تمر الحياة السياسية فى مصر بواحدة من أدق مراحلها ففى وقت يتوق فيه المصريون لإنجاز دستور يعبر عن ثورتهم المجيدة ، تتكشف الوجوه الحقيقية لمن يسمون بالتيار المدنى و يلبسون رداء الثورة بينما يتحالفون مع فلول الوطنى ورجال أعمال مبارك ، و جاءت الانسحابات الأخيرة من الجمعية التأسيسية التى تُوجت بانسحاب الكنيسة الأرثوذكسية تحت دعوى التضامن مع التيار المدنى لتؤكد للجميع ان هذا التحالف العلمانى الفلولى الطائفى يهدف الى تقويض الجمعية التأسيسية كى تدخل البلاد نفقاً مظلماً من الفوضى السياسية والتراجع الاقتصادى بلا دستور وبلا مؤسسات تشريعية منتخبة مما يعنى مزيداً من التدهور فى الأداء الحكومى ومزيداً من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على كاهل المصريين.
إن تيار الأقلية السياسية العلماني بجناحيه الليبرالى واليسارى قد رفع شعاراً خادعاً صم به آذان المصريين ليل نهار عبر فضائيات وصحف الفلول (الدستور التوافقى) وضرورته وحتميته بينما لم يخبرونا ما معنى التوافق هنا؟ فالتوافق فى المفهوم الديمقراطى يُعزى الى الشعب لا إلى الأحزاب السياسية وقد توافقت إرادة المصريين الحرة على وضع مسودة الدستور حين توجه ما يزيد عن 30مليون مصرى لانتخاب برلمان الثورة الذى اختار الجمعية التأسيسية الحالية ، أما التوافق الذى يطلبه العلمانيون وتتحدث عنه الكنيسة هو توافق الطوائف أى المحاصصة الطائفية التى تقسم الوطن شيعاً كما فى الحالة اللبنانية ، فقد أصبح هؤلاء (النخبة العلمانية الفلولية الطائفية) يطمعون أن يمثلوا طائفة سياسية مستقلة تتحاصص مع جموع المصريين فى دستورهم ومؤسساتهم السيادية ويريدون عبر االدعاية السوداء المتواصلة ضد الأغلبية (التيار الاسلامى) أن يفرضوا على الشعب مواداً دستورية تخدم مصالحهم ومعتقادتهم السياسية والطائفية على حد سواء.
وفى هذا الصدد ووسط أمواج المزايدات والأكاذيب حول مسودة الدستور تبرز شهادة الاستاذ وائل قنديل أحد مؤسسى حزب الدستور و مدير تحرير الشروق وهو المعروف بنقده القاسى للاسلاميين وهى شهادة منقولة عن أحد اعضاء التأسيسية البارزين من التيار المدنى وقد أوردها نصاً فى عدد 21نوفمبر ((الواقعة كانت أمام شهود محترمين فى مناسبة جمعت أعضاء بارزين فى تأسيسية الدستور من القوى الليبرالية، وحين سألت أحدهم عن حالة الفزع العام من الدستور القادم فاجأنى بقوله إن الدستور القادم من أفضل الدساتير فى تاريخ مصر، وسيخرج على نحو محترم من حيث المواد.. وهنا سألته لماذا لا تخرجوا على الناس لتطمئنوهم بدلا من تركهم نهبا للمعارك الكلامية الصاخبة التى تصنع مناخا مخيفا؟ وكان الرد أنهم يفضلون مواصلة الضغط على الجمعية التأسيسية لكى يحصلوا منها على الأفضل من حيث المواد والصياغات)). وهى شهادة تنسف كل ما يثار من مزاعم حول التضييق على الحريات أو توسيع صلاحيات الرئيس أو سلق مواد الدستور.
لذا فإن الواجب على تيار الأغلبية وعلى الجمعية التأسيسة بقيادة المستشار الغريانى أن تمضى قدماً فى الصياغة النهائية للدستور وأن تتخلص من اكذوبة التوافق الوهمى الذى لن يتحقق ما دام الإعلام المأجور يرى أن معنى التوافق هو فرض إرادة تجار الثورة و قادة الاحزاب الكرتونية ورجال العهد البائد على الشعب المصرى ومؤسساته المنتخبة ، أما الدستور (الذى تحمل معظم مواده توقيعات المنسحبين الآن و على رأسهم ممثلوا الكنائس) فليطرحه الرئيس على الشعب كى يقره أو يرفضه لينصت الوطن لأصوات الملايين و لينحنى الجميع للارادة الشعبية بعيداً عن المهاترات والأكاذيب الدعائية المضللة.
لقد اضحى انجاز الدستور هو المعركة المفصلية فى الحرب الدائرة بين قوى الثورة والتطهير بقيادة الرئيس مرسى وبين التحالف العلمانى الطائفى و قوى النظام البائد المتغلغلة فى مؤسسات الدولة التى أضحت ترتكز على الاعلام وعلى بعض رجال القضاء المصنوعين على عين مبارك لاسقاط الرئيس ومشروعه و لتعطيل مسار النهضة المصرية ، والغريب أن تبرز وجوه سياسية محسوبة على الثورة كى تحارب طواحين الهواء ويطالبون ليل نهار بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وإهدار كل الجهد المبذول لإخراج الدستور الجديد ، فهاهو المرشح الخاسر صباحى الذى يُمنى نفسه بوهم إعادة انتخابات الرئاسة بعد اقرار الدستور قد تخلف عن التوجه لقطاع غزة ليلتقى البابا الجديد تواضروس الثانى ليحثه ويدفعه نحو الانسحاب النهائى من التأسيسية ، بعدما قام سابقاً بزيارة نائب مبارك العام داعماً اياه ضد مؤسسة الرئاسة وضد قوى الثورة ، فى ذات الوقت الذى يهدد فيه الزند عن امتناع القضاة عن الاشراف على إستفتاء الدستور ، فالمعركة الآن توحدت فيها فلول مبارك فى الدولة وفى القضاء مع التحالفات السياسية المناهضة للاسلاميين كتحالف ( البرادعى – صباحى) وتحالف( عمرو موسى – الوفد) و الكتلة العلمانية الطائفية المتطرفة ( المصريين الاحرار – التجمع – الديمقراطى المصرى) كل هؤلاء يسعون لعرقلة الرئيس مرسي و منع الاسلاميين من النجاح فى إدارة المرحلة الانتقالية نحو استقرار سياسى ومؤسسات منتخبة تفتح الباب نحو تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية مأمولة ، وهكذا يدعى هؤلاء أنهم يناضلون فى سبيل تحقيق مطالب الثورة وحرية المصريين بينما يتحالفون مع أعدى أعداء الثورة من قوى النظام البائد ورجال الأعمال الفاسدين ضاربين عرض الحائط بمستقبل مصر وبارادة المصريين وبشعارات الثورة التى طالما تاجروا بها ك( قميص عثمان) للكيد للرئيس ولتيار الأغلبية.
إن النجاح الكامل للثورة المصرية متوقف على حسم معركة الدستور و إنهاء المرحلة الانتقالية باستقرار المؤسسات وانتخاب المجالس التشريعية ، والمسئولية الوطنية توجب على الرئيس مرسى أن يمضى قدماً فى تطهير هياكل الدولة من فلول الفساد وسدنة الاستبداد دون أن يلتفت للصحف الصفراء وإعلام علب الليل الفضائية.