يخطئ من يعتقد أن الثورات العربية قد انطفأت نيرانها أو خبا أوارها بعد أن تمكنت الأنظمة العميقة في معظم الدول العربية التي قامت فيها الثورات من استعادة مكانتها وأمسكت بتلابيب السلطة من جديد، فالثورات عادة ما تكون موجات تشتد في بعض الأوقات وتضعف فى أخرى وتستمر في مقاومة الدولة العميقة التي تشكلت على مدى عشرات السنين حتى تخلعها من جذورها.
ولعل ما يحدث في تونس الآن وما يتخوف منه النظام المصري وما هو قائم في اليمن وليبيا وسوريا من مقاومة يؤكد ذلك، ولنا بعد أربع سنوات من اندلاع الثورات أن نتساءل عما قامت به الأنظمة البائدة التي تقاوم الثورات من القيام به، ففي مصر لم يجد الناس غير الإخوان المسلمين ليمنحوهم الثقة ليعبروا بالثورة إلى بر الأمان.
لكن الإخوان المسلمين الذين تصدروا لقيادة المشهد لم تكن لديهم الكفاءة أو المقدرة على أداء الأمانة التي ائتمنهم عليها الشعب المصري فلم يتخلصوا من النظام البائد أو الدولة العميقة وإنما استعانوا بها وحاولوا أن يديروا الدولة بمنظومتهم لا بمنظومة ثورية جديدة ففشلوا وتمكنت الدولة العميقة والعسكر من استعادة الزمام من جديد لكنهم ماذا فعلوا؟ لم يفعلوا شيئًا سوى مزيد من الفشل والفشل والفشل، والظلم والظلم والظلم وهذا ما جعل رأس هذا النظام يرتعد من ذكرى الخامس والعشرين من يناير التي خرج فيها الشعب مطالبًا بتغيير النظام، فالتف عليه النظام وعاد من جديد أكثر فسادًا وظلمًا واستبدادًا.
إذن فأسباب الثورة التي خرج الشعب من أجلها وهي عيش وحرية وعدالة اجتماعية لم يتحقق منها شيء، وهذا ما حدث في تونس بعد أربع سنوات تكرار لنفس السيناريو لأن النظام هناك عاد وأنتج نفسه من جديد مع غطاء هش من الإسلاميين هذه المرة، لكن مشاكل الناس زادات ولم تنقص، ومحاسبة الفاسدين واسترداد حقوق المواطنين لم تحدث، بل زاد الفساد وعم الظلم وتصاعدت النقمة.
لكن المشهد في كل من مصر وتونس علي سبيل المثال يؤكد لنا بعد سنوات من قيام الثورات علي حقيقة واضحة هي أن العسكر في كلًا البلدين هم الذين قرروا التضحية برأس النظام حتى يبقى النظام، وبالتالي فإن خيوط التغيير بيد العسكر، كما أن العسكر في كل من ليبيا واليمن وسوريا قرروا الانحياز للنظام فوقع ما وقع هناك.
لقد آن للعسكر في مصر وتونس أن يعودوا لثكناتهم بعدما خربوا البلاد طوال أكثر من ستين عامًا وأن يدركوا أن الشعب لن يعود إلى أدراجه حتى يستعيد المدنيون السلطة والحكم في مصر حتى لو استمرت الثورة عشر سنوات.