أثارت أحكام " إعدامات المنيا" المتعجلة والقاسية استنكارا دوليا وحقوقيا، ودفعت أطرافت عدة للتشكيك بحيدة القضاء المصري عن العملية السياسية في مصر، حيث اعتبروا أن هذه الأحكام جعلت القضاء طرفا في العملية السياسية منحازا إلى جبهة بعينها، لا حكما عدلا، ولا عدالة في باحات إذ بات الأمر متعلقا بالسياسة لا العدالة.
فقد وصفت الأحكام بـ "الأكثر تسيسا" من نوعها في تاريخ مصر، بدأت بسجن الفتيات والحكم على طلاب دون أي سند قانوني – حسبما يقول خبراء القانون.
فهل تكون تلك الأحكام القضائية هي شهادة وفاة للانقلاب؟ وهل يحاول قادة الانقلاب بث الرعب في قلوب معارضيهم من خلالها؟ وما هو رد العالم على تلك الأحكام؟ وهل هناك صوت سيسمع له الانقلاب غير صوته؟
أحكام بين الإعدام والمؤبد لـ 1211 شخصا
تابعت محكمة جنايات المنيا التي كانت قد أثارت جدلا دوليا واسعا بقرارها إعدام 529 من معارضي الانقلاب العسكري إصدار الأحكام من النوع نفسه، فقضت بإحالة أوراق 683 متهما بالقضية نفسها، بينهم المرشد محمد بديع، إلى المفتي تمهيدا لإبداء الرأي في إعدامهم.
حيث أصدرت محكمة جنايات المنيا حكما صدقت بموجبه على إعدام 37 متهما في أحداث مطاي، وخففت حكمها السابق بحق 492 آخرين من الإعدام إلى المؤبد.
كما أمرت بإحالة 683 متهمًا من معارضي الانقلاب، بينهم محمد بديع، مرشد الإخوان المسلمين، إلى المفتي في الأحداث نفسها.
وكانت المحكمة قد أصدرت قرارا في 25 مارس الماضي بإحالة 529 إلى المفتي وقد وجهت لجميع المتهمين تهم تتعلق بأحداث عنف وقعت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بمركز مطاي، وذلك بعد نظر القضية لجلسة واحدة فقط، في حكم غير مسبوق.
كما تشمل التهم "إطلاق الأعيرة النارية على عدد من المجني عليهم، والاستيلاء على أسلحة الشرطة وسرقتها، وحرق مقر مركز الشرطة، بالإضافة تكدير السلم العام وترويع الآمنين."
الإعدام في جلستين فقط
بقرار تخصيص من رئيس محكمة استئناف بني سويف تولى المستشار سعيد يوسف صبري رئيس محكمة جنايات بني سويف نظر قضية المتهمين في أحداث قسم شرطة مطاي بالمنيا، والتي أصدر قراراه فيها بإحالة أوراق 528 وبعدها إحالة 683 لمفتي الجمهورية في جلستين لم يستغرقا أكثر من يومين!
البراءة لقتلة ثوار يناير، والإعدام لمعارضي الانقلاب
القاضي سعيد يوسف لم يكن من ضمن القضاة الذين ينظرون قضايا الجنايات بالمنيا حيث أن عددهم 6 دوائر، وبعد صدور قرار التخصيص من محكمة الاستئناف أصبحت دائرته هي السابعة وخصصت لنظر قضايا العنف.
في الجلسة الأولي لمحاكمة المتهمين لم يكمل القاضي إثبات حضورهم، واكتفي بإثبات حضور 33 فقط من أصل 147 متهما كانوا حاضرين في الجلسة، وبعد ذلك نشبت بينه وبين الدفاع مشادات انتهت بقيامهم برد القاضي، ووفقا للقانون فإنه لابد من تأجيل القضية لاتخاذ إجراءات الرد ثم وقف نظر الدعوي لحين الفصل فيه، لكن القاضي لم يفعل ذلك وقرر حجز القضية للحكم بجلسة اليوم.
وبعدها قام المحامون بإقامة دعوى مخاصمة للقاضي حيث أنه حجز القضية للحكم دون أن يستمع لمرافعات الدفاع أو طلباتهم أو دفوعهم، وهو ما يعد وفقا لمصادر قضائية مخالفا لقانون الإجراءات الجنائية الذي يوجب السماح لكل متهم بالدفاع عن نفسه وإبداء ما يري من دفوع. وفي صباح اليوم أصدر القاضي قراره بإحالة المتهمين لمفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامهم.
الأحكام السابقة للقاضي سعيد يوسف كلها صادرة من محكمة جنايات بني سويف حيث كان ينظر القضايا الجنائية، وبينها حكم ببراءة جميع المتهمين من قيادات وضباط الشرطة في قضية قتل متظاهري ثورة يناير في بني سويف، وهو الحكم الذي صدر في 15 مارس 2013.
وبين حكم القاضي يوسف ببراءة قيادات الشرطة المتهمين بقتل متظاهري ثورة يناير ببني سويف، وإعدام متهمي المنيا أصدر عدد من الأحكام الأخرى بينها براءة ضابط شرطة من تهمة تعذيب متهم وهتك عرضه داخل أحد أقسام الشرطة، وهو الحكم الذي صدر يوم 24 يناير 2013.
فضائح الحكم…مسيحي وميت و3سيدات وطفل
كشفت أسماء ضحايا أحكام الإعدام الجماعي التي صدرت في المنيا عن وجود مسيحي، و3 سيدات، وطفل.
فمن ضمن الأسماء المحكوم عليها بقضية المنيا "بباوي مكرم نجيب"، وهو متهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. ومن بين الأسماء أيضا 3 سيدات هن: "هناء جمعة مسعود" وتحمل رقم (273) في قرار الإحالة، و"هناء سنوسي فرج" وتحمل رقم (316) في قرار الإحالة، و"سالي عبد الستار محمد" وتحمل رقم (320) في قرار الإحالة.
كما ظهر في قرار الاحالة طفل لم يكمل 18 عامًا، ويدعى "حاتم زغلول أحمد على"، محكوم عليه بالإعدام للتورط في أحداث العنف التي شهدها مركز مطاي بالمنيا.
ومن بين الأسماء شخص ميت تقول والدته لوكالة الأناضول "ابني الميت منذ ثلاث سنوات حكموا اليوم عليه بالمؤبد، بعدما أحالوا أوراقه للمفتي من قبل".
لم يجدوا الميت فأخذوا إخوته!
وتضيف: "حضرت الشرطة إلى منزلنا قبل أشهر وكسروا الباب وسألوني عن إبراهيم، قلت لهم مات. فأخذوا شقيقيه الإثنين، وأبناء أخي الإثنين، وزوج ابنتي .. لم يجدوا الميت فأخذوا إخوته (رضا وله من الأبناء 7 أطفال وعبد الهادي ولديه 5 أبناء)، وضموا زوج ابنتي ونجلَي أخي الإثنين للقضية، واليوم حكم عليهم جميعا، بمن فيهم المتوفى، بالسجن المؤبد".
فبعد هذه الأحكام الجائرة ماذا كان رد فعل الغرب على القرار؟ وهل ينظر الانقلاب لتلك النداءات والتعليقات على حكم يعد في نظر قانونيين سياسيا بالدرجة الأولي، وبعيدا عن نزاهة وحيدة القضاء؟
الأمم المتحدة: أحكام لا تفِ بمعايير المحاكمة النزيهة
قال المكتب الإعلامي للأمم المتحدة في بيان له إن الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون عبّر عن الهلع من هذه الأحكام.
وجاء في البيان – حسبما ذكرت الصحف – ''يشعر الأمين العام بالهلع من الأنباء عن إصدار عقوبة إعدام جماعي أولية أخرى اليوم في مصر. وكانت الأولى من هذا القبيل يوم 24 مارس''.
وأضاف البيان ''الأحكام التي يبدو واضحا أنها لا تف بمعايير المحاكمة النزيهة وخاصة تلك التي تفرض عقوبة الإعدام من المرجح أن تقوض احتمالات الاستقرار على المدى الطويل''.
أمريكا: الحكم مخالف لمعايير القضاء الدولي
كما أعلن البيت الأبيض أمس أن الولايات المتحدة منزعجة بشدة إزاء استمرار المحاكمات، والأحكام القضائية الجماعية في مصر.
وقال البيت الأبيض في بيان له إن ''الحكم الذي صدر على غرار الحكم الصادر الشهر الماضي، يخالف حتى معظم المعايير الأساسية للقضاء الدولي''.
فرنسا تعارض "الإعدام"
وقد أعربت الخارجية الفرنسية عن قلقها البالغ حيال تلك الأحكام، ودعت في بيان لها لضمان ''محاكمات عادلة'' للمتهمين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال إن ''فرنسا تكرر التأكيد على معارضتها عقوبة الإعدام''.
وتابع في تصريح صحفي: ''نكرر دعوتنا السلطات المصرية إلى ضمان محاكمة عادلة للمتهمين، استنادا إلى تحقيق مستقل مع احترام حقوق الدفاع، عملا بالمعايير الدولية وأحكام الدستور المصري".
ألمانيا: ننتظر من مصر إلغاء أحكام الإعدام
قال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إن "ألمانيا تنتظر من مصر إلغاء الأحكام الصادرة ضد المئات من إخوان المنيا على حد تعبيره، وإتاحة محاكمات عادلة للمحكوم عليهم"، مضيفا بتصريحات صحفية أن "أحكام الإعدام التي صدرت، بحق مئات الأشخاص تُعد انتهاكًا صارخًا لكل مفاهيمنا المندرجة تحت مصطلح مبادئ دولة القانون".
وتابع أن "السلطات المصرية بإصدارها تلك الأحكام تخاطر بمزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد، وتكريس الانقسام السياسي والاجتماعي قبيل انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها".
بريطانيا: "موت العدالة في مصر"
من جانبه، أعرب وزير الخارجية البريطاني وليام هيج عن قلقه العميق حيال هذه الأحكام.
وقال في بيان للخارجية البريطانية إن بلاده ترفض من حيث المبدأ أحكام الإعدام كما أنها تشعر بقلق بالغ حيال الأنباء عن محاكمة العديد من المتهمين غيابيا ودون حضور ممثلين قانونيين لهم أمام المحكمة.
وحذر هيج من أن هذه الأحكام تلحق ضررا بالغا بسمعة النظام القضائي في مصر وتضعف ثقة المجتمع الدولي حيال التقدم الذي تحققه البلاد باتجاه الإصلاح والديمقراطية.
بينما دعا باتريك كينجسلي، مراسل صحيفة (الجارديان) البريطانية – في سياق تقرير أوردته الصحيفة البريطانية عبر موقعها الإلكتروني – لتحرك عالمي ردًا على قرار محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 683 لمفتي الجمهورية قائلا، إن أحكام الإعدام تم التوصل إليها بعد جلستين فقط، مشيرًا إلى أن محامي الدفاع، قالوا: "إنه لم يكن هناك وقت لتقييم آلاف الصفحات من شهادات ووثائق المحكمة".
وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية تحت عنوان "موت العدالة في مصر" إن صدور أحكام الإعدام، بعد محاكمة قصيرة، سيؤدى على الأرجح إلى تقليل الثقة في الحكومة المصرية دوليا، لكنها قد لا تهتم لذلك، طالما أن النظام قادر على تأمين سلطته في الداخل.
وحذرت الصحيفة من أن تأثير الأحكام الجماعية بالإعدام أو السجن سيؤدى إلى انتشار الخوف من أي معارضة قد تؤدى إلى الموت، أو السجن لفترات طويلة.
"نظام غير عادل"
طالبت منظمة "العفو الدولية"، بالتراجع عن أحكام الإعدام والسجن المؤبد، التي أصدرتها محكمة المنيا، وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في المنظمة: "قرارات اليوم تفضح مرة أخرى كيف أصبح نظام العدالة الجنائية في مصر تعسفيا وانتقائيا .. المحكمة أثبتت ازدراءها الكامل لأهم المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، ودمرت تماما مصداقيتها".
وأضافت: "حان الوقت للسلطات المصرية أن تكون واضحة وتعترف بأن النظام الحالي ليس عادلا ولا مستقلا أو محايدا"، محذرة من خطورة أن يصبح القضاء مجرد جزء آخر من الآلات القمعية للسلطات، تستخدمها لإصدار أحكام الإعدام والسجن مدى الحياة على نطاق واسع.
بعد هذه الكوارث التي تجعل الحكم مفتقدا لمبادئ القضاء هل يدرك الانقلابيون حقيقة ما يرتكبونه أم أنهم مستمرون في رسم طريق نازية جديدة بحق المصريين؟