في سنة 1447 يقوم المخترع الألماني يوهان غوتنبرغ بتطوير قوالب الحروف التي توضع بجوار بعضها البعض ثم يوضع فوقها الورق ثم يضغط عليه فتكون المطبوعة، مطورًا بذلك علم الطباعة فكانت يومئذ فتحًا عظيما للبشرية ونقلة كبيرة من حجم اختراع المصباح و الكهرباء مع توماس ألفا أديسون ومن حجم إختراع الويب (الإنترنت) مع المخترع البريطاني السير تيم بيرنرز لي، وبالفعل تدخل المطبعة إلى كل دول العالم باستثناء الدول الإسلامية.
تم إدخالها بعد 350 سنة من تاريخ إختراعها، وسبب ذلك هو فتوى دينية من كبار العلماء بأن إدخال المطبعة يعني إدخال تحريفات على الكتب الدينية التي تطبع بالمطبعة، واليوم بعد ستة قرون من إختراع المطبعة، لم تتحقق نبؤة الهيئة ونحن اليوم نعلم أن تلك الفتوى لم تكون خالصة لوجه الله كما نعلم اليوم أنها كانت فتوى سياسية.
فالدولة العثمانية كانت تخاف من انتشار المعرفة والوعي الثقافي بين المواطنين، حماية لمصالحها، وخوفًا من فضح سياسة التجهيل والتوهيم التي تتبعها، إذ إنها وعت منذ وقت مبكر النتائج السلبية، التي ستعود عليها من خلال تبادل الافكار.
وفي أوروبا إضطرت الكنيسة إلى رجوع خطوات إلى الوراء و نهج سياسة نصب تذكرية للتكفير عن الجرائم التي ارتكبتها، فيما قد أثبتت تجربة الكنيسة في أوربا أن الحقيقة تنتصر دائما، كما أثبتت أيضًا أن أي توصيف لدين من أجل المصالح الخاصة، يعود بضرر على الدين وأن أي خداع للجماهير وإن كان فيه مصلحة لهم فهو أمر مرفوض ولا إنساني بالنسبة لعموم البشر.
و اليوم نفس أخطاء الماضي تعاد إنتاجها و بنفس الأسلوب والطريقة، هيئه كبار العلماء السعودية تحذر مما قالت عنه ضلالات د. عدنان إبراهيم، فيما هذه الاجتهادات التي قالت عنها ضلالات راسخة في التاريخ الإسلامي وقد قال بها علماء كبار.
د.عدنان إبراهيم الذي ندب نفسه لمقارعة الملاحدة وأصحاب الضلالات الحقيقية، الهيئة تحذر منه مقدمة بذلك خدمة كبيرة إلى الملاحدة والزنادقة.
ينحتون قواعد وعندما لا تخدم مصالحهم يقذفونها بالحجارة، هم من قالوا من اجتهد ثم أصاب فله أجران، ومن اجتهد ثم أخطأ فله أجر، د.عدنان إبراهيم بنفس المنطق الذي نحته هم أنفسهم، مأجور في كلتا الحالتين.
نفس المنطق القديم يعود من جديد، لو كانت الهيئة انتخبت شيخًا من شيوخها، ومكنته منبر من منابرها، وأوكلته مهمة الرد وتفنيد ومقارعة حجج د.عدنان إبراهيم بالمنطق السليم و طرق شرعية، غير الطرق التي نعرفها جيدًا من إثارات مشاعر العامة وتهويل لكان أفضل للأمة وأسلم لدنيا والدين.
لكن نحن عطلنا سنة الدافع كما عطلنا سنة الشورى و كما عطلنا مبدأ ثورة على الظلم، وجعلنا مروقا من الدين وأبحنا للطغاة تسلط على عباد الله وجعلنا العبودية مما يتقرب به، اصبر لظالم ولو جلد ظهرك وأخد مالك، وكأن حظنا أن نكون أعوانا لطواغيت، أنتجنا خطابا لا يمت لمحمد ﷺ بشيء، بعدما كان الإسلام يستوعب الغرباء جعلناه يضيق بأهله.
لقد فشل صراحة أسلوب الحجب والتمرير، وإستدعاء الإجماعات المزيفة، ودس أدلة المخالفين، وشيطنة كل من لا ينتمي إلى مشروعنا الضيق، كما فشل أسلوب الإرهاب وتخويف، ونتيجة لهكذا سياسة هي مليون ملحد في سعودية، والهيئة تركت الأزمات الحقيقية واتجه وجهها شطر د.عدنان ابراهيم. الأزمات تتزايد ومع ذلك لازلنا ننتهج نفس الطريق لا نتعلم لا من التاريخ ولا من الحاضر.
بسبب هذه سياسة التي تنتهجها الهيئة، بدأ يفقد الخطاب الديني جاذبيته، كما بدأ يفقد حضوره في حياة كثير من المسلمين، الله أنزله رحمة وهم جعلوه نقمة على عباده، قال الله تعالى “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”، وهم قالوا لا يكفي نحتج إلى قال فلان وعلان، فأفرقوا الأمة ومزقوا وحدتها، بعدما كان الناس يدخلون في الدين الله أفواجًا جعلوهم يخرجون أحزابًا أحزابًا، ومن لم يخرج من تلقاء نفسه أخرجوه بقال شيخ فلان وقال شيخ علان.
ليس معقول أن ننتمي لأمة ينخر فيها الفقر و الجهل والفساد السياسي والاستبداد، ليس معقول أن ننتمي لأمة مقهورة تعاني من كل الموبقات والأمراض الاجتماعية متأخر، والعدو داخل بيتها، وأنتم لازلتم تجمعون الجموع وتحزبون الأحزاب في أمور ليست من المعلوم من الدين بضرورة.
عندما يشب حريق في بيت ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن؛ لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الاستحمار وإن كان عملا مقدسًا على شريعتي.
تركتم الواقع البائس للأمة، تركتم معانتها، تركتم الحاضر وهربتم للماضي، وبنيتم لأنفسكم كوخا في القرن تاني وثالث الهجري، ومكثتم هناك، وأي منطق جديد أو أي طرح لدين من زاوية مختلفة نركم حمر مستنفرة فرت من قسورة.