بعد أن توتّرت العلاقات بين تركيا وروسيا، إثر إسقاط القوات التركية مقاتلة روسية في الأراضي التركية، أدركت تركيا أنّها تقع تحت لعبة دولية تقودها الولايات المتحدة وأوربا، وأدناها توريطها بحرب مع الروس لا تُبقي ولا تذر…!!!
لذلك اتجه أردوغان إلى روسيا وحلّ مشاكله مع روسيا، وكان من أولى هذه المشاكل القضية السورية، إذ وصلوا إلى تفاهمات لم يعرف الإعلامُ كنهها، لكنْ كانت عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا، بقصد السيطرة على مساحات شاسعة في الشمال السوري تصل إلى منبج والباب، كانت هذه العملية هي إحدى ثمار الاتفاق الروسي التركي.
والآن تقود تركيا عملية وساطة بين الفصائل السورية وروسيا؛ من أجل هدنة في مدينة حلب، وهذا الأمر يثير العديد من التساؤلات:
هل تخلّت تركيا عن حلب بصفقة مع الروس..!!؟
ما هي طبيعة هذه الهدنة..!؟
ما هي نتائج الهدنة على الثورة السورية..!!؟
كيف نواجه مسلسل الهدن !!؟
التساؤل الأوّل ـ هل تخلّت تركيا عن حلب بصفقة مع الروس..!!؟
إنّ من يتابع تطورات المواقف التركية من الثورة السورية، سيجد أنّها في تراجع مستمر، فتركيا تقدّم التنازل تلو الآخر، وهذا الأمر طبيعي من تركيا أو غير تركيا، فالقضية قبل كلّ شيء هي قضية مصالح، وتركيا بدأت مصالحها تتضرر بسبب مواقفها الإيجابية من الثورة السورية، وأقلّ ما يقال هو أن تُقام دولةٌ كردية على طول حدودها السورية، وهذا أمر خطير يهدد الأمن القومي التركي، وينذر بتجزئة تركيا، حيث سيقوم أكراد تركيا بمحاولة الانفصال التي يقاتلون من أجلها منذ عام 1984م، ولم تستطع تركيا إلى الآن القضاء على تلك الحركة الانفصالية التي يقودها حزب العمال الكردستاني.
وتركيا أصبحت شبه وحيدة في القضية السورية، فأمريكا وأوربا وروسيا وإيران والعديد من الدول العربية وآخرها مصر السيسي، جميعها في صفّ النظام السوري الأسدي، بشكل مباشر أو غير مباشر…
فمن هنا تراجعت تركيا، وستتراجع أكثر، كلّ ذلك من أجل مصالحها التي باتت في خطر شديد؛ لهذا من الطبيعي أن تتخلّى عن حلب، ومن الطبيعي في نهاية المشوار أن تقبل ببشار الأسد ضمن مرحلة انتقالية…وممكن أن يتطور موقف التنازلات أكثر من ذلك، وذلك حسب درجة الخطورة التي تتعرّض لها المصالح التركية…!!
التساؤل الثاني ـ ما هي طبيعة الهدنة في حلب..!؟
على الأرجح أن تتضمن الهدنة حلب الشرقية المحاصرة، وسيُطلب من جميع الثوار الخروج من حلب الشرقية، وأن تخضع لإدارة ذاتية مدنية، أما ريف حلب فعلى الأرجح لن يكون مشمولاً في الهدنة، وقد يُطلب أن يكون خروج الثوار إلى مناطق إدلب حصراً..!!!
التساؤل الثالث ـ ما هي نتائج الهدنة على الثورة السورية..!!؟
من يتابع مسلسل الهدن في سوريا سيجد أنّ جميعها انتهت بالقضاء على المحاصرين أو إخراجهم من مناطقهم، وحَلَّ النظامُ في تلك المناطق، وفي هذه الهدنة سيحقق النظامُ الآتي:
1 ـ إخراج آلاف المقاتلين من حلب المحاصرة، يعني أنّ حلب الشرقية أصبحت ضمن سيطرته فعليّاً.
2 ـ إخراج آلاف المقاتلين من حلب المحاصرة يعني أنّ النظام ضمن فعليّاً وبشكل نهائي حلب الغربية التي يسيطر عليها؛ فوجود آلاف المقاتلين في حلب الشرقية الذين لا يبعدون سوى 4 كيلو متر عن إخوانهم الثوار خارج حلب، كان يهدد النظام بفك الحصار، وبحصار النظام نفسه، وتحرير حلب الغربية.
3 ـ الهدنة في حلب تجعل آلاف الإيرانيين والعراقيين وعناصر حزب الله وجنود النظام المشغولين في حلب، تجعلهم يتركون حلب ويتوجهون إلى مناطق أخرى لقتال الثوار، وأوّلها تحرير الفوعة وكفريا الشيعيتين في إدلب.
4 ـ الهدنة تعني خسارة حلب، وخسارة حلب تعني:
أ ـ بداية نهاية الثورة بشكل فعلي، فخسارتها تعني حصار الثوار في محافظة إدلب، فيبقى لإدلب منفذ واحد فقط باتجاه تركيا، وباقي الجوانب تحت سيطرة النظام السوري…
ب ـ الثوار في الشمال السوري وإدلب سيصبحون ورقة بيد الأتراك بنسبة مئة بالمئة، فما تمليه عليهم تركيا سينفّذ من دون نقاش…!!!
ج ـ تعني فقدان الحاضنة الشعبية للثورة السورية…
5 ـ ومن الأمور الخطيرة في موضوع هدنة حلب، هو أن يُلْهي النظام الفصائل في المفاوضات، ويستغل الأمر في الانقضاض على حلب الشرقية، أو على الأقل تقسيمها إلى قسمين منفصلين؛ ليشدد الخناق عليها، فالمفاوضات عنده لتخدير الفصائل…
التساؤل الرابع ـ كيف نواجه مسلسل الهدن !!؟
نقولها بصراحة كاملة، ونحن على دراية جيدة بالأمور، الفصائل الكبيرة في سوريا أضاعت الفرصة تلو الفرصة ولم تتوحّد، وأهم أسباب عدم الوحدة هي الإيديولوجيا عند هذه الفصائل الكبيرة، فكل فصيل يظنّ نفسه مشروع دولة المستقبل، وقادة الصف الأوّل من هذه الفصائل هم أكبر العقبات أمام مشاريع وحدة الصف والقلب والكلمة، وتراهم ـ من حيث الظاهر ـ يتغنّون بالوحدة ويُؤكدون على أهميتها… ويسكن في داخل كل واحد منهم شياطين الإيديولوجيا والمصالح الضيّقة والأنانية والأوهام والعقول المتحجّرة…
فجميع الهزائم التي مُنيت بها الثورة هي بسبب هؤلاء القادة، أما في صفوف هذه الفصائل فهناك أناس كالملائكة وكالصحابة وكأبناء الصحابة، من حيث الصدق والإخلاص والشجاعة والبطولة والفداء…لكنْ أضاعوهم…
والآن نؤكد أنّه هذه هي الفرصة الأخيرة لقيادات الفصائل ليعتبروا أنّ سوريا المحرّرة هي فوق كلّ الإيديولوجيات والفصائل والمصالح والمنافع…
وليتذكّروا أنّ وحدتهم هي الخطوة الأولى لمواجهة الهدنة المقترحة، وليكونوا على يقين أنّ الروس والنظام هم الآن في مرحلة قوّة، فمن الطبيعي ألا يقبلوا بهدنة إلا إذا كانت من حيث الحقيقة هي استسلام، لكنْ باسم الهدنة، فإنّ ما بعد الهدنة هو سقوط إدلب، هذا على الأقل ما يخطط لو الروس والنظام…!!
فلا قيمة لهدنة في حلب من دون وحدة الصفوف، ولا قيمة لهدنة في حلب من دون فكّ الحصار.
أما إذا هادنتم ـ أيها القادة ـ وأنتم على ما أنتم عليه الآن، فأنتم بهذه الطريقة تسلّمون باقي سوريا لنظام الأسد، لكن بطريقة غير مباشرة، قصدتم ذلك أم لم تقصدوا، فالعبرة في المآلات…