يقول صديقى المؤيد للسلطة فى مصر أن الغضب الشعبى من زيارة وزير الخارجية لاسرائيل لا مبرر له ويمثل منتهى المراهقة السياسية والمزايدة الرخيصة على النظام ، فاسرائيل لم تعد العدو بل دولة صديقة لمصر لا تؤذيها مثلما تؤذيها حماس وجماعات الإسلام السياسى وأن علينا استيعاب أن العدو قد تغير ولم يعد اسرائيل التى يمكن أن تساعدنا فى مجالات مختلفة مثل الزراعة والتكنولوجيا والحرب على الارهاب كما يمكنها الضغط على أثيوبيا لتخفف من سياستها العدائية ضد مصر فى مشكلة سد النهضة !
لا يعبر كلام الرجل عن موقفه الشخصى بل عن موقف السلطة فى مصر حاليا حيث بلغ التقارب الرسمى المصرى الاسرائيلى إلى أفضل مراحله بشهادة الاسرائيليين أنفسهم بل إن الولايات المتحدة نفسها أبدت استياءها عبر مصادر دبلوماسية من درجة التقارب والتعاون الوثيق الذى يتخطاها أحيانا بين البلدين
التصريحات الرسمية المصرية فى عهد مبارك كانت تتهم اسرائيل بممارسة الإرهاب ضد الشعب الفلسطينى بينما الموقف الرسمى الحالى يرى اسرائيل بلد محب للسلام ومحارب للإرهاب ! ما الذى تغير فى الموقف المصرى خلال هذه السنوات ، كان فصل النائب توفيق عكاشة أحد أبواق السلطة من البرلمان بعد مقابلته للسفير الاسرائيلى أبرز تجليات السلطة التى قاد إعلامها حينها حملة ضارية لتخوين عكاشة ووصف اسرائيل بالعدو الصهيونى ورفض التطبيع وضرب عكاشة بالحذاء والاحتفاء بمن قذف الحذاء ، و الاحتفاء بالحذاء نفسه الذى قيل أنه سيتم وضعه فى متحف البرلمان المصرى تعبيرا عن رفض التطبيع !
نفس هذه الأبواق الأن تهاجم كل من انتقد الزيارة وتمجد اسرائيل والتقارب معها ، لم يمض زمن طويل بين الحادثتين مما يرسخ التناقض والعبثية التى تحاول بها هذه الأبواق خداع المصريين وغسيل عقولهم ليؤيدوا ما تقوم به السلطة
من العجيب أن المؤيدين يرون ما يحدث استعادة لدور مصر والعودة للتأثير الإقليمى بينما الحقيقة غير ذلك للأسف ، مصر صارت خارج معادلة التأثير تماما وكل الترتيبات التى تحدث بالمنطقة يتم إملاءها عليها وهناك ترتيبات استراتيجية غير معلنة تفسر المواقف الرسمية الأخيرة سواء قضية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير أو زيارة وزير الخارجية لاسرائيل أو حتى المشاركة فى مؤتمر المعارضة الايرانية فى باريس بتمثيل برلمانى مصرى
نحن فاقدون للبوصلة ونواصل التخبط دون رؤية استراتيجية وطنية تراعى المصلحة المصرية وتحترم المكانة التاريخية لمصر فى ملف القضية الفلسطينية والصراع العربى الصهيونى ، تبدو اسرائيل اليوم فى أشد لحظات سعادتها التى ارتسمت على وجه القاتل نتنياهو وهو يضع قدمه فى وجه الجميع بعد أن جمع رؤساء دول أفريقيا كتلاميذ يبغون قربه ويسمعون منه فى إهتمام وأدب جم
ما هو الثمن الذى تجنيه مصر من هذا الهوان ؟ ما هى المصلحة التى تعود على الوطن من تلك السياسات التى قزمت مصر ؟ اسرائيل دولة احتلال مازالت تنهب أراضى فلسطين وتبنى عليها مزيدا من المستوطنات ، اسرائيل لا تريد السلام ولا تريد حل الدولتين الذى قررته قرارات الأمم المتحدة والذى حاولت المبادرة العربية للسلام إحياءه ، اسرائيل ترفض أيضا حل الدولة الواحدة التى تضم الجميع بدون فصل ولا تمييز دينى أو عنصرى وتصر على يهودية الدولة واحتقار الفلسطينيين ، اسرائيل ما زالت تحاصر قطاع غزة الذى يمثل كارثة إنسانية يجب أن يخجل منها العالم كله
ما الذى تغير حتى نصف اسرائيل بالصديق ؟ لماذا نتودد الى نتنياهو وعصابته المجرمة وندعى أن ذلك من أجل تحقيق السلام ومن أجل مصلحة الشعب الفلسطينى ؟ لو تريد اسرائيل صناعة السلام فهى لا تحتاج لمصر ولا غيرها بل تحتاج خطوات حقيقية تقوم بها من جانبها لانهاء الاحتلال والعودة لحدود 67 ، هذا بافتراض أننا رضينا أصلا باغتصابها لأرض فلسطين من 1948 بعد المجازر والتهجير القسرى الذى قامت به ضد شعب أعزل جعلته شتاتا فى الأرض منذ عشرات السنين
وهم صناعة السلام والتقرب من اسرائيل لجعلها تعطى الحقوق للفلسطينين أكذوبة كبرى ، اسرائيل لن تمنحنا غير القتل والتآمر فى افريقيا لتعطيشنا أو إجبارنا لتحويل مياه النيل إليها وجعلنا تابع ذليل لها تستخدمه لمصالحها ، الدور الرسمى المصرى الذى تريده اسرائيل هو تمرير التطبيع لكافة الدول العربية ، تطبيع مجانى دون توقف عن جرائم مستمرة ودون منح الفلسطينين حق إقامة وطن على جزء من أراضيهم المحتلة
على مدار عقود متتالية حاربت مصر من أجل فلسطين ولحماية أمنها القومى واليوم يتبدل المشهد إذ نتقدم الصفوف لنقوم بتجميل وجه اسرائيل القبيح أمام العالم ! كيف وصلنا لهذا الانحدار وكيف نرضى لأنفسنا هذا الدور المشين ؟؟ !!
نريد تفسيرا من السلطة لما تقوم به من قفزات كارثية تسىء لعموم المصريين ، نريد تفسيرا أوحتى تبريرا من المؤيدين المدافعين عن النظام بشراسة حتى هذه اللحظة ! كيف تقبلون كل هذا الاستحمار ؟ وكيف تباركون كل هذا الهوان
اسرائيل عدو للإنسانية بعنصريتها البغيضة وبحربها على الإنسان ، ومن يدعون أنهم يعبرون عن مشاعر المصريين عليهم أن يدركوا أنهم يعبرون عن أنفسهم فقط ، المصريون يعرفون أن اسرائيل هى العدو وليس بنى وطنهم من المعارضين للسلطة وليس اخوانهم من الفلسطينين المقهورين ولا المقاومين الأبطال
هذا ما سنعلمه لأطفالنا ونلقنهم إياه ما حيينا ، أما أنتم فاستمروا فى غيكم وغدا بعد فوات الأوان ستبصرون !