ثورة المعلم ….. بين الحقوق والواجبات
مما شك فيه أن مهنة المعلم أسمى المهن وأرقاها فمن بين يديه يتخرج قادة المجتمع وعلماؤه ومفكروه، وحفاظ أمنه ومعالجوه. الجميع تقريبا إلا قليلا ممن لم يصبهم الحظ فى التعليم .
لذا وجب على المعلم أن يتحلى بأرقى سمات الإنسانية وأسماها ،حتى يستطيع بالتالى نقلها لغيره وغرسها فيهم ، فكيف لفاقد الشيئ أن يعطيه ؟!!!!!!
وتثور فى الوقت الحالى أحاديث كثيرة عن حقوق المعلم الضائعة المسلوبة ،وعن كرامة المعلم وراحته النفسية والمادية والاجتماعية ، فهل للمعلمين في هذه المطالب حقوق ؟
لاشك فى أن كل المطالب للمعلم مشروعة ومطلوبة ، ولكن هل يؤدى المعلم كل ما عليه حتى يطالب بكل ما له؟ .
المتأمل فى وضعنا التعليمى يجد بما لا يدع مجالا للشك أن المعلم أهان نفسه كثيرا قبل أن تهينه الدولة ،وفرط بيديه فى كرامته قبل أن يطلب منه أحد ذلك .
منظر مهين أن تجد أحد المدرسين يميل على هذا الطالب أو ذاك يصادقه ويصاحبه كى يحضر الدرس الخصوصى عنده ، وذاك مدرس يتبسط فى الحديث مع التلاميذ فى الشارع والمدرسة حتى لا تستطيع أن تفرق بين المدرس وتلاميذه إلا إذا نظرت إلى وجوههم ، وربما تشابك بعض المدرسين مع بعضهم صراعا على الدروس من أجل هذا الطالب أو ذاك .
مع العلم أن المثل العربي أخبرنا ان الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها
هذا بالنسبة للمعاملة أما إذا تطرقت للمادة العلمية والثقافية فستجد أعاجيب يندى لها الجبين فكثير من المدرسين ليس لهم علاقة إلا بمناهجهم التى يدرسونها فقط ،فإذا كان المعلم يدرس للصف الثانى فهو غالبا ليس له علاقة إلا بمنهج الصف الثانى وهكذا ، بل فى بعض الأحيان تجد أن كثيرا من المعلمين يجيبون إجابات خاطئة على بعض الأسئلة من طلابهم ،. إذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للمنهج الذى يقوم المعلم بتدريسه فما بالك بالثقافة العامة والسياسية والاجتماعية التى يحب على المعلم أن ينقلها لطلابه .
أما إذا تطرقت للناحية الأخلاقية فهناك للأسف كثير من المعلمين يتفوهون بألفاظ يندى لها الجبين .
وهناك الكثير من المعلمين يدخنون أمام تلاميذهم ،وهناك آخرون يتأخرون عن حصصهم ومواعيدهم ، مما يفقد الطلاب القدوة فى أفضل الناس لديه ويجعله يرى الشيئ ونقيضه فى وقت واحد ،معلم ينصحه وفى نفس الوقت يرتكب ما ينهى عنه.
إذن نحن أمام معادلة خطيرة وليس فيها تكافؤ ،تلخص فيها فكر بعض المعلمين فى حقوق فقط دون الواجبات ، وتلخصت فيها العملية التعليمية فى حصة يؤديها المدرس بأى شكل من الأشكال دون أن يدرى أن الوزارة التى يعمل بها اسمها وزارة التربية والتعليم .
نحن نحتاج أولا إلى تنقية العملية التعليمية من الدخلاء ، كما نحتاج إلى أن يفهم المعلمون أن مهمتهم تشمل التربية قبل التعليم .
أما تظاهر بعض المعلمين بغرض زيادة المرتبات فقط من أجل راحة المعلم النفسية ، فهذا كلام ليس له محل من الإعراب لأن المال لا يصنع الراحة النفسية ، فهناك نوعية من الناس كلما أعطيته ما يريد زاد فى الطلب ، وأما بقولنا أن زيادة المرتبات ستقضى على الدروس الخصوصية ، فهذا كلام غير صحيح لأن الدروس الخصوصية الآن أصبحت مطلبا لمعظم أولياء الأمور نتيجة تقصير كثير من المدرسين عن الشرح فى المدارس وضعف شرحهم فى الفصول ، كما أن تكدس الطلاب داخل الفصول يؤدى إلى صعوبة الفهم وعدم الاهتمام بالتلميذ الاهتمام الكافى.
وأعتقد أننا نتذكر جميعا مدرسينا القدامى بالخير دائما ،ونتذكر أيضا إخلاصهم فى عمله ، كما نتذكر أيضا ضعف رواتبهم ومدى سعادتهم بنجاح طلابهم علميا وسلوكيا ، وأذكر أن أحد المدرسين ضربنى لأنه وجدنى استمع لمباراة كرة قدم فى أحد المقاهى .
كان الأولى بالمعلمين الذين تظاهروا فى هذا الوقت للمطالبة بزيادة الرواتب ،إذا كان الدافع لديهم فعلا هو الحرص على العملية التعليمية وكرامة المعلم أن يتبرعوا بتلك الزيادة لبناء المدارس لمنع التكدس داخل الفصول.
أوان يطالبوا بفصل المدرسين الذين ليس لهم علاقة بمناهجهم أو ليسوا قدوة لطلابهم .
أما الحديث عن الكرامة فهل يعلم هؤلاء أن مصر تستدين من الشرق والغرب لسداد العجز فى الموازنة التى خربها النظام السابق ، بعد أن تركه المعلمون وغيرهم لمدة ثلاثين عاما يخرب اقتصاد الدولة، فهل تمتع المعلمون بقليل من الصبر.
مع العلم بأن رئيس الجمهورية استجاب لمطالبهم وزادهم مائة بالمائة وهذا حلم كان الكثيرون لا يحلمون به، بعدما كان الناس ينتظرون العلاوة عشرة بالمائة واعتقد أن المبالغة فى طلبات بعض المعلمين شيئ غير مقبول ،وخصوصا إذا علمنا أن لفلول الحزب البائد كلمة فى هذه المطالب ، وأن الغالبية العظمى من المعلمين لديها الحس الوطنى الذى يتضايق من هذه المطالب الزائدة التى ترهق كاهل الدولة ، فى الوقت الذى أخذت فيه مصر تلتقط أنفاسها . وكان الأولى بهم بدلا من أن يطالبوا بإلغاء اختبار الكادر ، ان يطلبوا بإجراء الاختبارات لكشف المعلمين الذين ليس لهم علاقة بالمنهج ، أو الذين لم يحاولوا تثقيف أنفسهم وتجديد معلوماتهم منذ أمد بعيد .
فيا أيها المعلمون كما تنظرون لاقتصادكم الخاص انظروا لاقتصاد بلدكم ، وكما تنظرون لرواتب رجال الشرطة ،انظروا لسهرهم فى الشوارع ،وكم يموت منهم كل فترة فى مطاردة المجرمين وقاطعي الطريق !
قبل أن تكون النظرة للحقوق اجعلوا معها نظرة للواجبات .ومثل ما تكون النظرة لك ، اجعل معها نظرة عليك .
حتى تستقيم الأمور ، وتعتدل كفتى الميزان .