شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحراك الطلابي .. رحلة نضالٍ لن ينتهي

الحراك الطلابي .. رحلة نضالٍ لن ينتهي
يواصل طلاب الجامعات المصرية انتفاضتهم الطلابية للمطالبة بإسقاط الانقلاب العسكري، والإفراج عن جميع...

يواصل طلاب الجامعات المصرية انتفاضتهم الطلابية للمطالبة بإسقاط الانقلاب العسكري، والإفراج عن جميع الطلاب المعتقلين ومحاسبة قتلة زملاءهم.

 

ورغم القمع الأمني، وقنص الطلبة واعتقال العشرات منهم، تشهد الجامعات المصرية وعلى مدى عام مظاهراتٍ ومسيراتٍ واشتباكاتٍ غير مسبوقة؛ وذلك بالنظر إلى الفترة الزمنية التي شهدها هذا الحراك أو نطاقه الجغرافي، الذي اتسع إلى معظم جامعات مصر، وقد بدأت كردّ فعل للانقلاب على الرئيس "محمد مرسي"، والفض العنيف لاعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة"، وسقوط آلاف القتلى خلال عملية الفض، وقد شهد الحراك الطلابي، الذي لا يمكن عزله عن مجمل تطورات المشهد السياسي المصري، ثلاث متغيرات مهمة.

 

واتسع نطاق الحراك الطلابي ومداه احتجاجًا على الانقلاب  والأحداث التي رافقت وأعقبت ذلك، حيث عمت المظاهرات مختلف جامعات مصر، وامتدَّت إلى بعض المعاهد والمدارس الفنية والثانوية، فلم يكد يمر يوم منذ بدء العام الدراسي الحالي، دون مظاهراتٍ أو مسيراتٍ أو اعتصاماتٍ، حيث بلغ عدد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات وخارجها في الفترة من سبتمبر 2013 إلى يونيو 2014، نحو 2000احتجاج، وذلك بمتوسط 335 احتجاجًا شهريًّا، و11 احتجاجًا يوميًّا.

 

في بداية الأمر خرج الطلاب رافعين شعار السلمية، إلا أن درجة العنف غير المسبوق، التي رافقت وتخللت الاحتجاجات الطلابية، ساهم فيها عدد من العوامل، أهمها: تصاعد أجواء الصراع السياسي، فانعكست على الوضع بين الطلاب داخل الجامعات، ولجوء قوات أمن الانقلاب لاستخدام العنف المفرط ضد الطلاب المتظاهرين، وهو ما دفعهم إلى الردِّ على ذلك، وضعف كفاءة الأمن الإداري المسؤول عن تأمين الجامعات، وعدم قدرته على احتواء الكثير من الاشتباكات، وأخيرًا الاعتقالات العشوائية؛ التي طالت آلاف الطلبة، وسقوط عدد من القتلى والمصابين في صفوفهم، ما أدى إلى تصاعد حالة الغضب لديهم.

 

وتُشير بعض التقارير إلى أن أعمال العنف التي صاحبت الحراك الطلابي بلغت 382 حادث عنف في اشتباكات الطلاب مع قوات الأمن، أو فيما بينهم على خلفيات سياسية، وقد تعدَّدت أشكال العنف الاحتجاجي التي انتهجها الطلاب خلال الفصل الدراسي الأول، فحتى 31 من ينايرالماضي جرى قطع الطريق في 85 احتجاج، وأُغلقت الكليات في 20 احتجاج، ووقعت خمس حالات احتجاز لعمداء الكليات، وحالتي اعتراض موكب لمسؤول.

 

و شهدت لجوءًا متزايدًا من قِبَل السلطة الحالية للمعالجة الأمنية في مواجهة احتجاجات الطلاب، فساءت العلاقة أكثر بين الطلاب والشرطة، لاسيما بعد مقتل عدد من زملائهم، بينما غابت وتراجعت أي حلول سياسية للأزمة، وعكست التصريحات الصادرة عن السلطة الانتقالية توجهًا للتعامل مع الاحتجاجات الطلابية باعتبارها مشكلة أمنية وليست سياسية أو اجتماعية، وبدلاً من السعي إلى فتح قنوات حوار مع الطلبة، تعالت الأصوات المطالبة بإغلاق الجامعات لمدَّة عامين كحلٍ لمواجهة المظاهرات الطلابية المستمرَّة منذ بداية العام الدراسي.

 

واستندت هذه الدعوات إلى اعتبار المظاهرات التي تشهدها الجامعات مسؤولية طلاب "الإخوان المسلمين"، وذلك بهدف تخريب العملية السياسية التي أعقبت 30 من يونيو، وتعطيل تطبيق بنود خريطة المستقبل، لكن هذا الرأي عكس قصورًا في استيعاب ما يجري في الجامعات، فالاحتجاجات الطلابية بدأت بمظاهرات لطلاب "الإخوان" وأنصارهم، تطالب بعودة "مرسي" ولكن سرعان ما تراجع هذا المطلب وراء مطالب إطلاق سراح الطلاب المعتقلين، والقصاص للطلاب الذين قُتلوا خلال المواجهات مع قوات الشرطة، وقد شهدت الجامعات المصرية 920 احتجاجًا للمطالبة بإطلاق سراح الطلبة المحتجزين، و82 احتجاجًا على مقتل وإصابة الطلاب خلال المواجهات، وللمطالبة بالقصاص لشهداء الطلبة، وفي المقابل هناك مَنْ يعتقد أن عدَّة مبرِّرات موضوعية تجعل الخيار الأمني يتقدم ما عداه، وذلك بالنظر إلى الممارسات وأعمال العنف، التي لم تشهدها الجامعات المصرية في تاريخها، فلم يعد الأمر مقصورًا، حسبهم، على الحجارة كما كان في السابق، بل تعدَّاه ليشمل زجاجات المولوتوف والشماريخ والخرطوش؛ وذلك فضلاً عن تحطيم عدد من المنشآت والمقرات الجامعية، بل وصل الأمر، حسبهم، إلى حد العثور على قنابل بدائية الصنع معدَّة للتفجير بالقرب من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

 

الصدام بين الطلبة والسلطة .. محطاتٌ تاريخية

لا يمكن فصل ما تشهده الجامعات المصرية حاليًا عن مسار الحركة الطلابية، بل هو حلقة في سلسلة تاريخ حافل، بمحطاتٍ مماثلة شهدت فيها العلاقة بين الطلبة والسلطة ذروة الصدام والمواجهة، واللافت أن هذه الصدامات كانت دائمًا، بعد لجوء السلطة إلى الحل الأمني في مواجهة احتجاجات الطلبة، ويمكن في هذا الصدد التوقُّف عند أهم محطَّات الصدام بين الحركة الطلابية والسلطة:

 

أولاً معركة معركة "طه حسين" 1932:

وقعت المواجهة بين الطلاب وبين السلطة عقب قرار حكومة "إسماعيل صدقي" عزل الدكتور "طه حسين" من عمادة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًّا)، فاندلعت معركة شهيرة عام 1932، سُمِّيتْ معركة استقلال الجامعة، انتفض الطلبة دفاعًا عن استقلال جامعتهم، فنظمُوا مظاهرات حاشدة، وأضربوا عن الدراسة، فلجأ "إسماعيل صدقي" في مواجهة ذلك إلى الحل الأمني، فاقتحمت قوَّات الشرطة الحرم الجامعي لفضِّ اعتصام الطلاب، فاضطر رئيس الجامعة آنذاك إلى الاستقالة من منصبه احتجاجًا على هذه الإجراءات القمعية والاعتداء على استقلال الجامعة، فأصبح يوم 9 من مارس عيدًا لاستقلال الجامعة المصرية.

 

ثانيًا حادثة كوبري عباس 1946:

وقعت هذه الحادثة يوم 9 من فبراير 1946، حين خرجت مظاهرات كبرى من جامعة القاهرة تُطالب بالاستقلال الوطني، فمرت من ميدان الجيزة، ثم حاولت عبور كوبري (جسر) عباس، وذلك في طريقها إلى ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليًّا)، لكن قوات الشرطة تصدَّت لها، حيث أمر قائد الشرطة بفتح الكوبري على الطلاب، فسقط العديد منهم في النيل، فقُتل وأصيب أكثر من مائتي طالب، وقد أدَّت هذه الحادثة إلى الإطاحة بحكومة "محمود فهمي النقراشي"، لكن ذلك لم يُؤَدِّ إلى هدوء الحركة الطلابية؛ بل زادها اشتعالاً، لاسيما بعد تأسيس تحالف طلابي عمالي سُمِّي آنذاك بـ"اللجنة الوطنية العليا"؛ للتنسيق بين الحركة الطلابية والحركة العمالية، فلجأ "الملك فاروق" مجدَّدًا إلى العصا الغليظة؛ فعَهِدَ "لإسماعيل صدقي" بتشكيل الحكومة في محاولة لقمع مظاهرات الطلبة والعمال؛ لكن الطلبة تحدَّوْا "إسماعيل صدقي" وخرجوا في مظاهرات عارمة تطالب بجلاء الاحتلال، وسقوط حكومة "صدقي"، وفي إحدى هذه المظاهرات نجح الطلبة في 21 من فبراير/شباط، في عبور كوبري (جسر) عباس والوصول إلى ميدان الإسماعيلية، حيث معسكرات الجيش البريطاني، التي فتحت نيران أسلحتها على المتظاهرين، فسقط عدد من الشهداء، مسببين حالة من الغضب في كل ربوع مصر، ولاحتواء الأزمة اتخذت الحكومة البريطانية عدَّة خطوات، كان أهمها استدعاء السفير البريطاني في القاهرة، وإغلاق معسكرات الجيش البريطاني في القاهرة وسحبها إلى منطقة "قناة السويس"، وذلك لتجنُّب تكرار صدامها مع الطلبة.

 

ثالثًا مظاهرات النكسة 1968 "عودة الروح للحركة الطلابية":

شكَّلت هزيمة يونيو عام 1967، والصدمة المروعة التي أصابت المصريين ومنهم الطلبة، جراء الهزيمة، نقطةً فاصلة في تاريخ الحركة الطلابية، ويُعتبر عام 1968 في نظر الكثيرين بمنزلة عودة الروح إلى الحركة الطلابية، وذلك بعد حالة سبات استمرَّت سنوات طويلةن ففي هذا العام خرجت مظاهرات حاشدة في جامعتي "القاهرة" و"عين شمس" ضدَّ الأحكام الهزيلة التي صدرت بحقِّ قادة الجيش المسؤولين عن الهزيمة، والمطالبة بإصلاحات سياسية، ونتيجة هذه المظاهرات اضطر الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، في 21 من فبراير عام 1968 إلى عقد اجتماع في منتصف الليل لمجلس الوزراء، وإصدار قرار بإلغاء هذه الأحكام، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية، كما أقر "عبدالناصر" بمطالب الطلبة، وتفهُّمه لأسباب غضبهم، واستجاب لمطالبهم، وأقرَّ استقلال الجامعات، وصدر قرار رئيس الجمهورية بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية، ما مهد الطريق أمام عودة الروح إلى الجامعات.

 

رابعًا مظاهرات الجامعة 1972:

شهد عام 1972 وظاهرات غاضبة، وقد سُمِّيَ عام الضباب، وذلك عقب خطاب السادات الشهير في يناير من العام نفسه، الذي سعى فيه إلى تبرير عدم اتخاذ أي خطوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عقب إعلانه أن عام 1971 سيكون عام الحسم، وأرجع السادات، في خطاب ألقاه في 13 من يناير 1972، ذلك إلى ما وصفه بالضباب الذي خلفته الحرب الباكستانية الهندية، وعقب ذلك شهدت مختَلَف الجامعات المصرية مظاهرات غاضبة، وذلك احتجاجًا على استمرار حالة اللا سلم واللا حرب مع إسرائيل.

 

وانتهت المظاهرات باعتصام كبير في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة "القاهرة"، دعا خلاله الطلبة إلى سرعة تحرير التراب الوطني، وكان من نتائج الاعتصام، تأسيس اللجنة العليا لطلاب مصر، لكن ردَّ فعل "السادات" كان عنيفًا ضد مظاهرات الطلبة، حيث اقتحمت قوات الأمن الحرم الجامعي لفضِّ الاعتصام، لكن ذلك لم يُوقف زخم الاحتجاجات الطلابية، التي خرجت إلى الشوارع مطالبة بإزالة آثار العدوان الإسرائيلي.

 

خامسًا مظاهرات 17 و18 من يناير 1977:

أو ما سُمِّيَ بمظاهرات الخبز، التي سمَّاها السادات بـ"انتفاضة الحرامية"، وهي المظاهرات التي اندلعت احتجاجًا على رفع الأسعار الخبز وقرارات السادات الاقتصادية، وقد شارك الطلاب في هذه المظاهرات بكثافة مع عمال المصانع وغيرهم ضد قرارات رفع الدعم وغلاء الأسعار، وسقط منهم عدد من القتلى، وجرى اعتقال المئات منهم، وقد أَجْبَرَتْ هذه المظاهرات "السادات" على التراجع عن قراراته، لكن هذا الأمر بمنزلة جرس إنذار له؛ فقرَّر وقتها تفعيل خطته لضرب التيار "القومي" و"اليساري"، الذي اتهمه بالوقوف وراء هذه المظاهرات، وذلك من خلال تشجيع طلاب التيارات الإسلامية، فقدَّم التسهيلات لهم داخل الجامعات للتصدِّي لطلاب الحركة "اليسارية" و"الناصرية"، وكان ذلك بداية الانقسام والشقاق داخل صفوف الحركة الطلابية المصرية، حيث نجح السادات في إلهاء الحركة الطلابية بخلافاتها الداخلية؛ وهي السمة التي ميَّزَت المشهد الطلابي بعد ذلك.

  

ومن خلال رصد تاريخ الحركة الطلابية في مصر ودورها الوطني على المراحل التاريخية المختلفة، يتبيَّن أن كلمة السر في قوَّة هذه الحركة وتأثيرها في مسارات الأحداث تكمن في وحدة هذه الحركة، والتفافها حول قضايا وطنية جامعة، مثل: قضايا الاستقلال الوطني والتحرر من الاستعمار، أو قضايا تخصُّ استرداد الكرامة الوطنية وتحرير التراب الوطني، أو تتعلق بالحريات العامة والتصدِّي لهيمنة وبطش أجهزة الأمن، أو بشأن قضايا قومية كقضية فلسطين أو العراق، وغيرها، فكانت الحركة الطلابية دائمًا تعبيرًا عن درجة من التماهي بين هذه الحركة والقضايا الوطنية، فكانت دائمًا تلتقي في الكثير من مفرداتها مع الأجندة المجتمعية.

 

وفضلاً عن التحامها مع الأجندة الوطنية، فقد حافظت الحركة الطلابية على سلميتها، على الرغم مما واجهته من قمع وعنف من السلطة، وعلى الرغم من مطالبها الخاصة بها، فإنها حرصت دائمًا على تبنِّي خطابٍ يُعَبِّر عن نبض الشارع، وهذا ما أدى إلى عدم الصدام مع الجماهير، بل كانت ملتحمة معها، وفي ضوء ذلك يُصبح السؤال الآن: "هل ثمة قضية جامعة وأجندة موحَّدة تجمع الحراك الطلابي الحالي في الجامعات المصرية؟".



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023