لا داعي لإيراد الكثير من الأسماء والوقائع كي يمر الكلام، فالكل يعرف ما جرى ويجري، لكن إدانة الهرولة إلى تل أبيب تبقى ضرورية، سواء تمثلت في زيارات رسمية، أم «غير رسمية».
والحال أن الغزو الصهيوني لإفريقيا، وبدء مسلسل العلاقات بين دول إسلامية في القارة السمراء، لا يمكن أن يكون بعيدا عن هذا الذي يجري. فحين يسافر وزير خارجية أكبر دولة عربية إلى تل أبيب، ويجلس في مقر إقامة نتنياهو في القدس، وهو ما لا يفعله الأميركان والأوروبيون، فمن الطبيعي أن يطبّع الأفارقة، ولا يجد أمثال إدريس ديبي، رئيس تشاد حرجا في إعادة العلاقة مع الكيان.
طوال الوقت كنا نسمع القادة الصهاينة يتحدثون عن العلاقات السرية بينهم وبين دول عربية، وكنا نقول إن ذلك نوع من استدراج الآخرين، مع علمنا أن بعض الكلام صحيح بالفعل، لكننا تشبثنا بالأمل بألا يتورط كثيرون في هذه المعمعة، خاصة من الدول التي ليس لها تماسٌ مباشر مع العدو، لكن يبدو أن القناعة بأن مفاتيح قلب أميركا في يد الصهاينة قد فعلت فعلها، وأضيف إليها تلك العلاقة الحميمة بين روسيا (بوتين)، وبين الكيان، وهي التي يتم السكوت عليها بالطبع من أدعياء الممانعة، مقابل الزفة والصراخ في حالة الآخرين.
لقاءات كثيرة كانت تتم هنا وهناك، لكن تطور الموقف من قبل البعض نحو زيارة الكيان، واللقاء مع رموزه وقادته، لا ينبغي أن يمر مرور الكرام على الشرفاء، ولا قيمة للقول إن الزيارة تمت لمناطق السلطة لأنها تتم بتأشيرة صهيونية، فضلا عن أن اللقاءات المشار إليها تؤكد أن الأمر لم يتوقف على مناطق السلطة، بل تجاوزها إلى المناطق الأخرى.
لعل أسوأ ما في المشهد أن يتورط البعض في تبرير ذلك عبر مقارنات بائسة، مثل الحديث عن علاقات رسمية لمصر والأردن مع الكيان، وهي العلاقات التي لم تمنع إدانة القوى الشعبية في البلدين لأي شكل من أشكال التطبيع، فضلا عن قصة تطبيع أردوغان التي أدنّاها أيضا بلا تردد، رغم علمنا بالعلاقة التاريخية الراسخة بين البلدين، التي توترت فقط بسبب قضية سفينة مرمرة.
الأسخف في السياق هو مبررات ذلك التطبيع، ممثلا في القول إن اللقاءات هي لمناقشة المبادرة العربية وإقناع الصهاينة بها، لكأن هؤلاء سيقنعون نتنياهو بما عجز قادة العرب عن إقناعه به، مع العلم أن المبادرة تنص على أن قبول الصهاينة بالمبادرة سيعقبه تطبيع مع كل الدول العربية. وهي مبادرة ردَّ شارون على إطلاقها عام 2002، باجتياح الضفة الغربية، فيما أعلن نتنياهو مرارا وتكرارا رفضه لها.
أما الأسوأ من ذلك كله، فهو تبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني بالتفرغ لمواجهة إيران، لكأن بعضهم يقاتلون الكيان، ما يشغلهم عن مقارعة إيران، مع أن التطبيع معه يمنح لشبيحة إيران سلاحا مهما كي يؤكدوا مقولاتهم حول «المقاومة والممانعة»، أي أن أولئك يخدمون إيران أكثر مما يضرونها، وموقف الصهاينة من الصراع السوري معروف، فضلا عن دعمهم لمغامرات الأكراد، وكل ما من شأنه الإبقاء على هذا الحريق في المنطقة، بل تصعيده أكثر فأكثر.
بقي القول إن على شرفاء الأمة ألا يترددوا في التصدي لأي شكل من التطبيع مع العدو الصهيوني، سواء كان رسميا أم شعبيا، ولا يقبلوا أي تبريرات له، لأن تلك مهمتهم التي لا يجب أن يتخلوا عنها بحال.