شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

في جمهورية الضباط.. الشعب مجرد زبون!

في جمهورية الضباط.. الشعب مجرد زبون!
"اختلِق أزمة اقتصادية للقبول بحل ضروري يجعل الناس يغضون الطرف عن حقوقهم الاجتماعية، وتردي الخدمات العامة باعتبار ذلك الحل شرا لا بد منه"، هكذا وصف نعوم تشومسكي تصرفات بعض الجهات الحاكمة في بعض البلدان للسيطرة على شعوبها.

“اختلِق أزمة اقتصادية للقبول بحل ضروري يجعل الناس يغضون الطرف عن حقوقهم الاجتماعية، وتردي الخدمات العامة باعتبار ذلك الحل شرا لا بد منه”، هكذا وصف نعوم تشومسكي تصرفات بعض الجهات الحاكمة في بعض البلدان للسيطرة على شعوبها.
ومنذ تاريخ الثالث من يوليو ٢٠١٣م، بدأت القوات المسلحة في الظهور بدور المنقذ في العديد من الأزمات الاقتصادية رغم أنها لم تكن تفعل قبل ذلك التاريخ، ولم يعد خافيا على أحد ما يتبعه الجيش من سياسة تعطيش السوق وخلق الأزمات ليظهر في صورة المنقذ الذي يوفر السلعة للمواطنين، ويحقق مكاسب اقتصادية هائلة وينال رضا الشعب في الوقت ذاته.
يرى البعض أن المشكلة ليست أن يكون الجيش منتجًا لبعض السلع، طالما أن هذا لا يؤثر على دوره الرئيس في حماية حدود البلاد وأمنها، بل إن المشكلة الرئيسة تكمن في سعي الجيش للسيطرة الاقتصادية على السوق المصرية وذلك من خلال استغلال مواد دستورية وتوظيفها لمصالحه، فالحكومة تقوم بإسناد مشاريع بعينها للهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة دون عمل أي مناقصة استغلالا لقانون المناقصات والمزايدات الذي أصدره عدلي منصور الذي يسمح بذلك، وتقوم الحكومة بدفع مبلغ كبير للهيئة الهندسية مقابل هذا المشروع الذي يذهب مكسبه إلى ميزانية الجيش الخاصة في حين أن بعض الشركات قد تقوم بتنفيذ هذا المشروع بنفس الجودة أو أعلى مقابل مبلغ أقل من المال! 
الطبيعي أن تقوم الحكومة بمناقصة بين الشركات المتقدمة لإنجاز المشروع، وتقوم الشركة التي حصلت على المناقصة بإنجاز هذا المشروع مقابل مبلغ معين تحصل عليه من الحكومة.
وكذلك نجد مثلاً قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المصري الصادر بالقانون رقم 186 لسنة 1986 ينص على إعفاء ما تستورده وزارة الدفاع والشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي من الجمارك.

يقول أنس عبد الحفيظ ( كاتب ومدون) عندما يستورد الجيش سلعة معينة كالسكر مثلا نجده لا يتحمل سوى تكلفة المنتج على عكس المستورد المحلي الذي يتحمل تكلفة المنتج والجمارك الخاصة بها ورسوم النقل والتخزين وغير ذلك، وبالتالي نجد الجيش قادرا على خفض السعر ورفعه كيفما يريد على عكس التاجر الذي يكون ملتزماً بحد أدنى للسعر حتى يستطيع جني أرباح ومواصلة تجارته. وبسيطرة الحيش على السوق بهذه الطريقة يكون التأثير سلبيا على الشركات المدنية التي تضطر أحيانا للتصفية أو تغيير النشاط
أزمتا السكر والألبان نموذجا
بدون أي إشارات من قريب أو بعيد اختفى السكر من الأسواق وبدأ النظام يتهم كل من يحمل السكر بأنه محتكر ومُخزن للسلعة وتم القبض على البعض بالفعل وأغلقت بعض الشركات التي تعتمد في إنتاجها على السكر أبوابها لأسابيع ومنها ما هو مغلق حاى الآن، وفجأة ظهرت عربات القوات المساحة محملة بالسكر وسلع أخرى لتبيعه للمستهلك بسعر أعلى من السعر الذي وصل إليه قبيل حدوث الأزمة! ونفس السيناريو تم تطبيقه مع ألبان الأطفال التي وفر منها الجيش في يوم وليلة ثلاثين مليون علبة بمكاسب خيالية!
مما دفع رئيس فريق تحرير تقرير التنمية العربي الصادر عن الأمم المتحدة نادر فرحاني يصرّح: إن “العملية المخابراتية بالغةُ الفظاظة، تكاملت حلقاتها في رفع الدعم الحكومي عن السلعة الحيوية لألبان الأطفال لرفع سعرها، ثم إفراغ السوق بالكامل من المخزون حتى يتسنى لتاجر واحد احتكار السوق، ورفع السعر لأربعة أمثال السعر الابتدائي لتحقيق أرباح هائلة”.

وهنا يرى بعض الخبراء أن مثل هذه التصرفات من القوات المسلحة لا تحمل سوى دلالة أن الجيش يتعامل مع الشعب على أنه مجرد عميل ( زبون) ليس أكثر وبالتالي يتبع كافة السبل لاستخراج الأموال من جيوب الناس سواء كانت تلك السّبل شريفة أو غير ذلك. ويؤكد الخبراء أن ما يحدث في هذا السياق ما هو إلا صورة فجة من صور الفساد المالي بل والتدمير المتعمد للصناعات التي تعتمد عليها الشركات المدنية حتى أن الشركات ( خاصة العاملة في مجال البنية التحتية والمقاولات) صارت تبحث عن طرق شرعية وغير شرعية للوصول إلى المسئولين عن إسناد المشروعات لبعض الشركات المدنية من الباطن داخل الجيش حتى تحصل على مشروع أو اثنين، ويعلم أصحاب الشركات أنه في حالة عدم تحقيق علاقات قوية مع بعض الجنرالات داخل المؤسسة العسكرية لن يتم إسناد المشروعات إليهم. 
إنقاذ الموقف
من جانبه يرى رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي أن الأزمات ليست مفتعلة لكنها ناتجة عن فشل سياسات الحكومة وافتقارها للرؤية السياسية، وهي “تأكد ضرورة تغيير تلك الحكومة التي أصبحت تفجر أزمات حولت حياة الشعب إلى جحيم”.
وشدد الشهابي في تصريح للبي بي سي على أن “تدخل الجيش يأتي دائما لإنقاذ الموقف حتى لا يتدهور وتدخل البلاد إلى النفق المظلم”، غير أنه لاحظ في الآونة الأخيرة “ارتفاع وتيرة الانتقادات لتدخلات الجيش من أجل تهدئة الأوضاع الملتهبة بسبب أخطاء الحكومة وهي بالجملة وشبه يومية”.
 وعندما تحاورَ “رصد ” مع مجموعة من مقاولي البناء الذين نجحوا في الحصول على موافقة الجيش على إسناد بعض المشروعات إليهم وجدت أن هؤلاء قد أجمعوا على أن العمل من خلال القوات المسلحة أمان لهم في تحصيل مستحقاتهم وأن الجميع يجب أن يوافق على الشروط التي تضعها الهيئة الهندسية وعلى حد قول أحدهم ” يا باشا البلد بلدهم” في حين يرى آخر أنه رغم انتفاعه من وراء القوات المسلحة بهذه المشروعات إلا أنه يجب على الجيش أن يرفع يده عن الاقتصاد وأن يهتم بمواجهة الإرهاب ورفع مستوى الأداء القتالي للجنود بدلا من اهتمامه بالمكسب واستغلال المواد الدستورية بل واستغلال المواطنين أنفسهم من أجل مكاسب مادية زائلة على حد قوله، مؤكدا” نحن لسنا في معسكر حتى ترتبط أرزاقنا بالقوات المسلحة وبتوقيع من عقيد أو عميد بالجيش.”
وهكذا يظل المواطنون في انتظار الأزمة التالية التي سيتدخل رجال القوات المسلحة من أجل حلها ورفع المعاناة عنهم، وحتى يتم المراد تكون دائرة المعاناة قد اتسعت وانضم إلى ركب الضحايا ضحايا جدد مثلما حدث في أزمة ألبان الأطفال، وفي الوقت ذاته يكون ركب آخر من المواطنين يتجهز للدعاء بالخير والبركة للمنقذين!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023