شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

وغداً يكبر كريم..! – أسامة عبد الرحيم

وغداً يكبر كريم..! – أسامة عبد الرحيم
  شكراً للانقلاب وعبيد البيادة الذين اخرجوا الوحوش الآدمية المختبئة في أقفاص نفوسهم، وفي نفس الوقت انتزعوا الخوف من...
 
شكراً للانقلاب وعبيد البيادة الذين اخرجوا الوحوش الآدمية المختبئة في أقفاص نفوسهم، وفي نفس الوقت انتزعوا الخوف من عيون أطفالنا وذبحوا البراءة في محراب رابعة العدوية والنهضة، وطمسوا اللون الأبيض بالأحمر في كرداسة ودلجا وسيناء وقائمة لا تنتهي.   
 
 
وأعتقد أنه من غير المجدي أن أسرد على مسامع "شعب الانقلاب" ماهية الطفل المصري حسب اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تنص في مادتها الأولى، بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، وشددت على أنه يتمتع بحماية خاصة أثناء الحروب والأزمات، وأن يمنع عنه الاعتداء الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي، وان يعيش في جو من الحرية والكرامة. 
 
 
هذه الاتفاقية بمفهوم الانقلاب لا تسري على الشعب الذي يؤيد شرعية الرئيس المنتخب، ولذلك دمائهم وأموالهم وأعراضهم ولحوم أطفالهم حلال بنص فتوى د.علي جمعة ود.عمرو خالد والشيخ سالم عبد الجليل، وآخرون ولغوا في دمائنا لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم. 
 
 
إن ما نشاهده من صور مؤلمة للشهداء والمصابين والقتلى والدمار في رابعة والنهضة، سواء على اليوتيوب أو على قنوات الشرعية أقل بكثير مما علق في ذاكرة أطفال المذبحة، وما لم تنقله هواتف شهود فض الاعتصام قد يكون الزمان كفيل بتجاوزه ونسيانه، ولكن ما حفر مكانه في ذاكرة أطفال المذبحة لا يمحوه الزمن أو الكثير من الشيكولاتة وأفلام والت ديزني.  
 
 
أتكلم هنا عن الأثر النفسي الذي تركته وحشية الانقلاب داخل كل طفل عاصر وعايش الرعب والقلق وفقد عزيز أو قريب في مذابح الانقلاب، أتكلم بوضوح أكثر عن السلاح الأشد فتكاً من النووي الإسرائيلي والكيماوي الأسدي وهو التدمير النفسي لأطفال مصر المستمر من 3 يوليو ولأجيال قادمة. 
 
 
إن جريمة برابرة فض الاعتصام تكشف عن مدى تعطشهم للانتقام والدم، ومدى انتهاكهم الوحشي لقيم الأرض والسماء، إن وحشية هؤلاء التي بلغت منتهى الخسة والجبن والبشاعة والانحطاط الخلقي، دليل على ما يضمره أعوان الرئيس المخلوع مبارك ضد ثورة 25 يناير. 
 
 
ولن يمحى بأي حال من ذاكرة الأطفال مشاهد حرق المصابين أحياء وجثث الشهداء في المساجد، لقد ترسخ في الوعي الجمعي للأطفال أن هؤلاء القتلة فقدوا الضمائر والأخلاق، وتحدوا الدين الذي يحرم التنكيل بالأحياء والأموات، وابشر الانقلاب وعبيد البيادة بان حكم الأطفال صدر عليهم بأنهم جبناء ومجرد وحوش آدمية يجب أن يتطهر منها الوطن، هم ومن على شاكلتهم من دعاة الاستبداد وعشاق قهر الآخر وعبدة البيادة. 
 
 
تحضرني مكالمة هاتفية دارت بين الشاب محمد أحد أبطال الصمود وأخيه الصغير "معاذ"، ذو الــ 9 سنوات والتلميذ في الصف الرابع الابتدائي، بعدما فقده مدة 48 ساعة عقب مجزرة الفض في رابعة، يقول محمد "تكلم معاذ كأنه معاذ آخر غير أخي..وجدت معاذ راجل كبير بيتكلم معايا..راجل في لهجته..راجل في ثباته..وجدته يقول لي أنا مش زعلان يا محمد..الطريق لسه طويل..ولازم نتعود على كدا..وان شاء الله ربنا هينتقم من السيسى" حينها عجزت عن الرد.! 
 
 
في حالة "معاذ" كما نرى كانت للمحنة آثاراً إيجابية، لكنها ليست كذلك في حالة الطفل "كريم" نجل الشهيد ضياء خالد، الذي وجد نفسه مجبراً على التعامل مع وحوش آدمية لا تستحق غير العقاب الصارم العادل، وحوش لا تجدها حتى في أفلام هوليود الأشد خيالاً ودموية، وحوش دمر مبارك أخلاقها والقيم الاجتماعية والإنسانية داخلها، ونحتاج إلى سنوات حتى تتم تصفية الوطن من مخلفاتها. 
 
 
يحكي الشاب "عمار" أحد أقرباء الطفل فيقول أن "كريم" باغته بطلب لم يكن يتوقعه ممن في مثل عمره، خلاصة هذا الطلب في جملة واحدة نطقها كريم بكل حسم وإصرار وتصميم "عمو أنا عايز حزام ناسف" !. 
 
 
حاول "عمار" معرفة الدوافع من وراء هذا الطلب الغريب فأخبره كريم "أنا عايز أموّت المدرسة"!، وبالاقتراب أكثر من "كريم" وفتح حوار جاد معه وجد "عمار" أن الطفل يعاني من أزمة نفسية شديدة تنوء بحملها العصبة من الرجال أولي القوة، هذه الأزمة شقها في رابعة بعدما شاهد ارتقاء والده شهيدا إلى السماء، برصاص بشر من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولهم نفس لون بشرتنا، أما الشق الثاني فتمثل في طابور الصباح اللعين في المدرسة..! 
 
 
في هذا الطابور "العسكري" وبحضور ضباط من الجيش والداخلية بكامل عتادهم الحربي، يفرض على الأطفال ومنهم حالات مثل "معاذ وكريم" على الاستماع وترديد أغنية "تسلم الأيادي"، التي تمجد المذبحة وتمنح القتلة درجة القدسيين الذين خلصوا الوطن من الإرهابيين، هؤلاء الإرهابيون في الحقيقة هم آباء وأمهات وأشقاء وشقيقات آلاف الأطفال مثل "معاذ وكريم".  
 
 
التأثير السلبي لأجواء المجزرة على الأطفال يكاد يكون أمرًا مسلمًا به، لكن على الجانب الآخر هناك من يرى – وأنا واحد منهم- في تلك الأجواء شيئًا من الإيجابية، لأن الجيل الذي يعيش تلك الأجواء سيكون أكثر قوة وقدرة على التحمل، شرط أن يكون وراء هؤلاء الأطفال أسر واعية تشرح لهم ما وراء مشاهد المجازر التي عايشوها أو شاهدوها، ولذلك من المهم ألا يجلس الطفل بمفرده أمام نشرات الأخبار، بل لابد من وجود بالغ بجواره يشرح له دلالة الأحداث ويبشره بنصر قريب. 
 
 
لا ادري إن كنا قادرين على إسقاط هذا الانقلاب في وقت قريب، ولكن الذي أتأكد منه أن محاكمة من ثبتت عليهم الجريمة وصورهم على الهواتف واليوتيوب شاهدة، ستكون محاكمة قاسية لأن القاضي والجلاد فيها سيكون هؤلاء الأطفال الذين ينتظرهم الغد، لتلقين الوحوش الآدمية وغيرهم درسا قد يتعظون به.  
 
 
واقصد بغيرهم دولة مثل الإمارات لا تأبه لمأساة وطن اغتصبت كرامته وأريقت شرعيته، استدعت سفيرها في تونس اعتراضاً علي طلب الرئيس التونسي بالإفراج عن الرئيس مرسي ووقف الاعتقالات السياسية، وحيثما يتمادى الانقلاب وعبيد البيادة وحلفائهما، لا يدرون بغبائهم ولا يعلمون أن غدا سيكبر كريم !. 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023