شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأقصى .. أوهام وحقائق – عبد الله معروف

الأقصى .. أوهام وحقائق – عبد الله معروف
  في خضم هذه الهجمة الاحتلالية غير المسبوقة التي تتعرض لها مدينة القدس بمكوناتها العمرانية والإنسانية، تتعرض المدينة...

 

في خضم هذه الهجمة الاحتلالية غير المسبوقة التي تتعرض لها مدينة القدس بمكوناتها العمرانية والإنسانية، تتعرض المدينة المقدسة اليوم لانتكاسة حقيقية في أذهان أبناء أمتنا وخاصة فيما يتعلق بالمفاهيم الأساسية التي ينبغي على كل فرد منا أن يفهمها ويحياها واقعاً يومياً.
 
فالمشكلة لا تتعلق فقط بمدينة أو مسجد تم احتلاله، وإنما تتعلق بمنظومةٍ متكاملةٍ من المفاهيم المغلوطة التي أثرت على نظرة أمتنا إلى القضية برمتها وغيبت حقائق كانت تعتبر إلى عهد قريب – قبيل هذا الاحتلال – من أساسيات فهم حضارتنا وديننا ودورنا بين الأمم.
 
خذ على سبيل المثال واحدةً من ابسط المسائل التي تتعلق بالمسجد الأقصى المبارك وهي مفهوم المسجد نفسه، حيث تجد اليوم بين كثير من أبناء أمتنا خلطاً غير مقبول في مفهوم المسجد الأقصى نفسه، فبعض المسلمين يظن أن المسجد ليس إلا مبنى ذا قبةٍ ذهبية (واسمه في الحقيقة قبة الصخرة)، وبعضهم يحاول أن يرد على الطرف الأول فيقصر المسجد الأقصى على مبنى صغير ذي قبةٍ رصاصية سوداء وكانت فضية فيما مضى (واسمه في الحقيقة الجامع القِبلي). مع العلم بأن المسجد الأقصى المبارك الحقيقي المذكور في القرآن الكريم هو كل تلك المساحة شبه المستطيلة التي يسميها اليوم بعض الناس خطأ باسم (الحرم القدسي)، وبالتالي فإن المسجد الأقصى المبارك الحقيقي يشمل كلا المبنيين: قبة الصخرة، والجامع القبلي، إضافة إلى مساحة كبيرة جداً تتسع لحوالي نصف مليون إنسان. بل إن هذا الخلل وصل إلى أن يتم تدريس هذا الخلل في مدارسنا ومناهجنا كما هو الحال في الصفحة 98 من كتاب التربية الاجتماعية والوطنية لطلبة الصف الخامس الابتدائي في المملكة العربية السعودية. بل إن الأغرب هو أن يأتيك بعض شبابنا ويطلب منك "دليلاً" على كون المسجد الأقصى المبارك يشمل كل تلك المساحة…!! وهي مصيبة لا يعرف الكثير من أبناء أمتنا مراميها ومعانيها، وذلك لخللٍ لديهم في فهم طبيعة المشكلة التي اصطنعها واستغلها الاحتلال في القدس.
 
إن المشكلة في الحقيقة ترجع هنا إلى أصل قضية الاحتلال، فأغلب أبناء أمتنا يظن أن مشكلة المسجد الأقصى المبارك هي إمكانية هدمه، وساهمت الآلة الإعلامية العربية العاطفية في تفعيل هذا الظن، وبالتالي يكون الهم الأكبر لدى أبناء الأمة هو معرفة ما إذا كان هناك آية كريمة أو حديث شريف يبين ما إذا كان الأقصى سيهدم أم لا، ويغفل عن حقيقة أن مشكلة الأقصى المبارك الحقيقية هي الاحتلال وليس إلا الاحتلال، وبالتالي فإن أي مشكلة أخرى سواء كانت فكرة الهدم أو التقسيم أو غيره هي مشكلة فرعية نابعةٌ من المشكلة الرئيسة وهي الاحتلال. فالأقصى محتل… وهذا يعني وجوب العمل وإعداد النفس لتحريره. وليس الانتظار ريثما نرى إن كان المحتلون سيهدمون أياً من مبانيه أو يقسمونه أو غير ذلك، بل إن الاحتلال اليوم بدا واضحاً أنه يسعى لتقسيم المسجد بحيث يستغل فكرة أن العرب لا يعرفون حقيقة ومفهوم المسجد الأقصى المبارك، وهو الشيء الغريب حقاً، حيث يفاجئني أن يكون الاحتلال أعرف منا بحقيقة ومفهوم مسجدنا الأقصى المبارك.
 
إن المسألة ضخمة وليست صغيرة، وقد أصبح واجباً على كل منا أن يتحمل مسؤوليته ويعلم أن المسجد الأقصى المبارك مسؤوليته الشخصية وليس مسؤولية أهل القدس أو سكان فلسطين وحدهم، وأول خطوة في طريق تحرير المسجد الأقصى المبارك أن نعلم حقيقته ومفهومه وطبيعته وقيمته الحقيقة في ديننا وتاريخنا وحضارتنا.
 
* د. عبدالله معروف
أستاذ مساعد – جامعة طيبة
المدينة المنورة


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023