عندنا في مصر أشخاص مهروا في النفاق وثبتوا عليه ثبوتا عظيما، ورسخوا فيه رسوخا شديدا بحيث يخفى على أي إنسان أن يعرفهم، مثل هؤلاء الأشخاص يذكروننا بالمنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين نزل فيهم قول الله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) .
وهؤلاء في عهد نظام مبارك كان نفاقهم يتحرك ويتغير ويتذبذب بحسب الأحوال، وبحسب ما يطلب منهم لأنهم كانوا صنيعة النظام السابق، تنظر إليهم فتحسبهم معارضين عظماء فإذا تأملت في أحوالهم وجدتهم منافقين كبارا..بعضهم كان يملأ الدنيا صراخا مظهرا بعض سوءات النظام وفي المساء تجده مرافقا للرئيس في رحلة خارج البلاد، ويخرج علينا الإعلام مهللا: ويقول اصطحب الرئيس في رحلته إلى كذا فلانا وفلانا ومن المعارضين فلانا وفلانا.. ما هذه العظمة؟! الرئيس كان يصطحب معه في سفرياته الخارجية بعض المعارضين!! إذن الرئيس رجل ديمقراطي جدا لأنه يصطحب معه أحد أقطاب المعارضة.. وفي الحقيقة إنها المعارضة المستأنسة وإن شئت قل: المعارضة المصطنعة.. أو المعارضة الزائفة..
وكان بعضهم يقف شامخا في مجلس الشعب ويلوح بيده غاضبا ناقما على النظام وفي المساء يحضر احتفالات النظام ويقبل الأيدي ويحني ظهره احتراما لأسياده.
وجاءت ثورة 25 يناير لتكشف هؤلاء المنافقين، حيث توتر عندهم ترمومتر النفاق لأنهم افتقدوا الموجه لهم في عالم النفاق..
ومن ثم لا نعجب من تغير آراء هؤلاء بين يوم وليلة .. إن أي إنسان واع يستطيع أن يكتشف تغير نغمة الكلام في الإعلام في اليوم التالي مباشرة لتغيير معظم أعضاء المجلس العسكري.. لقد كان الكثيرون من أقطاب النظام السابق يراهنون على المجلس العسكري ويرون فيه الأمل لعودة نظامهم فلما وجدوا هذا المجلس قد تهاوى ووجدوا الإعلان المكبل للدستور قد أصبح في خبر كان توجهت بوصلتهم إلى ناحية أخرى من النفاق لعلهم يجدون أملا جديدا لأرض نفاقهم..
والمضحك في الأمر أن مردة النفاق عندهم المقدرة الفائقة لتغيير بوصلتهم بسرعة أما المنافقون الجدد فخبرتهم قليلة وإمكاناتهم ضعيفة ومن ثم وقعوا في فخ المنافقين الكبار.. فالذين دعوا لمظاهرات 24 أغسطس كانوا يستمدون قوتهم من المجلس العسكري، فلما تفكك المجلس العسكري ولزم أفراده بيوتهم وأغلقوا عليهم أبوابهم واختاروا الصمت على الكلام، سرعان ما تنكر المنافقون الكبار من دعوتهم للمشاركة في مظاهرات الجمعة 24 أغسطس ولكن المنافقين الصغار لم يتعلموا بعد فتمادوا في دعوتهم فانكشف أمرهم .. فإذا مليونيتهم مئات الأفراد.. ذكرني هذا الموقف بطرفة قديمة تقول: إن عمدة إحدى القرى قال يوما لبعض البسطاء: من يحب الرئيس مبارك يلقي بنفسه في هذه الترعة.. فتسرع أحد الواقفين وألقى بنفسه في الترعة ولكنه لم يجد أحدا فعل مثل ما فعل. فسارع وقال: أنا عايز أعرف ابن كلب مين اللى رماني فى الترعة؟!
فيا ترى من الذي رمى بهؤلاء المخدوعين في ترعة الفوضى والسعي لعرقلة مسيرة الإصلاح..
يا قوم إن الفساد الذي زرع في مصر على مدار عشرات السنين يحتاج إلى وقت لاجتثاثه.. وليطمئن أهل مصر لأن الله سبحانه الذي أيدهم ورعاهم ودبر لهم سيتم عليهم أمرهم ويحبط كيد الكائدين.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.