قبيل أيام من عيد ميلاد “حزين” يخلو من معظم مظاهر الاحتفالات؛ احتراما لضحايا تفجير كنيسة البطرسية الأخير الذي أودى بحياة 28 شخصا.. أكد بابا الكنيسة المصرية، تواضروس الثاني، أن علاقة الأقباط بالنظام ، لا تزال في “شهر عسل”.
رأي الكنيسة الرسمي، الصادر في حوار متلفز مساء الأربعاء الماضي، لم يختلف عنه متخصصون في الشأن المسيحي بمصر، مؤكدين، في تصريحات منفصلة للأناضول، أن الموقف الرسمي الداعم سياسيا سيستمر بين الأقباط والنظام طالما بقي رأس الكنيسة والسيسي في منصبيهما، إلا أنهم أكدوا وجود نبرة غضب ضد النظام متزايدة من المسيحيين كحال مصريين آخرين يعانون من الغلاء وغيره من الأزمات.
وردًا على سؤال للإعلامي المؤيد للسلطة، عمرو أديب، حول ما قالته محطة إخبارية (لم يذكرها) مؤخرًا عن “انتهاء شهر العسل بين الأقباط ونظام السيسي”، قال تواضروس : “قرأت عن انتهاء شهر العسل وهذا لا معني له ولا قيمة له ووراءه أفكار خبيثة ماكرة”.
ووصف تواضروس غضب الشباب المسيحي عقب التفجير الأخير وترديده هتافات ضد النظام والبابا، بأنه “غضب اللحظة وغير محسوب” مؤكدا أنه “مع الهدوء والتفكير العاقل الأمور تتحسن”.
وشهدت العلاقة بين أقباط مصر ونظام السيسي 4 أحداث بارزة قبيل عيد الميلاد حسب رصد الأناضول:
1- اعتداءات أسفرت عن قانون
وشهدت محافظات مصرية 37 اعتداءً طائفيًا وقعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقباط (المسيحيين الأرثوذكس في مصر) حسب تصريحات لبابا الكنيسة المصرية تواضروس الثاني، في يوليو/تموز الماضي، الذي قال إنها بمعدل اعتداء كل شهر جراء خلافات حول العرض أو بناء وترميم الكنائس.
وعقب حالة من الجدل أثيرت حول مشروع قانون الكنائس، أقره مجلس النواب المصري في 30 أغسطس/ آب بشكل نهائي بعد “التوصل إلى صيغة توافقية مع ممثلي الكنائس المصرية” خاصة بعد استبعاد شرط موافقة الجهات الأمنية على طلبات بناء الكنائس على خلاف ما كان معمولا في السابق.
2- تفجير الكنيسة البطرسية
وجاء تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية المسيحيين الأرثوذكس في حي العباسية منتصف الشهر الماضي؛ الذي أسفر عن سقوط 29 قتيلاً، بينهم منفذ العملية، وأكثر من 40 مصاباً، ليثير حالة من الغضب خاصة لدى شباب الكنيسة ضد النظام المصري.
وردد الشباب الغاضب هتافات هاجمت رأس الكنيسة فضلا عن النظام المصري، كما منعوا الإعلام الداعم للنظام من التواجد بمحيط الكنيسة وطردوا بعض الإعلاميين بعد التعدي عليهم.
وهو ما قوبل من الرئاسة بإعلان حداد رسمي لامتصاص حالة الغضب، وترميم سريع من الجيش للكنيسة، وحضور السيسي جنازة الضحايا وإعلانه عن منفذ التفجير، كما شددت وزارة الداخلية من إجراءاتها الأمنية حول الكنائس؛ تحسبًا لأي اعتداءات أخرى بالتزامن مع أعياد الميلاد.
3- مشروع القانون الأمريكي
ورغم حالة الدفء بين الكنيسة والنظام، طالب مشروع قانون قدمه نواب بالكونغرس وزير الخارجية الأمريكي بتقديم تقرير سنوي إلى الكونجرس بشأن الجهود لترميم وإصلاح الممتلكات المسيحية المصرية، التي تعرضت للإتلاف عقب الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر في يوليو/ تموز 2013.
ولاقى مشروع القانون رفضًا من الخارجية المصرية التي قالت “يحمل مغالطات تتنافى مع الواقع جملة وتفصيلا، وأن البلاد لم تشهد عنفاً طائفياً”.
وهو ما أيدته الكنيسة المصرية بانها “ترفض وبصورة قاطعة أي حديث عن مشروع قانون أمريكي خاص بترميم الكنائس المصرية المتضررة، مؤكدة أن “الحكومة المصرية قامت بواجبها الكامل في إصلاح وترميم الكنائس بجهود وأموال مصرية”.
وبالتوازي، انتهت القوات المسلحة من أعمال الترميم الخاصة بتفجير الكنيسة البطرسية خلال أسبوعين لتكون جاهزة لاستقبال الأقباط للصلاة في أعياد الميلاد.
4- ذبح مسيحي
ولم تلبث أن هدأت الأمور حتى أقدم شخص ملتحٍ، الثلاثاء الماضي، على ذبح مسيحي يمتلك محلا لبيع الخمور، في محافظة الإسكندرية، شمالي البلاد، دون التعليق على الحادث من الكنيسة.
غير أن رئيس مجلس النواب في تعليقه على الحادث وصفه بـ”الإرهابي” قائلا : “هذا قدرنا ونحن صامدون، وسنخرج من هذا الإرهاب”.
* السيسي وتواضروس دعم مستمر
وفي تصريحات للأناضول، قال المفكر القبطي، جمال أسعد، إن “الأقباط مواطنون مصريون، وأي حديث عن الأقباط هو حديث طائفي يقسم المصريين لمسلمين ومسيحيين، وهذا لا نريده على الاطلاق”.
وتابع: “البابا تواضروس مؤيد للنظام، وهذا واضح منذ 3 يوليو(تموز) 2013 (في إشارة لتأييده لبيان الإطاحة بمحمد مرسي، من منصبه كرئيس للبلاد)، وليس مطلوبا أن يكون البابا والكنيسة ضد النظام، أو مع النظام بهذا المستوى، والانجراف وراء هذا النظام بهذا المستوي يأتي برد فعل عكسي وسلبي”.
وحول استمرار بقاء الكنيسة كورقة دعم سياسية للنظام، أكد رفضه تدخل الكنيسة في العمل السياسي، وترحيبه بدورها الوطني، لاسيما موقفها الأخير ضد القانون الأمريكي الخاص بترميم الكنائس.
وحول مستقبل تلك العلاقة بين الكنيسة والنظام، قال أسعد: “ستستمر العلاقة كما هي طالما هناك سيسي وتواضروس”.
وحول رأيه في غضب الأقباط، أضاف: “مجمل الاقباط ليس لديهم استعداد لانهيار النظام ليس حبا في النظام الحالي ولكن خوفا من القادم (..) وما تردد عن شباب غاضب فهم لا يمثلون الأقباط ويريدون التقاط الصورة”.
وتابع : “بدليل أن تفجير الكنيسة كان المقصود منه انقلاب المسيحيين على النظام وإنهاء شهر العسل بين الكنيسة والنظام لكن النتيجة كانت عكسية حيث عالج السيسي الموقف بذكاء وأقام جنازة رسمية وأعلن عن أيام حداد وطني، وهذا جعل الأقباط يرتاحون نوعا”.
ومتفقًا معه في الرأي الأخير، قال مينا ثابت، مدير برنامج الأقليات في المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة غير حكومية مقرها القاهرة): “كان هناك غضب واستياء كبيران بين الشباب لحظة التفجير لكن ليس معنى هذا أنهم كانوا يريدون إسقاط النظام، كما هتف بعضهم، ولا يعني الاعتداء المرفوض على إعلاميين (مؤيدين للسلطة) إلا رسائل منهم كلها تعبر عن الرفض لما يحدث ويتكرر”.
* علاقة الأقباط بالسلطة
ويستدرك في حديثه للأناضول: “نستطيع أن نقول إن علاقة الأقباط بالسلطة مثل كل المصريين يعانون نفس الأعباء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولكن بالإضافة لذلك يواجهون انتهاكات مرتبطة بالعنف الطائفي والتمييز”.
وأضاف: “علاقة الكنيسة بالسلطة طيبة ولكن هل يمكن أن نقول إن كل المسيحيين كذلك .. لا أعتقد ذلك”، مضيفا : “لم تتغير أحوالهم إلى حد كبير، إلا في زيارة الرئيس للكاتدرائية والحديث عن تجديد الخطاب الديني دون تغيير جذري” .
وتابع: “لا يزال الأقباط لا يشغلون الوظائف المرموقة بالدولة، وهناك وقائع مثل ذبح المسيحي تشكل نمطا للانتهاكات، ورغم الصخب والاهتمام لا تغيير جذريا مثلا في مناهج التعليم وجعلها تقبل بالتعددية وقبول الآخر”.
* المعاناة واحدة
أكرم لمعي، المفكر المصري، وأستاذ مقارنات الأديان بجامعة الزقازيق (دلتا النيل/ شمال)، توقع أن يحضر السيسي “غالبا” كعادته قداس عيد الميلاد مساء اليوم الجمعة، مؤكدا أن ليلة الميلاد لاشك ستكون حزينة وسيكون هناك احتقان طبيعي لاسيما من الشباب جراء التفجير الإرهابي الأخير بالكنيسة البطرسية التي تقع علي بعد أمتار من القداس.
وأوضح أن علاقة الكنيسة المصرية في عهد السيسي، قوية وحسنة، بعكس علاقة البابا شنودة مع الرئيس الراحل أنور السادات ( رئيس راحل حكم مصر من 1970 حتى 1981)، إلا أنه أكد أن “هناك فرقا بين المؤسسة الكنسية وعلاقتها بالنظام وبين طوائفها، فالمسيحيون جزء من المصريين ويتأثرون بكل المعاناة فمنهم المؤيد لسياسات النظام ومنهم المعارض”.
3 أمور تحدد مستقبل العلاقة
وحدد 3 أمور تحدد مستقبل العلاقة بين المسيحيين والنظام قائلا: “مستقبل العلاقة يتوقف على 3 أمور في ضوئها يمكن قراءة المستقبل، أولها متعلق بوعود الرئيس السيسي ومنها قبل أسبوعين وعده بتحسّن الاقتصاد بعد 6 أشهر، فإذا حدث سيكون تطورا إيجابيا وإذا لم سيتم سيكون سلبيا”.
وأضاف “الأمر الثاني ترميم باقي الكنائس، فقد وعد الرئيس أثناء حضوره قداس العام الماضي على مهلة عام لترميم الكنائس جميعا التي تم تخريبها في 2013 (عقب الإطاحة بمرسي) ولا يزال هناك جزء لم يتم ترميمه (لم يحدده)، لافتا إلى أن المسيحيين وبعض المثقفين المسلمين لديهم تساؤلات حول علاقة السلطة بالسلفيين الذين يقوم بعضهم بتصدير تصريحات بحرمة الاحتفال بعيد الميلاد وغيرها من التصريحات المؤسفة.
وأكد وجود احتقان لدي شباب الكنيسة مما يحدث لاسيما في التفجير الأخير وهذا طبيعي في سن الشباب الذي يرى ما حدث في التفجير، لافتا إلى أن رده ضد الكنيسة والنظام، أمرا طبيعيا، ولكن الكنيسة يجب أن تكون علاقتها مهما كانت الظروف حسنة وهذا دورها.
وفي مصر، تحتفل الطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي (من بينها الكاثوليك) بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر/كانون الأول، بينما تحتفل الطوائف التي تعتمد التقويم الشرقي (بينها الأقباط الأرثوذكس وهم غالبية المسيحيين المصريين) بالعيد يوم 7 يناير / كانون ثاني من كل عام ويكون القداس مساء اليوم السابق له.
ومنتصف الشهر الماضي استهدف انتحاري بحزام ناسف مكانًا مخصصًا للنساء بالكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية (شرقي القاهرة) خلال وقت صلاتهم؛ أسفر عن سقوط 29 قتيلاً، بينهم منفذ العملية و40 مصاباً.
ويُعد الهجوم، الذي تبناه تنظيم داعش أول تفجير على الإطلاق يشهده المجمع، وهو المقر الرئيسي الكنسي للمسيحيين الأرثوذكس، الذين يمثلون العدد الأكبر من المسيحيين في مصر حوالي 15 مليون نسمة، حسب تصريحات لتواضروس الثاني من إجمالي عدد السكان البالغ 92 مليون نسمة.