تصاعدت الأزمة السودانية وبلغت ذروتها بعد مرور 48 ساعة من إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، سيطرته على مقاليد السلطة في البلاد، وإعلان حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعفاء حكام الولايات.
وقد سبق ذلك اعتقالات طالت رئيس الوزراء «عبد الله حمدوك» واثنين من مستشاريه، وعضو مجلس السيادة عن المكون المدني «محمد الفكي سليمان»، وعددا من الوزراء.
وتواصلت التظاهرات الرافضة لانقلاب البرهان لليوم الثاني على التوالي، وما زالت الشوارع مغلقة من قبل المحتجين بالأحجار والإطارات المحترقة.
والثلاثاء، أكد البرهان في مؤتمر صحفي بالخرطوم، تشكيل الحكومة المدنية المقبلة بدون أحزاب سياسية ودون تحديد موعد، وقال: «سنشكل حكومة بطريقة ترضي كل السودانيين وتمثل كل الولايات».
كل هذه الخطوات اعتبرها المدنيون وقوى إعلان الحرية والتغيير «انقلابًا عسكريًا» لتقويض الانتقال الديمقراطي بالبلاد.
إلا أن البرهان اعتبر هذه الخطوات «تصحيحية لمسار الثورة السودانية وإخراج البلاد من أزماتها الحالية».
وحدد البرهان، موعدًا للانتخابات في 2023، قائلا: «درسنا موعد انتخابات وحددنا أنه يمكن أن تقام بعد عام ونصف من الآن، لكن رأينا أن نضيف إليها الشهرين في هذا العام، بمعنى أنها ستكون في يوليو 2023».
وقبل إجراءات الاثنين، كان السودان يعيش، منذ 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
وبدأت هذه الفترة الانتقالية في أعقاب عزل الجيش، في 11 أبريل 2019، عمر البشير من الرئاسة، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه، والذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 1989.
- على حافة الهاوية
هذه الأحداث المتلاحقة جعلت البلاد “على حافة الهاوية”، بحسب مراقبين، كونها أخذت العسكر وقوى إعلان الحرية ـ تيار الميثاق، إلى مواجهة قوى إعلان الحرية بقيادة المجلس المركزي والحكومة المقالة.
وهاتان المجموعتان على النقيض في كل شيء، فالحرية والتغيير بقيادة المجلس المركزي، والتي تضم تحالفات وأحزابا ذات ثقل مثل التجمع الاتحادي وحزب الأمة وكذلك حركات مسلحة مثل الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وحركتي الطاهر حجر والهادي إدريس العضوين في مجلس السيادة، تريد تسليم السلطات للمدنيين.
أما المجموعة الأخرى التي قادت التحركات في مواجهة المدنيين وحكومة حمدوك، فيقودها الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، وتيار الميثاق الوطني الذي يضم حزب البعث وحركة تحرير السودان مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم.
- تداعيات لعدم استقرار
ووفق محللين، فإن تداعيات استيلاء الجيش على السلطة الاثنين، ستستمر لفترة من الزمن يصاحبها عدم استقرار.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي عثمان فضل الله، إن “المعطيات الآنية تقود إلى أن تشهد البلاد عدم استقرار في المنظور القريب”.
ورأى في حديثه للأناضول، أن العامل الأساسي لعدم الاستقرار سيكون ممثلا في “عدم وجود حاضنة سياسية قريبة من الثورة التي أطاحت بالبشير قبل عامين، بالإضافة إلى أن مشاهد الاحتجاجات توضح أن الحراك الشعبي سيستمر”.
وكانت العاصمة الخرطوم شهدت احتجاجات واسعة وأغلقت فيها الطرقات بالمتاريس (الأحجار) رفضا لخطوات الجيش.
- مزيد من التأزيم
هذا التأزم وعدم الاستقرار قد يدفع إليه أيضا قرارات البرهان التي تضمنت تجميد بعض الصلاحيات مثل إعفاء الولاة وحل مجلسي السيادة والوزراء، وهي كفيلة بأن تعيد الأمور إلى ما قبل أبريل 2019، تاريخ عزل البشير.
في هذه النقطة رأى المحلل السياسي أمير بابكر، أن تلك الخطوات ستقود للعودة إلى التظاهر بشكل أكبر ومستمر كما حدث في الاحتجاجات ضد البشير حيث استمرت نحو 5 أشهر قبل الإطاحة به.
وفي مقابل ذلك، يرى مراقبون أن مآلات الأوضاع الحالية قد تمضي إلى ما يسعى إليه البرهان ومجموعته بإقامة انتخابات كما يريدها هو في سيناريو مشابه للسيناريو المصري بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014.
وذلك مرهون بقدرة حلفاء البرهان من الدول العربية، وفي مقدمتها الإمارات ومصر، على إحداث اختراق في موقف المجتمع الدولي الداعم لحكومة حمدوك والانتقال المدني.
وبحسب محللين، فإن هذا الدعم من حلفاء البرهان العرب قد يجد دعما إضافيا من روسيا والصين في إطار تنازعهما في القرن الإفريقي مع الولايات المتحدة.
إلا أن النجاح في المضي إلى آخر شوط وإقامة انتخابات، يبدو مستحيلا في ظل الردود الأولية من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، والتي قد تفرض عقوبات تعيد البلاد إلى سنوات من المعاناة مع العقوبات الأمريكية لنحو 17 عاما.
- رفض شعبي وسيناريو “أسود”
كما يرى بعض المتابعين للشأن السوداني، أن احتمالات وصول البرهان إلى غايته قد يبدو مستحيلا في ظل الرفض الشعبي لتولي العسكر للسلطة تحت أي ذريعة.
كما يعتبر آخرون أن السيناريو الأسوأ هو تنازع الأطراف والمجموعات المتشاكسة سياسيا إلى حد رفع السلاح المنتشر في البلاد بصورة كبيرة.
وهذا السلاح ليس لدى الحكومة والحركات المسلحة فقط، فهو منتشر بين القبائل أيضا، وخلال الأشهر الماضية شهدت مناطق في شرق البلاد وغربها وجنوبها أحداث عنف أدت إلى سقوط عشرات القتلى.
ويعزز هذا الرأي أن الشارع شهد الأسبوع الماضي انقساما بين أنصار اعتصام القصر الموالي للعسكر، والحشود المطالبة بالحكم المدني والتي تدعم “الحرية والتغيير”.
ولا توجد تقديرات رسمية لحجم السلاح المنتشر بأيدي القبائل في دارفور وكردفان، فيما تشير تقارير غير رسمية أن مئات الآلاف من قطع السلاح تملكها القبائل، بما فيها أسلحة ثقيلة (مدافع ورشاشات).