لم تكن مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الأولى من نوعها ضد التيار الإسلامي المعارض للحكم العسكري، بل سبقها مذبحة أخرى كانت أقل في الخسائر البشرية وهي موقعة العباسية التي يأتي اليوم السبت، الذكرى الثالثة لها، حيث وقعت أحداثها في 4 مايو 2012.
وتعتبر مذبحة العباسية أول صدام حقيقي على أرض الواقع بين العسكر والإسلاميين، حين دعا الثوار إلى تسليم الحكم لسلطة مدنية، والاعتصام أمام مقر وزارة الدفاع بالعباسية، في ليلة مرت دون اشتباكات، ثم تسللت عناصر مجهولة، مما أدى إلى تطور الأحداث لتشهد قتلى وجرحى، وتدخلًا من مدرعات الجيش لفض الاعتصام بالقوة.
وسقط آنذاك 11 ضحية وعشرات الجرحى في صفوف المعتصمين، إضافة إلى إصابة مجند بالقوات المسلحة، حسب مصادر أمنية وطبية، إلا أن المراكز الحقوقية أكدت وقوع أكثر من 20 ضحية وعدد كبير من الإصابات والاختناقات بسبب الغاز الذي أطلقه الجيش على المعتصمين.
كواليس المشهد
تباطؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة، وإصداره مادة في الإعلان الدستوري المكمل تمنع الطعن على أداء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، دفع كل الحركات السياسية والقوى الثورية، للدعوة للتظاهر والاعتصام بشارع الخليفة المأمون أمام جامعة عين شمس حتى وزارة الدفاع.
تزامنت الدعوة مع اعتصام فلول الرئيس المخلوع حسني مبارك وأنصار المشير حسين طنطاوي في ميدان روكسي، حيث رددوا “بشويش بشويش.. كله إلا الجيش”، معلنين دعمهم لكل قرارات مجلس طنطاوي، ومهددين باقتحام ميدان التحرير دعمًا للمشير.
تسارعت الأحداث، ودعا كل من حازم صلاح أبو إسماعيل وحركة 6 إبريل إلى الاعتصام أمام وزارة الدفاع، لمواجهة قرارات طنطاوي وتحديد مهلة زمنية محددة لتسليم السلطة.
بداية المذبحة
هتف المعتصمون في مسيرة حاشدة ضد حكم العسكر، “بإعدام المشير”، فاندلعت اشتباكات عنيفة أوقعت جرحى بين المحتجين والشرطة العسكرية، بسبب محاولة أحد المحتجين تجاوز الأسلاك الشائكة للوصول إلى وزارة الدفاع.
انتهت الاشتباكات بفض الاعتصام وإخلاء الميدان وفرض حظر تجوال ليلي عند ميدان العباسية والمنطقة المحيطة به استمر لثلاثة أيام.
إلا أن حازم صلاح أبو إسماعيل دعا أنصاره إلى أن “من خرج من أجله لن يرجع”، مما أسهم في تجدد الاشتباكات مرة أخرى، ولكن أمام مقر المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية بين مجندين مكلفين بحماية الثكنة ومحتجين، بعدها دخل المحتجون في اعتصام بميدان التحرير.
وفي واقعة لا تنسى، اقتحمت قوات من الشرطة العسكرية ومن فروع القوات المسلحة الأخرى، مسجد النور بالعباسية بالأحذية، مما أثار غضبًا شديدًا في صفوف التيار الإسلامي.
الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بالسويس، نفى أن يكون المعتصمون مسلحين داخل مسجد النور، وأن جميع من تم إلقاء القبض عليهم أبرياء، حيث اعتقلت الشرطة العسكرية 40 مصليًا، وجميعهم أشخاص كانوا يؤدون صلاة العصر بالمسجد، ولم يكن أحد منهم معه شيء سواء أكان سلاحًا أو غيره.
ردود الأفعال
علق الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب “الحرية والعدالة” للرئاسة، حملته، حدادًا على سقوط قتلى وجرحى، واحتجاجًا على أعمال العنف ضد المعتصمين، محملًا المجلس العسكري مسؤولية الأحداث باعتباره من يدير البلد، نظرًا لأن الأحداث دارت بالقرب من مقر وزارة الدفاع، مشددًا على حق التظاهر والاعتصام، ورفضه فكرة تأجيل الانتخابات المقررة نهاية الشهر.
وألمح مرسي، حينها إلى “وجود أطراف تهدف إلى إشعال أحداث مثل الحرائق التي طالت مؤخرًا عددًا من المصانع والمنشآت بهدف تأجيل الانتخابات”.
كما علق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، حملته الرئاسية آنذاك، حدادًا على سقوط قتلى واحتجاجًا على أعمال العنف ضد المعتصمين، وعلى الأسلوب الذي تتعامل به السلطات حينها مع احتجاج مناهض للمجلس العسكري بالقاهرة.
خيانة العسكر
حازم خاطر، المتحدث باسم حركة صامدون، إحدى الحركات المؤيدة للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، قال إن الاعتصام جاء دون رغبة أبو إسماعيل نفسه، وبناء على رغبة الشباب في مواصلة الكفاح من أجل إبعاد المجلس العسكري عن السلطة.
وأضاف خاطر لـ”رصد”، أن “بلطجية كانوا يزودون المعتصمين بأطعمة ومشروبات تحمل شعارات للقوات الجوية وكانوا يهاجمون الاعتصام، ومع سقوط الضحايا يومًا بعد الآخر طلب الشيخ فض هذا الاعتصام، لكن الشباب أصروا على تلك الخطوة، لأنها من وجهة نظرهم ستخلصهم من العسكر”.
وأشار خاطر إلى أن حركات كفاية ومينا دانيال والأولتراس كانت مشاركة معهم في هذا اليوم، بل وكانت في فعاليات الجمعة 2 مايو وشاركت معهم في أحداث الفض.
دلالات المذبحة على انقلاب 3 يوليو
خالد الشريف، القيادي بالمجلس الثوري المصري، قال إن موقعة العباسية “ذكرى العدوان على حق الجماهير في الحرية في التظاهر والاعتصام، العسكر يضيقون ذرعًا بأي مظهر من مظاهر الحرية، يومها عرفنا أن العسكر يستعرض قوته ضد كل من تعلو حنجرته بالحرية”.
وأضاف الشريف، لشبكة “رصد” الإخبارية، أن “العسكر يريدون الاستحواذ على المشهد السياسي ولا يطيقون أي معارضة، كانت المؤامرة احتواء الثورة، وتصدير الإخوان للفتك بهم والقضاء على الثورة”.
وأشار الشريف إلى أنه “كان يجب على الجميع أن يدرك أنه لا بد من الاصطفاف الثوري وعدم الثقة بالعسكر”.
وتابع “نعم الإخوان أخطؤوا حينها، فاليوم اتضحت الصورة، العسكر أعداء للثورة، ولا يريدون سوى مصالحهم، لا ثقة بالعسكر، لكن الشعب قادر على استعادة الثورة، رغم كل التزييف الذي مارسه السيسي، الأمر يحتاج إلى تضحيات”.
كما أكد إسلام دياب، الناشط السياسي، أن موقعة العباسية لم تكن أول مواجهة بين الجيش والشعب، فسبقها أكثر من مواجهة، قائلًا: “العباسية لم تكن مجرد مواجهة بين إسلاميين وعسكر، بل إن الإسلاميين هم من دفعوا الثمن فيها”.
وقال دياب، لشبكة “رصد” الإخبارية، إن العباسية “كانت مذبحة للمتظاهرين على يد الجيش وبمعاونة البلطجية”.