شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الدولة العميقة في مصر

الدولة العميقة في مصر
قال الكاتب السويسري مارتن ووكر في مقاله عن الدولة العميقة في مصر والذي نشره أمس:"  في الوقت الذي يحقق فيه...


قال الكاتب السويسري مارتن ووكر في مقاله عن الدولة العميقة في مصر والذي نشره أمس:" 

في الوقت الذي يحقق فيه الإسلاميون الذين يحكمون تركيا ضربةً قانونية للدولة العميقة في تركيا يحدث تطور معاكس في مصر.كما الكاتب السويسري Martin Woker مارتن وركر نيو زيوريخر زيتونج (Neue Zürcher Zeitung) السويسرية 

الدولة العميقة في تركيا يتضافر فيها الجيش مع قمة الهيكل الإداري للدولة والساسة والقضاء ورجال المخابرات ووحدات القتل الخاصة والذين يجمعهم هدف واحد وهو تأكيد علمانية دولة تركيا القومية.
لكن نظام الحكم المستديم في تركيا بسبب تعقيدات المشهد هناك لم يسمح سوي بنطاق ضيق للمشاركة الديموقراطية وهو الأمر الذي أعتبره العالم الديموقراطي أخف الضررين في فترة الحرب الباردة وهو النظام الذي يدفع بسببه الأكراد والمحجبات والشيوعيون الثمن. 

قوة النظام

في غمرة النشوة التي سببها سقوط حسني مبارك قبل عامين ونصف والفرحة العارمة بتلك الثورة التي لم تُرق فيها كثير من الدماء مقارنةً بثورات أخرى غاب عن أذهان الكثيرين النظر إلى هيكل السلطة الحاكمة في بلاد النيل، فنظام مبارك لم يكن مجرد نظام فاسد مالياً كنظام بن علي في تونس.
قوة مبارك كانت قائمة ومبنية علي الأجهزة الأمنية والجهاز الإداري للدولة المؤيدين لنظام مبارك والذي أفسح المجال لكثير من "المحظوظين" لتحقيق الثراء وهو النظام الذي حاول استخدام المدن السياحية الكبرى و أجزاء من القاهرة كواجهة للحداثة بينما كانت بقية البلاد لا تزال ترسف في أغلال الركود الاقتصادي، فمصر تحتل المركز الأول في التصنيف العالمي للدول المستوردة للقمح بواردات تصل إلي 10 ملايين طن سنوياً في مقابل دخل قومي ضئيل وفيما يخص السياحة دخل قومي غير آمن وغير مضمون. 

سلام فاتر مع إسرائيل
وبالرغم من كل هذا كان العالم الخارجي يقدّر النظام المصري لحفاظه علي السلام الفاتر مع إسرائيل وبالتالي لم يكن لدي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من ملوك الخليج أي سبب وجيه لضرب "الدولة العميقة" في مصر بل إن المعونة العسكرية البالغة 1.5 مليار دولار سنوياً استمرت في التدفق بشكل دوري حتي بعد سقوط مبارك، وبما أن كل هبة تأسر متلقيها فقد علم الجنرالات المصريون جيداً ما يجب عليهم فعله : فقوة الجنرالات ليست مبنية علي عقد اتفاقات غير مقبولة شعبياً مع إسرائيل بل مبنية علي قوتهم الاقتصادية كملاك ومديرين لعدد كبير من الشركات الحكومية.

وبحسب التقديرات فإن ما بين 10 و 40 في المائة من الاقتصاد المصري يسيطر عليه الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر وهي الحقيقة التي لم يستطع فوز الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة أن يغير فيها شيئاً.
وبسبب عدم وجود خبرة بالحكم وإدارة البلاد وقف المتدينون في موقف محرج جداً بعد وقت قصير من توليهم السلطة، فالمصريون والذين دائماً ما كان مشهورا عنهم روح المسالمة قد بدأوا يعيشون حالة من الانهيار الوشيك للنظام العام للدولة وحالة من ازدياد معدلات الجريمة لم تشهدها البلاد من قبل.

فساد المنظومة الأمنية
لكن سخط المصريين وعدم رضاهم عن حالة الفشل الواضح للحكومة الجديدة بقيادة الإخوان قد أغفلهم عن حقيقة مهمة مفادها أن رجال الشرطة منذ سقوط مبارك بدأوا في تخريب دور رجل الشرطة ومهمته الأساسية كحام للنظام العام للدولة وليس عجباً ألا تجد الحكومة الديموقراطية الجديدة مستثمرين في ظل تلك الأوضاع الأمنية المتردية.

ثم تلا ذلك واقعة جرح الكبرياء الوطني للمصريين بإعلان أثيوبيا البدء في بناء سد في أعالي النيل يعد تهديداً لشريان الحياة في مصر دون أن يقوم الحكام الجدد لمصر بالتهديد العسكري أو إحداث ضجة بسبب هذه الخطوة الإثيوبية بل إن عصابات سيناء المسلحة هي الأخرى راحت تستعرض عضلاتها علي مرسي.

يا له من ضعف! هكذا شعر ملايين من المصريين، وهو ما دفعهم لأن يكونوا مستعدين للتضحية بأول رئيس لهم منتخب ديموقراطياً. وقد كان.

علي خطي عبد الناصر؟

بمنطق كل تلك التطورات كان لابد من أن يتم ترك دور الرجل القويّ لقائد القوات المسلحة. وكان عبد الفتاح السيسي المرشح المثالي لهذا الدور، فقد تلقي تدريباً في أمريكا وعمل ملحقاً عسكرياً في المملكة العربية السعودية ويحمل تعفف عسكري واضح بل حتي اسمه مقارب لاسم "جمال عبد الناصر" وهو الشخصية الوحيدة لمصر الحديثة حتي اليوم التي لمعت ـ حسب وصف كاتب المقال ـ لكن السيسي في نظر الإسلاميين هو عدو لأنه برهن بما فيه الكفاية عن إيمانه بالإله الحق من خلال سيرته الذاتية و كونه رجل من الشعب.

وبخلاف الكماليين العلمانيين في تركيا فإن السيسي يمثل دولة عميقة تتماشي مع الظروف الإقليمية المتأثرة بالدين بشكل متزايد فالبطل الجديد يتمتع بدعم أغني أغنياء السعودية وكبار القوم في الخليج كما يمكنه أيضاً التحدث بلغة الكفار.

ربما يتنازل الإخوان قليلاً في ظل ذلك الوضع الضاغط عليهم ويقبلوا بالتنازل عن السلطة من خلال صفقة قد تحقن الدماء على المدى القصير فثمن الحفاظ علي نظام وعد وعوداً بالاستقرار لكنه لم ينفذها هو التوزيع العادل للسلطة والذي هو جوهر كل الثورات.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023