شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الإسلاميون تحت مقصلة التحديات – شاهين فوزي

الإسلاميون تحت مقصلة التحديات – شاهين فوزي
بمرور عامين على إندلاع ثورات الحرية يتصدر الإسلاميون المشهد السياسى فى الربيع العربى بنجاحهم فى كسب التأييد الشعبى فى...

بمرور عامين على إندلاع ثورات الحرية يتصدر الإسلاميون المشهد السياسى فى الربيع العربى بنجاحهم فى كسب التأييد الشعبى فى معظم الاستحقاقات الديمقراطية التى جرت فى العامين الماضيين ، وهو ما يظهر بوضوح فى دفع جماعة الاخوان المسلمين للدكتور محمد مرسى كأول رئيس مصرى منتخب و فى حصول حركة النهضة التونسية على أكثرية مقاعد المجلس التأسيسى ليصبح امينها العام رئيساً للحكومة التونسية ، بينما كان نجاح الاسلاميين فى ليبيا بدرجة أقل سطوعاً ، والواضح أن وصول الاسلاميين للسلطة فى بلادنا قد تم فى منعطف تاريخى دقيق و جاء محفوفاً بتحديات داخلية و خارجية هائلة الصعوبة و فائقة الخطورة على مسار الحركة الاسلامية ومستقبل المشروع الاسلامى بأسره ، توازيها فرص ضخمة سانحة للتمكين للمشروع الاسلامى وتحويله الى كيانات واقعية فاعلة ومؤثرة فى رسم سياسات المنطقة العربية بل والمجتمع الدولى.

 

يتمثل التحدى الأول فى وصول الاسلاميين الى السلطة فى وقت لم يخططوا فيه لذلك إذ قامت الثورات فجأة وشارك فيها الاسلاميون بقوة ثم وجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة حتمت عليهم التحرر من أسر مبدأهم الشهير ( مشاركة لا مغالبة ) ففى مصر على سبيل المثال أدرك الفصيل السياسى الأكبر (الاخوان) فى اللحظات الأخيرة مدى خطأ قرارهم السابق بعدم خوض انتخابات الرئاسة بعد أن تبين لهم الشواهد الأكيدة اعادة انتاج نظام مبارك برعاية عسكرية خليجية غربية فالأكيد انه لو لم يترشح د. مرسى للرئاسة لكان تلميذ مبارك الشفيق على رأس السلطة التنفيذية مدعوماً بفلول القضاء وماكينة الاعلام الجبارة ، صعد الرئيس مرسى لرأس دولة ما زالت هياكلها الأمنية والادارية و المؤسسية تنتمى لنظام بارك ولفكر البطش والفساد والاستبداد لا لفكر الثورة والحرية والعدل ، وهو ما يظهر فى حجم العراقيل المتوالية أمام مؤسسة الرئاسة المصرية الآن.

 

التحدى الثانى يتمثل فى حجم الرفض الدولى لوصول الاسلاميين للحكم فى دول الربيع العربى التى تمثل نبراساً للشعوب العربية مما ينبىء بخطر انتشار النفوذ الاسلامى فى الشرق الأوسط وبخاصة اذا نجح الاسلاميون فى قيادة هذه الدول نحو الإزدهار والنماء ، وهو مايعنى العصف باستقرار الشرق الأوسط نتيجة للعداء التاريخى بين المشروع الاسلامى والكيان الصهيونى ، كما يعنى انعتاق الدول العربية من نير الهيمنة الأمريكية على سياساتها و مقدراتها ، وهكذا يرى الغرب أن الربيع العربى قد تحول إلى شتاء اسلامى قارس لابد لهم من احتوائة وتدجينه أو اجهاضه و تمكين العالمانيين من السلطة بطريقة أو بأخرى لضمان أمن اسرائيل وبقاء مصادر النفط تحت السيطرة الأنجلوأمريكية ، ويكفى هنا للتدليل تتبع مواقف أعضاء الكونجرس من وصول الاخوان للسلطة فقبل نجاح الرئيس مرسى ذكر السيناتور مارك كيرك فى أكثر من مناسبة ((ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر)) ، ولم يتغير الموقف كثيراً على عكس مايتوهمه ويشيعه البعض فمنذ أسبوعين طالب عضو مجلس الشيوخ الأمريكى جيمس إنهوف ((بضرورة إيجاد نظام صديق للولايات المتحدة فى مصر بدلا من نظام الرئيس محمد مرسى المعادى))..

 

التحدى الثالث يتمثل فى السيطرة العلمانية على الدول والمجتمعات عقوداً طويلة والتى لم تنته بعد لبقاء هياكلها واستحالة تغييرها بين عشية وضحاها، فتلك السطوة العلمانية لم تتم فقط عبر أدوات السلطة التشريعية المزورة والتنفيذية المستبدة ولكن الأخطر أن تلك الأنظمة حافظت على الخط الاستعمارى التغريبى سواءاً فى مناهج التعليم او الخطاب الاعلامى المكتوب والمرىء واحتكرت الحياة الثقافية لتكون حصرا على الكتاب اليساريين و الليبراليين، وهى منظومة حكومية واعلامية وتعليمية وثقافية استهدفت بالأساس القضاء على المشروع الاسلامى عبر تجفيف منابع التدين فى المدارس والمساجد والجمعيات والمحافل ، فعاش جزء كبير من المجتمع معادياً بطبعه فى كل من يمت للاتجاه الاسلامى الشامل بصلة ونافراً من مظاهر التدين الشخصية ( النقاب – الحجاب – اللحية ..وغيرها) وهو ما ظهر بشكل فج فى الحالة التونسية (منع الزواج الثانى – تغيير العطلة من الجمعة للأحد – منع الحجاب فى المدارس والدوائر الحكومية ) وبشكل واضح فى مصر ( حتى الآن لا يزال أقارب النشطاء الاسلاميين محظور عليهم الاتحاق بالشرطة وبالكليات العسكرية والسلك الدبلوماسى).

فلولا قدرة المشروع الاسلامى الحركى الفطرية على الانتشار المجتمعى ونضال ابنائه المستمر تحت القمع والارهاب السلطوى ل 60 عاماً لما تمكن الاسلاميون من حصد التعاطف والثقة الشعبية التى مكنتهم من النجاح فى الانتخابات وبفوارق ضئيلة فى الاستحقاقات الهامة ( انتخابات الرئاسة المصرية مثالاً).

 

التحدى الرابع يظهر فى الانشقاقات الداخلية المتزايدة فى الصف الاسلامى غير المتحد ففى مصر على سبيل المثال هناك خلافات متزايدة بين الاخوان المسلمين وبين السلفيين رغم محاولة الجماعة الاسلامية لرأب الصدع ، بجانب وجود انشقاقات متعلمنه محدودة الأثر عن الاخوان ، وانقسامات عميقة فى صفوف السلفيين (بين كل من سلفيوا الاسكندرية والقاهرة والاقاليم وأتباع الشيوخ السلفيين المستقلين المتعارضين بخلاف الاتجاهات السلفية الرافضة للدستور والديمقراطية والسلفية المدخلية الموالية للسلطة) .. وهكذا فإن التنازع الاسلامى الداخلى يؤثر بالسلب على شعبية الاسلاميين المعرضة للتناقص بالأساس نظراً لوقوعهم على مدار الساعة تحت القصف والتشويه الإعلامى المستمر.

 

ان اللحظة التاريخية الراهنة لا تحتمل اى خلافات اسلامية داخلية تعطل المسيرة العسيرة المليئة بالمطبات الصعبة ، فالمشروع الاسلامى يمر باختبار وجودى فيما يمتلك فرصاً هائلة اذ نجح فى عبور الأزمات المتتالية وقيادة التحول السياسى والمجتمعى نحو الديمقراطية والاستقرار ، وإزاء الخلافات السطحية التى يجعلها بعض الاسلاميين السلفيين من مراهقى السياسة مداراً لحرب وهمية ناتجة عن اقالة مستشار هنا أو وزير هناك يبدو أن لسان حال الشعوب هو قول أمير الشعراء :

إلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما * وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما

وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ * وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما

وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت * عَلى حالٍ وَلا السودانُ داما



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023