بعد أن أرهب الصهاينة وحلفاؤهم كل شعوب العالم، وخوفوهم من توجيه أي نقد إلى "إسرائيل" خوفا من الاتهام بمعاداة السامية، أو ما يسمى بـ"اللاسامية"؛ نجحوا في العقود الأخيرة بجبروتهم في نشر ثقافة "معاداة فلسطين" أو "اللا فلسطينية"، بمعنى تجريم ومطاردة كل ما هو فلسطيني إلى أن يثبت العكس.
وأصبحت المقاومة محرمة ومجرمة ومطاردة ومعزولة ومنبوذة، ولا يجرؤ أحد على الدفاع عنها أو دعمها إلا في السر، ولا يجرؤ أي مسؤول عربي على الحديث عن أرض فلسطين التاريخية، أو عن عدم مشروعية دولة إسرائيل أو بطلان وعد بلفور وقرار التقسيم.
وحتى عندما ثارت الشعوب العربية فى كل مكان، فأرادت فلسطين أن تلحق بهم فيما يسمى بالانتفاضة الثالثة فى ربيع 2011، أشاح الجميع بوجوههم بعيدا !!
وتتجلى ظاهرة معاداة فلسطين في أبرز صورها في مسألة استمرار حصار غزة وإغلاق معبر رفح .
فحتى أثناء أقل المراحل توترا بعد الثورة، لم تكف السلطات المصرية عن تقييد حركة المعبر بعدد من الضوابط غير المطبقة على أي معبر آخر في مصر، منها منع من يسمونهم بالمدرجين أمنيا (القوائم السوداء) من العبور على وجه الإطلاق، والذين لا نعلم بالتحديد من الذي أدرجهم، ووفقا لأي معايير وهل لذلك علاقة بالتنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل.
كما أنه ليس كل من تنطبق عليه الشروط المصرية يسمح له بالعبور، بل يتم إعادة كثير من المسافرين ورفض عبورهم بدون إبداء أسباب .
واستمر منع دخول السلع والبضائع عبر معبر رفح، لإصرار إسرائيل على عبورها من معبر كرم ابو سالم (كيريم شالوم) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية لكي يحتفظوا بالتحكم في لقمة عيش غزة وقوت أهلها، فإذا كان هذا هو الحال أثناء مراحل الود والتوافق، فما بالنا ما يحدث في ظل حملات شيطنة الفلسطينيين القائمة الآن على قدم وساق؟.
وحين يستغيث بنا أهالينا في غزة كل يوم لنرحمهم من قسوة الحصار، بينما يعرب قادة إسرائيل عن ارتياحهم الكبير للإجراءات والقيود المصرية على الحدود مع فلسطين، فإننا نكون بصدد وضع صادم وواقع أليم .
إن مقارنة بسيطة بين الحصار المفروض على الفلسطينيين، وبين حرية اليهود الصهاينة في دخول سيناء والتجول فيها لمدة 15 يوم بدون تأشيرة، لا يمكن أن ترضي أحدا خاصة أن كل الشر والضرر والتجسس والتخريب والفتن لا تأتي إلا من إسرائيل.
فلم نسمع أبدا عن جاسوس فلسطيني، ورغم ذلك نعاملهم على الدوام معاملة المشتبه فيهم.
وحتى الأخيار من شباب أو شيوخ الثورة المصرية، أصبح الحديث لديهم عن فلسطين أو عن العدو الصهيوني أو عن مثالب كامب ديفيد هو حديث مكروه وثقيل الظل وخارج السياق والأولويات.
إن ظاهرة "معادة الفلسطينية" أصبحت ظاهرة عامة، لا تقتصر على فلسطين والفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية فقط، بل امتدت إلى كل أنصار فلسطين وأعداء المشروع الصهيوني في مصر والوطن العربي.
وهى ظاهرة غير مبدئية وغير وطنية بالإضافة إلى أنها خطيرة ومضللة و مدمرة وعنصرية، يقف وراءها في الخارج الصهاينة والأمريكان ، ويدعمها في الداخل عقدة الخوف المزمن من إسرائيل، تلك العقدة التى قام بزرعها داخلنا الأنظمة التي لم تسقط بعد.
المصدر: عربي21