لا يمكن أن نفهم خبر اعتقال الشرطة لأشهر قضاة الاستقلال فى مصر الذين وقفوا ضد بطش نظام مبارك -وهو المستشار محمود الخضيرى- إلا أنه اتهام له بالمشاركة فى ثورة 25 يناير (!)، لأن التهمة العجيبة الموجهة له هى الاشتراك مع عدد من قيادات الإخوان بالتحريض على تعذيب المحامى أسامة كمال فى ميدان التحرير واتهامه بأنه ضابط بأمن الدولة، وذلك أثناء أحداث ثورة 25 يناير!.
(الملاحظة الأولى): أن الميدان وقت الثورة كان مليئا بكل أطياف الشعب المصرى، وتخصيص "الإخوان" بتعذيب هذا المحامى الذى اتهم بأنه ضابط أمن دولة لأنه لم يكن يحمل أى أوراق إثبات شخصية، يكشف "التسييس" الواضح للاتهام، كما أن استهداف المستشار الخضيرى، وهو نائب لرئيس محكمة النقض الأسبق، وليس عضوا بالإخوان، كما كان أداؤه باهتا بعد الانقلاب ومخيباً للآمال وهاجم الإخوان وطالبهم بوقف التظاهر فى الشارع وحملهم مسئوليتها أعمال الشغب والعنف.. كل هذا يؤكد أنه مستهدف كقاض!.
(الملاحظة الثانية): القبض على المستشار الخضيرى يبدو كرسالة تخويف لما تبقى من القضاة الشرفاء الذين رفضوا الانقلاب أو الذين يعملون وفقا لضمائرهم ومستمرون فى قض مضاجع فسدة النظام ومحاسبتهم على فسادهم، وأشهرهم المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات، الذى يواجه وزير العدل وعددا من أعضاء نادى القضاة وأصر على مراقبة موازنات نوادى القضاة والجيش وغيرها،
فهو طالب بالتحقيق فى مخالفات المستشار أحمد الزند، واتهم المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل الحالى بالفساد لتقاضيه أموالا بغير حق، كما اتهمه بممارسة ضغوط شديدة على قاضى التحقيق فى قضية «الزند» للتنازل عنها، بدليل أن هناك قاضيًا ندب للتحقيق مع الزند فى مخالفات مالية، ومع ذلك لم يتم استدعاؤه حتى الآن فى منحه مكافآت شهرية لعدد من الصحفيين بداعى أنهم يعملون مستشارين إعلاميين، وقال إن الجهاز مستهدف بحملة شرسة مدبرة ضده لدوره فى كشف الفساد.
(الملاحظة الثالثة): أن القضاة الشرفاء باتوا مستهدفين بعد الانقلاب بدافع الانتقام تارة وبدافع إسكاتهم عن قول الحق تارة أخرى، وهذا ما حدث لـ 75 من قضاة الاستقلال ممن لا يزال التحقيق يجرى معهم وتم وقف بعضهم عن العمل، وكذا المستشار أحمد مكى الذى حولوه للتحقيق مع غيره لأنه كشف تزوير انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وهددوه أيضا بالاعتقال.
(الملاحظة الرابعة): أن هدف الانقلاب الأكبر هو السعى لمنع أى احتجاجات من أى تيارات سياسية غير الإخوان كى لا تعود لحمه الثوار للالتئام مرة أخرى ويتوحدوا، لأن شيطنة الإخوان بشعارات "محاربة الإرهاب" يصعب تطبيقها على غيرهم من رافضى الانقلاب، ولهذا جرى قمع أولتراس ثم التصالح معهم وفتح ميدان التحرير على مصراعيه لثوار محمد محمود ليفعلوا ما يعنّ لهم ثم يخلوه فى الصباح دون صدام فعلى مع الأمن، وجرى استيعاب معارضين للدستور أو قانون التظاهر.. باختصار الهدف قمع كل من سيفكر من خارج التيار الإسلامى بالانضمام إلى رافضى الانقلاب.
(الملاحظة الخامسة): سلطة الانقلاب العسكرى ليس لديها سوى السجون والمعتقلات والقتل، والغريب حقا أن هناك من يطبل لهم ويغض الطرف عن هذه التجاوزات خوفا من أن يتهموه بأنه طابور خامس أو ينتمى للإخوان، والاستهداف لم يعد قاصرا على أحد؛ فقد طال الرئيس الشرعى ووزراء حكومته ونواب مجلسى الشعب والشورى المنتخبين وقادة حزب الحرية والعدالة رغم أنه حزب شرعى ولم يحظروه حتى الآن على الأقل، وصحفيين وإعلاميين وأطباء ومحامين وقضاة.. ومع هذا لم تتوقف الاحتجاجات ضد الانقلاب!.
(الملاحظة السادسة): أن التنكيل بالقضاة الشرفاء المعارضين للانقلاب تحديدا هو سيف مسلط على القضاة الشرفاء الرافضين للانقلاب أيضا ولهم صامتون حتى لا يفكروا فى الانضمام لمن جاهروا برفض الانقلاب ويصير هناك تيار استقلال آخر على غرار ما جرى فى عهد مبارك يفضح ديكتاتورية الانقلاب.
(الملاحظة السابعة): أن التنكيل بالقضاة سواء المعارضين للانقلاب أو ممن كشفوا التزوير فى انتخابات سابقة هو رسالة واضحة على سعى الانقلابيين لتهديد من يفكر من القضاة بالجهر ضد تزوير أى انتخابات مقبلة، ولإحاطة الاستفتاء القادم على الدستور المزور بهالة من القداسة بحيث يمر هو وأى انتخابات غير شفافة مستقبلا بدون ضجيج قضائى وإعلامى!