بالمعدات العسكرية الثقيلة، لكي لا يفكر أحد في العودة إليه.
لعلك تذكر تلك الملصقات التي أغرقت شوارع القاهرة والمحافظات، وانتشرت على وسائل المواصلات العامة، وفوق الكباري وتحت الأنفاق، في أثناء وبعد الانتخابات الرئاسية، في شهر يونيو 2012، حيث يقف جندي حاملًا طفلا.
تلك الصورة بتفاصيلها الدقيقة، كررها عبد الفتاح السيسي في احتفاله بعيد الشرطة قبل يومين، حين حمل طفلًا رضيعًا ووقف يبتسم للكاميرا، بالطريقة نفسها التي وقف بها المجلس العسكري، حاملًا الطفل/ الشعب على جوانب الباصات.
علّقت على تلك الصورة في ذلك الوقت بالقول: بالتأكيد، وقعت عيناك يومًا على صورة ملصقة على باصات النقل العام الحمراء لجندي يحمل طفلًا على ذراعيه، يهدهده ويسكته وينيمه، هذا هو ملخص ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، حيث تعامل المجلس العسكري مع الشعب باعتباره طفلا يتيما، وتصرف مع الثورة على أنها لقيطة، فتلقفها من الشارع، ونصّب نفسه أبًا لها بالتبني، بعد أن مارس حربًا نفسية واجتماعية شرسة ضد أهلها الحقيقيين، لكي يحتفظ لنفسه بحق الولاية عليها.
وفي ما بعد، في مرحلة لاحقة، جاءت لحظة افتراس ثورة يناير، والتخلص منها، مع تنفيذ انقلاب يونيو 2013، لكنهم وجدوا أن من أهلها من لا يزال يقاوم ببسالة، ويؤكد إصراره على تحرير الثورة الأسيرة، على الرغم من كل الفظائع التي ارتكبوها لمحوها من التاريخ.
شيطنوها وكفّروها وسجنوها وعذّبوها، لكنها لا تزال تقاوم وتتشبث بالحق في الحياة.. تخيفهم على الرغم من عجزها، وترعبهم على الرغم من الجراح والكسور، تقض مضاجعهم، وتفسد عليهم طعم الانتصار.
لم يمت الحلم، ولم تطلع الروح، فقرروا إعادة احتلال الميدان، يكرهونه، وينكلون به كما فعلوا مرات ومرات، بدأت بهجوم الجنود على “الكعكة الحجرية”، أو تلك المساحة في قلب الميدان التي تتخذ شكل “الصينية” في نهاية أغسطس 2011 وتحولت رمزًا ثوريًا، حيث اعتصم بها المتظاهرون، فدفع المجلس العسكري بقوات أمنيةٍ هائلةٍ لتحريرها، قبل أن يأتي العيد، وإحكام السيطرة عليها، قد لا يطأها متظاهر.
علقت على هذه “الفوبيا” وقتها بالقول “أخشى أن يأتي يوم، ويصبح دخولها مثل دخول حدائق القناطر الخيرية والمتحف المصري، إما بتذاكر ورسوم أو بتصريح خاص أو تأشيرة دخول من السلطات المختصة”.
كان ذلك بعد أسبوعين من المعركة الشرسة التي أعلنها المجلس العسكري، للسيطرة على ميدان التحرير وطرد الثوار منه.
وعلقت عليها “بعد أن نجحت قواتنا الباسلة في تحرير أرض ميدان التحرير من الغزاة الغاصبين، انطلقت أسراب الخبراء العسكريين المتقاعدين تحلل الحدث التاريخي وتسلط الضوء على الإنجاز الكبير، ولا أستبعد أبدًا أن تتسابق مراكز الأبحاث الاستراتيجية وبيوت الخبرة على عقد ندوات ومؤتمراتٍ تحمل عناوين ضخمة من نوعية “الأمن القومي العربي بعد تحرير ميدان التحرير” وربما تأخذ المسألة أبعادا كوكبية كوزموبوليتانية، فيتوسع العنوان إلى “الآثار الناجمة عن استعادة التحرير وانعكاساتها على مستقبل حلف الناتو”.
الآن.. الثورة مستمرة، وكراهية السيسي لها مستمرة، حتى وإن ألقى ألف كلمة في ذكراها، وحاول تملّقها، كما حاول معلمه المشير حسين طنطاوي، في مناسبات عدة، التودد لمن سمّاهم “النبت الطاهر من أرض مصر” الذين يعرف قيمتهم جيدًا. ولذلك، يزرعونهم في أرض السجون والمعتقلات الآن.
يحاصرون “التحرير”، لأنه يتجاوز كونه “كعبة الثائرين” إلى عقيدة ومبدأ لكل من ينشد الخلاص من الظلم والفساد والجبروت. لذا، حري بالثوار أن يجعلوا “التحرير” في كل مكان يوجدون فيه.. اتركوه يحتل الميدان ويتمترس فيه، وينشر مدرعاته، واصنعوا أكثر من “تحرير” في أكثر من مكان على أرض مصر.
كل عام وأنتم ثوار و”تحريريون”.. أقصد ثوار الميادين والشوارع والحارات، لا ثوار الحفلات، والمهرجانات ونجوم الأفيش.