“المُطَّلِع على هيكل ضرائب الدخل في مصر يجد أن المُحصَّلَة من رواتب الموظفين في تزايد مستمر؛ بسبب أنها تقتطع من المنبع، ويصعب التهرب منها؛ خاصة للعاملين في الحكومة والقطاع العام. وقد يحدث تلاعب في القطاع الخاص؛ ولكن تظل الضرائب على رواتب الموظفين دليلًا على عدم عدالة النظام الضريبي في مصر”.
كانت هذه تفاصيل من رأي للكاتب الصحفي عبدالحافظ الصاوي، الذي حاول أن يسطّر وجهة نظره عما جناه الموظف المصري من إدارة السيسي ونظامه لمصر على مدار ما يقارب الأربع سنوات الماضية، في مقال تحت عنوان “استنزاف الموظف المصري في اقتصاد التبرعات” على شبكة إلكترونية.
حقائق وأرقام
ومن الأرقام والحقائق استطاع الكاتب أن يوقِف قارئه على حقائق قد تكون مزعجة عند البعض؛ فحسب المعلومات الواردة في البيان المالي لموازنة 2016-2017 الصادر عن وزارة المالية المصرية توقّع أن تصل الضرائب على الدخول من التوظف إلى 28.7 مليار جنيه (1.58 مليار دولار) في 2015-2016 مقارنة بـ19.3 مليار جنيه (1.06 مليار دولار) في 2013-2014؛ أي إنها على مدار نحو ثلاث سنوات زادت بحوالي 9.4 مليارات جنيه (0.52) مليار دولار.
ويُقدّر مشروع موازنة عام 2016-2017 أن تصل الضرائب على الدخول من التوظف إلى 32.7 مليار جنيه (1.81 مليار دولار). وفي الوقت الذي تصل فيه الضرائب على الدخول من التوظف إلى 28.7 مليار جنيه في عام 2015-2016 نجد أن الضرائب المُحصّلة من أرباح شركات المساهمة (القطاع الخاص وقطاع الأعمال العام) تصل إلى 38.1 مليار جنيه فقط.
ويرى عبدالحافظ أن ثمة مظهرًا آخر لاختلال الهيكل الضريبي وتحمّل الموظفين جزءًا لا يستهان به من الضرائب، وهو أنها على المهن الحرة (المكاتب الاستشارية، المحامون، عيادات الأطباء، الفنانون، لاعبو الكرة… إلخ) لا تزيد بأي حال على 550 مليون جنيه (30.4 مليون دولار) في العام؛ وذلك لسهولة إخفاء دخول هذه الفئة والتلاعب في عقود العمل فيما يخص الأجور الحقيقية التي يتقاضونها، فضلًا عن أن كثيرًا من أصحاب هذه المهن لا يتعاملون بموجب إيصالات استلام لأتعابهم.
حاجة الموظفين إلى التبرعات
على الرغم من أن السيسي خصّ موظفي الحكومة بذكر عددهم بأنه نحو سبعة ملايين؛ فإن هذه الفئة عانت على مدار السنوات الأربع الماضية من أوضاع مادية صعبة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم التي زادت على 30% في عام واحد، كما أن دخول العاملين بالحكومة لا تشهد زيادات تتناسب بأي حال مع معدلات التضخم؛ وهو ما يعني انخفاض القوة الشرائية لدخولهم، وإدراج شرائح كبيرة من موظفي الدولة تحت خط الفقر؛ خاصة أولئك الذين يعولون أُسرًا يزيد عدد أفرادها على أربعة أفراد.
ويرى الكاتب أن خطاب السيسي للموظفين عندما طالب كلّا منهم بالتبرع بجنيه واحد شهريًا من راتبه قد أتى في إطار توظيف سياسي حتى لا يسبقه الموظفون بالمطالبة بتحسين أحوالهم المادية والمعيشية مع حلول العام المالي القادم، واعتماد موازنة عام 2017-2018؛ فصدّر هذا الخطاب للموظفين وبالتالي لا داعي للمطالبة بتحسين أحوالهم المادية، أو بزيادة في الأجور تكافئ معدلات التضخم.
السؤال الغائب
ويقول الكاتب إن السيسي لم يسأل نفسه: “لمَ لمْ تأتِ مبادرات التبرع للمشروعات العامة أو لمعالجة الفقر والبطالة من مبادرات شعبية؟”.
ثم يجيب: “السبب واضح، وهو تراجع معدلات التنمية واتساع رقعة الفقر من جهة، ومن جهة أخرى انعدام الثقة في القيادة السياسية بالبلاد، وشعور المواطنين بعدم العدالة الاجتماعية، وانحياز النظام للأغنياء وبعض شرائح المجتمع مثل العسكريين والعاملين بالشرطة والقضاء”.
خسارة الثقة
لقد خسر الانقلاب العسكري في مصر معركته في بناء جسور الثقة مع المجتمع المدني، بإغلاقه الجمعيات الخيرية التي كانت تقدم خدمات للفقراء، وقدر عددها بنحو 1055، فضلًا عن الجمعيات التي تغيرت مجالس إداراتها أو وضعت تحت التحفظ في الريف والمناطق العشوائية، وكان المتبرعون يرون ثمرة تبرعاتهم على أرض الواقع ويشاركون في إدارة هذه الجمعيات.
وفي ظل مجتمع بعيد عن سيطرة العسكر، يسعى المجتمع المدني إلى ترويج حملات التبرعات وتنفيذها، ويتمتع هذا القطاع بقدر كبير من الشفافية يسمح بالتعاطي الإيجابي معه من قبل المواطنين؛ بينما تبقى الدولة معنية بالقيام بوظائفها الرئيسة من أمن ودفاع وعدالة وتمثيل خارجي ووضع السياسات العامة وتحسين مناخ الاستثمار وتهيئة التشريعات.
بدائل الموظفين
ويُنهي عبدالحافظ مقاله عن الموظف المصري قائلًا: منذ سنوات والعاملون بالحكومة والقطاع العام لا يعتمدون على دخولهم الوظيفية؛ ولكنهم يلجؤون للعمل فترة ثانية، أو يديرون مشروعاتهم الخاصة بعد انتهاء العمل الحكومي، ومن يعجز عن الحصول على عمل إضافي أو إدارة مشروع خاص لا يكون أمامه سوى الفساد والتكسب من وظيفته الحكومية عبر الرشوة؛ ولذلك لا يزال ترتيب مصر على مؤشر الشفافية الدولية متأخرًا بحدود 32 درجة من مائة درجة هي إجمالي درجات مؤشر الشفافية.