دخلت صحيفة “الأهرام” على خط الانتقاد الإعلامي لممارسات وزارة الداخلية فى حكومة محلب، داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز، في الوقت الذي تحفظت فيه الوزارة على هذه التقارير، واعتبرتها “كاذبة وملفقة”.
ونشرت “الأهرام” -في عددها الصادر أمس السبت- تقريرًا بعنوان “في أقسام الشرطة.. من لم يمت بالتعذيب مات بالاختناق”، انتقدت فيه تكدس أماكن الاحتجاز بالمعتقلين، ما ينذر بوقوع كوارث. -على حد قولها-
وأضاف التقرير: “أضحى الإنسان من أرخص وأبخس المخلوقات وخاصة داخل أقسام الشرطة، فمن لم يمت داخلها بالقهر والتعذيب يمت بالاختناق أو بمرض معد”.
وتابع: “فى الأيام الماضية شنت النيابة العامة حملة مكبرة على جميع أقسام الشرطة فى محافظتي القاهرة والجيزة، وشاهد أعضاء النيابة العامة ما لا يصدقه عقل وما لم تره عين من قبل، حيث تحولت غرف الحجز داخل أقسام الشرطة إلى مقالب للقمامة، ومصارف للصرف الصحي، ومرتع لجميع الحشرات الزاحفة التي تتزاحم وتتسابق وتلهو على أجساد عباد الله من المتهمين الذين أوقعهم حظهم العثر وقدرهم المشئوم فى براثن الجريمة”.
وأكد التقرير: “بسبب هول ما رأوه داخل أقسام الشرطة أعلنوا التوبة، وأقسموا على عدم العودة للجريمة بعد أن أدركوا أن الموت يحوم حولهم فى الثانية ألف مرة، من القاذورات والتكدس وسوء المعاملة”.
“الأهرام” ضربت مثالا بمركز شرطة مصر القديمة، ووصفه بأنه “المرشح لنيل جائزة نوبل فى الإهمال واللامبالاة والتلاعب بأرواح البشر، وكانت القصيدة من بدايتها حتى نهايتها كفرا، لأن القسم العظيم بداخله سبع غرف للحجز مجهزة لاستيعاب مائة شخص على الأكثر، إذا كنا لا نراعى حقوق الإنسان، إلا أن هذه الغرف تضم 380 شخصا بينهم عجائز وأصحاب أمراض معدية وأمراض مزمنة ولا عزاء للإنسانية”، بحسب التقرير.
وأضاف التقرير: “لكل متهم نصيبه من الأرض شبر واحد يقف عليه بقدم واحدة، ويكون نصيبه الموت خنقا إذا راوده حلم الجلوس على الأرض، وجاء على نصيب زميله وحصل على شبر أكثر من حقه، وهؤلاء ينامون وهم وقوف على قدم واحدة، وإذا اتفقوا على النوم على البلاط مثل باقي عباد الله فيكون ذلك من خلال ورديات، كل مجموعة تنام ساعة واحدة على أن تتكدس المجموعات الأخرى داخل بقعة من الغرفة”.
وأشار إلى أن “متهمين اثنين لفظا أنفاسهما خلال 3 أيام داخل غرفة الاحتجاز، بسبب إصابتهما بهبوط حاد فى الدورة الدموية، نتيجة للاختناق بسبب التكدس والزحام الشديد داخل القسم”.
هجوم الأهرام على وزارة الداخلية، وهو ما يندر حدوثه بالصحف المملوكة للدولة، لم يكن الأول للصحف مؤخرًا، حيث نشرت صحيفة المصري اليوم، الأسبوع الماضي، ملفا من عدة صفحات بعنوان “ثقوب في البدلة الميري (الشرطي)”، حول انتهاكات وزارة الداخلية في حق المواطنين.
الملف خلق ردود أفعال واسعة بين كل مكونات المجتمع، ما دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان تنتقد فيه ما نشرته الصحيفة، في الوقت الذي استدعى فيه الأمن الوطني رئيس تحرير الصحيفة محمود مُسَلَّم، والصحفيين المشاركين في إعداد الملف للتحقيق.
كما سبق صحيفة “المصري اليوم” بالهجوم على وزارة الداخلية صحيفة “الدستور”، والتي شنت هجوما على الداخلية في أعداد متتالية، قبل أن تلقي القبض على الصحفي الذي نشر تلك التقارير.
ودافع المتحدث باسم الداخلية هاني عبد اللطيف، عن الخطوة -في تصريحات تلفزيونية- وقال إن “قطاع التفتيش أثبت أن الصحفي المقبوض عليه مسجل على قضايا سلاح ونصب، فضلا عن تحقيق القطاع أيضا فى واقعة اشتباك بين أحد الضباط وبين أحد أبناء صاحب جريدة الدستور”، واصفا حملة الدستور بأنها “غير مهنية أو موضوعية”.
وقدمت الوزارة بلاغا إلى النائب العام ضد جريدة الدستور، اتهامها بـ”تشويه” الوزارة”، بحسب المتحدث باسم الداخلية.
في الوقت الذي أعلن فيه رئيس تحرير صحيفة “بوابة القاهرة” الإلكترونية غير الحكومية، عمرو بدر -في تدوينة له- أنهم يعدون ملفا خاصا بـ”انتهاكات” الداخلية، فيما شن الإعلامي محمود سعد هجوما على استحياء على الوزارة فى واقعة التعدي على طالب بالإسكندرية والتنكيل به على يد أفراد شرطة بالإسكندرية.
وفي هذا الصدد، قال طارق العوضي، الحقوقي ومحامي أولتراس وايت نايتس، إنه “لا يخفى على أحد ممارسات وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب ضد الشعب المصري”.
وأضاف “العوضي” في تصريح خاص لـ”رصد”، أن “الانتهاكات التي نشرها موقع الأهرام الرسمي، هي جزء صغير مما تمارسه وزارة الداخلية،” موضحًا: “فهي أقل بكثير مما رصدناه خلال الفترة الماضية”.
وشدد طارق العوضي، على المطالب التي تقدم بها الحقوقيون بعد ثورة 25 يناير ، إذ “طالبوا بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، ليصبح الجهاز ملكًا للشعب ومحافظًا على حقوقه، بدلًا من حماية النظام الحاكم”.
وبيّن أن هذه المطالب، “لم يتم النظر إليها، مؤكدًا أن “الداخلية يجب أن تكون جهازًا وطنيًا، يتعامل مع المواطن على أساس الاحترام المتبادل بينهما، وليس ما يحدث للمواطن من إهانة”.
كما شكك المحامي الحقوقي، فيما نشره موقع الأهرام، من رصد لبعض انتهاكات الداخلية، قائلًا: “أشعر بالريبة تجاه الأمر، مضيفًا: “الأمر ربما يكون صراعًا بين أجهزة الدولة، أو تهدئة للشارع المصري، بخاصة بعد حالة الاحتقان التي سببتها ممارسات الوزارة”.
ناصر أمين -عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان- اعتبر “تتابع نشر الصحف المصرية لانتهاكات الشرطة بحق المحبوسين أمر جيد، وثمرة من ثمار سعيهم الدؤوب منذ سنوات للتحذير من هذه الانتهاكات”.
وقال أمين -في تصريح لوكالة الأناضول-: “بالفعل هناك انتهاكات للداخلية داخل أماكن الاحتجاز، سواء بالتعذيب، أو بالإهمال، أو بعدم توفير حياة آدمية للمحبوسين، وهو ما يتطلب تدخلا حكوميا قويا لوقف هذه الانتهاكات”.
وأشار إلى أن “هذه الانتهاكات تمثل نظاما لم يتغير منذ عقود طويلة من الزمن، ويستلزم لإصلاحه سنوات، شريطة وجود رغبة حكومية بذلك، تتضمن تشريعات، وثوابا وعقابا، وتحسينا للمحبوسين”.
وتابع أمين: “المجلس القومي نادى أكثر من مرة، وأوصى الحكومة بالتدخل، وهذا ما في أيدينا”.
بدورها تحفظت وزارة الداخلية -في بيان رسمي لها- عقب إثارة الانتهاكات في الإعلام، الأسبوع الماضي، على هذه التقارير، معقبة: “إن ما جاء بهذه التقارير “غير مهني”، وأنها ستتخذ الإجراءات القانونية حيال ذلك، حيث “تعمل لخدمة الشعب وتحت مظلة القانون”.
واتهمت الوزارة الصحف الناشرة لهذه التقارير بـ”وجود دوافع وراء نشر هذه التقارير”، وقالت: “هذه أخبار كاذبة”.