شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

طه حسين أمام النائب العام – محمد عمارة

طه حسين أمام النائب العام – محمد عمارة
في 19 أكتوبر عام 1926 بدأ رئيس نيابة مصر "محمد نور” التحقيق مع الدكتور طه حسين (1306 – 1393 هـ، 1889 – 1973 م) في البلاغات التي تقدم بها...
في 19 أكتوبر عام 1926 بدأ رئيس نيابة مصر “محمد نور” التحقيق مع الدكتور طه حسين (1306 – 1393 هـ، 1889 – 1973 م) في البلاغات التي تقدم بها علماء الأزهر ضد ما جاء بكتابه “في الشعر الجاهلي” من تكذيب للقرآن الكريم فيما جاء به عن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وعن ابنه إسماعيل عليه السلام وعن الرحلة الحجازية وإقامتها قواعد البيت الحرام، وعن ما جاء به في هذا الكتاب من إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم والطعن في نسبه الشريف.
ولقد ختم رئيس النيابة تحقيقاته، وكتب تقريره في 30 مارس عام 1927 وقرر حفظ الأوراق إداريا.
 
ولقد نشرت “مطبعة الشباب” بشارع عبد العزيز – خلف جامع العظام – “قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي” وأعاد نشره أحد الأدباء اليساريين العلمانيين في سبعينات القرن الماضي، وتناثرت في الكتابات العلمانية المزاعم التي تدعي أن رئيس النيابة قد حفظ أوراق التحقيق إداريا لأنه لم يجد في الكتاب أية تجاوزات، وزادت هذه المزاعم فادعت أن رئيس النيابة في عام 1926 كان أوسع أفقا وأكثر استنارة مما نحن عليه الآ ن.
 
لكن قرار النيابة في التحقيقات حول ما جاء بكتاب الشعر الجاهلي يفند كل هذه المزاعم العلمانية من الأساس، ونحن ندعو أصحاب هذه المزاعم إلى قراءة هذه النصوص التي تناثرت في صفحات تقرير النيابة العامة، ومنها:
 
“لقد تطرق مؤلف الكتاب في بحثه إلى الكلام على مسائل في غاية الخطورة، صدم بها الأمة الإسلامية في أعز ما لديها من الشعور، ولوث نفسه بما تناول من البحث في هذا السبيل بغير فائدة، ولم يوفق إلى الإجابة، بل خرج من البحث بغير جواب، إنه خرج من بحثه هذا عاجزا كل العجز عن أن يصل إلى غرضه، إن المؤلف لم يكن دقيقا في بحثه، وهو ذلك الرجل الذي يتشدد كل التشدد في التمسك بطرق البحث الحديثة.
 
لقد اعتاد المؤلف الخطأ في أبحاثه حيث يبدأ بافتراض يتخيله، يم ينتهي بأن يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابته، كما فعل في أمر الإختلافات بين لغة حمير وبين لغة عدنان، ثم في مسألة إبراهيم وإسماعيل وهجرتهما إلى مكة وبناء الكعبة، إذ بدأ فيها بإظهار الشك ثم انتهى باليقين، وإن كل ما ذكره في هذه المسألة إنما هو خيال في خيال، على أنه سواء كان هذا الفرض من تخيله – كما يقول – أو من نقله عن ذلك المبشر الذي يستتر تحت اسم هاشم العربي، فإنه كلام لا يستند إلى دليل ولا قيمة له.
 
على أننا نلاحظ أيضا أن ذلك المبشر مع ما هو ظاهر من مقاله من غرض الطعن الإسلام، كان في عبارته أظرف من مؤلف كتاب الشعر الجاهلي، كما نلاحظ أيضا أن ذلك المبشر قد يكون له عذره في سلوك هذا السبيل، لأن وظيفته التبشير لدينه، وهذا غرضه الذي يتكلم فيه، ولكن ما عذر الأستاذ المؤلف في طرق هذا الباب، وما هي الضرورة التي ألجأته إلى أن يرى في قصة إبراهيم وإسماعيل نوعان من الحيلة؟!.
 
إن المؤلف قد أخطأ فيما كتب، وأخطأ أيضا في تفسير ما كتب، وهو في هذه النقطة قد تعرض بغير شك لنصوص القرآن ولتفسير نصوص القرآن، وليس في وسعه الهرب بإدعائه البحث العلمي منفصلا عن الدين، فليفسر لنا إذا قوله تعالى في سورة النساء “إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط ووعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان”، وكذلك جاء في سورة مريم وآل عمران وغيرها من الآيات القرآنية الكثيرة التي ورد فيها ذكر إبراهيم وإسماعيل، لا على سبيل الأمثال كما يدعي حضرته، وهل عقل الأستاذ يسلم بأن الله سبحانه وتعالى يذكر في كتابه أن إبراهيم نبي الله وأن إسماعيل نبي الله مع أن القصة ملفقة؟!
 
وماذا يقول حضرته في موسى وعيسى وقد ذكرهما الله مع إبراهيم وإسماعيل وقال في حقهم جميعا لا نفرق بين أحد منهم، وهل يرى حضرته أن قصة موسى وعيسى من الأساطير أيضا؟!، الحق أن المؤلف في هذه المسألة يتخبط تخبط الطائش، لقد تورط في هذا الموقف الذي لا صلة بينه وبين العلم، بغير ضرورة يقتضيها بحثه ولا فائدة يرجوها، كما تكلم فيما يختص بأسرة النبي ونسبه في قريش بعبارة خالية من كل احترام بل بشكل تهكمي غير لائق، وكان سئ التعبير جدا في بعض عباراته.
 
لقد ثبت تعديه على الدين الإسلامي وانتهاك حرمة هذا الدين، ورمي الدين الإسلامي بأنه مضلل في أمور هي من عقائد القرآن والحقائق التي لا مرية فيها، لقد تورط المؤلف في بحثه حتى تخيل حقا ما ليس بحق، وسلك طريقا مظلمة، وكان يجب عليه أن يسير على مهل وأن يحتاط في سيره حتى لا يضل، ولكنه أقدم بغير احتياط فكانت النتيجة غير محمودة، لقد تعدى على الدين الإسلامي تؤدى شعائره علنا وهو الدين الرسمي للدولة، وكان يجب عليه أن يكون حريصا في جرأته التي مست دينه ودين الدولة التي هو من رجالها المسئولين عن نوع من العمل فيها.
 
لكن، ومع وقوع الطعن والتعدي على الدين، فإن القصد الجنائي غير متوفر، لأن المؤلف أورد ما أورد في سبيل البحث مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، فلذلك تحفظ الأوراق إداريا”.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023