"مفيش"، "هتاكلوها يعني.. هتاكلوا مصر؟".. كلمات رددها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي مرارا على مسامع المصريين مؤكدا سوء الحالة الاقتصادي المصرية، معتبر من يطالب بحقوقه المالية كمن يأكل الوطن لأنه لا أموال في بلد وصفه القرآن بأنه "خزائن الأرض".. غير أن السيسي وحكومات الانقلاب المتعاقبة التي طالبت الشعب بالتقشف لم تأت مرة على ذكر أموال الشعب المنهوبة المهربة إلى الخارج ولم تذكر شيئا عن مساعي استعادتها.
أموال المصريين الذي هربها رجال النظام السابق لم نسمع عنها شيئا في ظل انشغال الشعب والهائه بقوت يومه وإغفال إعلام الانقلاب تذكير الشعب بها؛ فلم يسمع شيئا عن أموال المصريين الموجودة بالخارج، وأقواتهم التي نهبها رجال مبارك وحاشيته وتم تهريبها للخارج، وأصبح الأمر منسيا بعد عودة رجال مبارك وسيطرتهم على الأمور في مصر مرة أخرى.
وقال خبراء من البنك الدولي إن حجم الأموال المصرية المهربة بلغ أكثر من 134 مليار دولار على مدى 30 عامًا وكشفت "بي بي سي" عن مستندات حول كيفية استيلاء وتهريب كبار رجال الأعمال ورجال الحكومة بسرقة الأموال على مدى 30 عامًا هي مدة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ومن جانبه، قال الدكتور جودة عبد الخالق إن الأموال المصرية المهربة للخارج بواسطة النظام السابق قضية أثارت ومازالت تثير العديد من التساؤلات الخاصة بحجم تلك الأموال وتقديراتها وكيفية استردادها، مشيرا إلى أنه لا يوجد تقدير لحجم تلك الأموال ولم يعلن عن خطط وآليات لاستردادها في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري حاليا من أزمة سيولة وزيادة في عجز الموازنة العامة وانخفاض مؤشرات الاقتصاد بصفة عامة، ممثلة في حجم الاحتياطي النقدي وزيادة عجوزات موازين المدفوعات والموازنة العامة والميزان التجاري.
وأضاف وزير التموين السابق في مقال نشر له بجريدة الأهرام أن هناك استحالة في تقدير الأموال المهربة للخارج، وهناك صعوبة شديدة في رصد تلك الأموال، موضحاً أن الأموال التي يمتلكها النظام السابق في عواصم العالم في لندن وباريس ونيويورك ليست بأسمائهم وهي مشكلة كبيرة، مشيرا إلى أن مجلس الوزراء في عهده تولية منصب وزير التموين لم يناقش الأموال المهربة ولكن الأصول الخاصة بالأسرة الحاكمة السابقة لا توجد بأسمائهم بل بأسماء آخرين.
استنكر الدكتور عمرو عادل، القيادي بتحالف دعم الشرعية وعضو الهيئة العليا لحزب الوسط، تصريحات المستشار إبراهيم الهنيدي، رئيس جهاز الكسب غير المشروع، بأن جماعة الإخوان في عهد الرئيس محمد مرسي، لم تطلب بشكل رسمي تجديد تجميد أموال الرئيس المخلوع حسني ومبارك ورموز نظامه، وأنهم كانوا يرسلون طلبات غير رسمية للاتحاد الأوروبي، قائلا “بأن هذا الكلام غير صحيح وأشك في صحتها”.
وأضاف عادل في تصريحات صحفية بأنه كانت هناك لجنة لاسترداد الأموال المهربة للخارج برئاسة الدكتور حسام عيسى وزير التعليم السابق، والدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية، لكنها تعرضت لعراقيل من قبل الدولة.
وقال تقرير للبي بي سي إن الأصول المصرية عرفت طريقها إلى مناطق مثل الرياض، والدوحة، ودبي، ولندن، ومدريد، وبنما، وسويسرا، وتفاوتت ردود الفعل والإرادة السياسية من هذه الجهات في المساعدة، وأن سويسرا مثال صارخ للاستجابة السياسية.
وبدوره قال فالنتين زويلجر، مدير إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية، عندما أقال الرئيس محمد مرسي النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود، أعلنت أن الحكومة السويسرية أعلنت وقتها عن عدم تأكدها من استقلال النائب العام عن السلطات المصرية، ولذلك قررت في ديسمبر ٢٠١٢ إيقاف التعاون مع الجانب المصري في موضوع استرداد الأموال المهربة.
وكشف «زويلجر»، في لقاء عقده مع الصحفيين المصريين بسويسرا، أن وزارة الخارجية السويسرية أرسلت تقريرا للحكومة السويسرية توصي فيه بمد فترة تجميد أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك ورموز نظامه لمدة أخرى، قد تكون سنتين أو ثلاث، وذلك لأن قرار التجميد الذي اتخذ في فبراير ٢٠١١ سينتهي في فبراير القادم، وأن هذا القرار، في حالة اتخاذه، سيكون قرارا سياسيا وليس جنائيا، مؤكد أنه لم تقم دولة في العالم باتخاذ قرار سياسي بتجميد الأموال مثلما حدث في سويسرا.
وأكد أنه إذا حصل مبارك على براءة من القضاء المصري، فلابد أن نتقبل هذا لأنه قرار سيادي في مصر وسيحصل على أمواله المجمدة، مشيرا إلى أنه في حالة وجود حكم قضائي بالبراءة، فمن الصعب التحفظ على الأموال حتى لو كانت مسروقة، وأن سويسرا ملتزمة بالأحكام التي ستصدر بحق مبارك.
وأوضح أن الملف المصري في باقي الدول يتم تداوله من خلال وزارة العدل، ولكن في سويسرا يتم بحثه في وزارة العدل والخارجية والنائب العام الفيدرالي.
وعندما قامت لجنة الخمسين المعينة من سلطة الانقلاب بحذف المادة الموجودة بدستور 2012 الخاصة بإنشاء المفوضية العليا لمكافحة الفساد( هيئة مستقلة جامعة كان من المقرر تأسيسها إلى جانب إصدار التشريعات وتعديلات بعض القوانين منها قانون الرقابة الإدارية وقانون حرية المعلومات، في إطار خلق منظومة متكاملة؛ ستسهم بشكل كبير في مكافحة الفساد في البلاد، كانت وزارة العدل قد وقّعت في اليوم نفسه اتفاق تعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يتضمن تعاون المنظمة الدولية مع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد في مجال وضع التصورات الخاصة بإنشاء مفوضية مكافحة الفساد، وتقديم خدمات استشارية وتقنية للجنة، لإنشاء قواعد بيانات عن هذا النوع من الجرائم، وسبل مكافحته ومنهجية وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في مصر.
بدوره أكد محمد كمال جبر -الباحث المتخصص في العلوم السياسية- أن الحكم برفض الدعوى المطالبة باسترداد الأموال المنهوبة من مبارك ورجاله تعد تحصينا لدولة الفساد بمصر.
فالحكم يعني برأيه مكافأة لمبارك بنهاية الخدمة باحتفاظه بأمواله مقابل صفقات غير معلنة، حتى لا يفضح مبارك قادة الانقلاب لأنهم جزء من الفساد، ورفض الدعوى القضائية يعد ترضية لمبارك لأنه هو من عينهم وله عليهم قرائن وزلات في قضايا عديدة، وترضيته مقابل سكوته، ويكشف الحكم أيضا مجاملات وصفقات أركان الدولة العميقة وأركان الفساد بالدولة يجاملون ويدعمون بعضهم البعض ويتبادلون المصالح، فالقضاء والانقلابيون ورجال أعمال فاسدين وداعميهم من خليجيين عرب بينهم مصالح مشتركة يتم التخديم عليها، وأي موقف أو حكم يستفيد منه بعض رجال أعمال وأثرياء الخليج وقادة الانقلاب.