شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

معركة السيسي الوحيدة! – أحمد نصار

معركة السيسي الوحيدة! – أحمد نصار
أحاط السيسي نفسه بمنفاقي السلطة، الذين يبررون له قرارات ذبح المواطن، ورفع الدعم وغلاء الاسعار، ويطالبون الشعب بالتقشف وأكل ورق الشجر، بينما هم منعمون، راغدون، يستغلون نفوذهم للحصول على مقدرات الوطن

يقول ميكافيللي أن من أهم أدوات الحكم على القائد أن تنظر إلى الرجال الذين يحيط نفسه بهم. لكني أضيف أن من أهم تلك الأدوات أيضا أن تنظر إلى المعارك التي يخوضها هذا الحاكم.

لن أتحدث عن الرجال الذين كانوا حول مرسي، فلقد كانوا شرفاء أنقياء خرجوا من الحكم بدون قضية فساد واحدة؛ مبدعين، وأنجزوا في ملفات دقيقة كرغيف الخبز والبوتاجاز والتموين ما شهد به القاصي والداني. ولقد حاولوا إلصاق أي تهمة مالية بالرئيس فوجدوا أنه لم يتقاض حتى راتبه!

بينما أحاط السيسي نفسه بكل كذاب أشر، فاشل متربح، ممن يسكنون القصور ويسيرون في أفخم المواكب، ويجددون مكاتبهم بمئات الألوف، يسيرون معه على سجادة حمراء بالآلاف، ويركبون معه طائرة رئاسية جديدة باليورو، ويسافرون معه إلى ألمانيا وأميركا لالتقاط الصور واستقباله حيث لا يستقبله أحد.

أحاط الرئيس مرسي نفسه بأناس يفتشون عن رجال الأعمال المتهربين من الضرائب، وصورت الكاميرات ساويرس وهو يدفع ضرائب بالمليارات لخزينة الدولة، بينما أحاط السيسي نفسه بمنفاقي السلطة، الذين يبررون له قرارات ذبح المواطن، ورفع الدعم وغلاء الاسعار، ويطالبون الشعب بالتقشف وأكل ورق الشجر، بينما هم منعمون، راغدون، يستغلون نفوذهم للحصول على مقدرات الوطن، ولا يمسهم اي من قرارات التقشف ورفع الدعم تقريبا!

***

ومنذ اليوم الأول أعلن الرئيس مرسي عن أهدافه الاستراتيجية، والمعارك التي يريد أن يخوضها، وهي معارك تولدت مع ثورة يناير: “ننتج دواءنا وننتج غذاءنا وننتج سلاحنا”، حتى يتحقق الاستقلال الكامل، وتخرج مصر من التبعية الأميركية المفروضة عليها سرا منذ انقلاب 52، وعلنا منذ كامب ديفيد 79. وحين طلب الأمريكان من الوزير باسم عودة استيراد القمح الأميركي بأي ثمن، رفض، وقال أن زراعة القمح هدف في حد ذاته.

في المقابل؛ كانت وعود السيسي قليلة، أهمها شبكة طرق تمسك مصر، وقناة سويس جديدة تدر على مصر 160 مليار دولارسنويا، وعاصمة إدارية جديدة، وتعهد بعدم رفع الأسعار مهما تأثر الدولار، وكلام عام أن مصر ستصبح أد الدنيا، هو ما تحطم على صخور الواقع الأليم، ورغبة في لم الفكة، والثلاجة الفاضية!

كان الخلاف الأزلي بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه هل التابلت “إينار” صنع في مصر بنسبة 100% أم تم تجميعه في مصر فقط؟؟ بينما ثار جدال طويل مضحك لدرجة البكاء، في عهد السيسي، حول جهاز يعالج الايدز بالكفتة، والوحش المصري السير في البر والبحر والجو، وطلاب الثانوية الذين يكتشفون علاجا لكل شيء!

***

إن مرسي كان يمتاز بصفتين، لم يجتمعا لا في السيسي ولا في حاكم من قبله، وكان يكفي رفض الانقلاب عليه لهذين السببين فقط، أولا؛ أنه أتى بانتخاب، وأراد أن يذهب بانتخاب، لا بانقلاب، لترسيخ مبدأ تداول السلطة سلميا في مصر، بعد عقود وقرون من اللجوء للقوة، وثانيا؛ أنه أن يكسر الطوق المفروض على مصر، بألا تظل تتسول قوتها ودؤاها وسلاحها، وكم كانت فرصة عظيمة لمصر والمصريين أضاعها الانقلاب العسكري المدعوم بشبكة متجذرة من المصالح الداخلية والإقليمية والخارجية تريد من مصر أن تظل راكعة! لقد أنجبت الثورة العديد من المطالب، لكن كان يجب حماية هذه المطالب الوليدة، لا الانقلاب عليها!

وبعد كل هذا، ورغم ضآلة المعارك التي خاضها السيسي هل حقق منها أي شيء؟؟ هل تحسن الاقتصاد على حساب السياسة؛ مما قد يعطي أي مبرر لأنصار الانقلاب في الوقوف معه؟؟ أم ساءت الأمور وانهارت العملة ورُفع الدعم واشتعلت الاسعار وشح الدولار ونقصت الأدوية وصارت مصر على حافة الهاوية كما يجمع كل المحللين تقريبا؟؟(رغم كل الرشاوى التي حصل عليها من الخليج على شكل مساعدات بالمليارات)

لو أردنا الدقة والصراحة؛ فإن المعركة الوحيدة التي خاضها السيسي كانت ضد الثورة، وضد الجماعة الأكثر تنظيما فيها، وهي جماعة الإخوان المسلمين، وضد المؤسسات التي أنتجتها هذه الثورة ممثلة في البرلمان الذي حله العسكر، والدستور الذي شطبه العسكر، والرئيس الذي أطاح به العسكر!

وإن مؤيدي السيسي، فضلا عن أن كثيرا منهم مستفيدون من ذلك، ماليا أو سياسيا، إلا أنهم في الواقع فرحون جدا لانتصاره حتى الآن في هذه المعركة، وسعداء للغاية بعودة مصر للحكم الدكتاتوري، قانعين بأنه يكفي للسيسي أن أقصى الإخوان، أصحاب المشروع الإسلامي المقبول من قطاع عريض من الشعب، حتى لو كان الثمن خيرة شباب مصر، ودمارا للاقتصاد، وموتا للحريات، ودعم أدوات الفتنة، وعملاء الاحتلال الجدد في اليمن وسوريا والعراق 
ولبنان، وفي الخلفية طبعا إسرائيل التي تصلي يوميا كي يبقى لها السيسي!

ولقد عبر السيسي عن ذلك بوضوح حين سئل عن برنامجه الانتخابي بعد إعلان ترشحه للرئاسة فأجاب باندهاش: جايين دلوقتي تسألوني عن برنامج؟؟ لقد كان برنامج السيسي الرئيسي ومعركته الوحدية هي تثبيت الحكم العسكري المستبد، والحفاظ على مكاسبه ومكاسب الطبقة المستفيدة منه، وحمايته من تلك الهبة الثورية التي تدعو لمراقبة ميزانية الجيش، وإغلاق الباب أمام الفاسدين والمرتشين، وهو ما تضخم بعد الانقلاب، فرأينا الجيش يتدخل في جميع المشروعات بما فيها لبن الأطفال، وصار يشكل 60% من اقتصاد مصر كما تقول الواشنطن بوست (كان هذا في 2014)

لقد كانت معركة الرئيس مرسي ترسيخ مبدأ أن يختار الناس من يحكمهم، بينما معركة السيسي كانت كما قال عبد الناصر: المهمة الأولى للقائد أن يظل قائدا!

***

مصادر: الواشنطن بوست: الجيش يسيطر على 60% من اقتصاد مصر ( كان هذا بتاريخ 2014)
https://goo.gl/9n3CLO



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023