أول رئيس وزراء لبريطانيا من الجنس الآخر، غيرت وجه الاقتصاد البريطاني المتخشب، وكادت أن تُحَيِّد تماماً نقابات العمال، وسعت إلى ''تقليص حدود الدولة'' من خلال سياسة تقوم على التخلص من الصناعات المؤممة العظيمة، وبيع مساكن الإيجار المملوكة للبلديات إلى ساكنيها. وفي الخارج كانت زعيمة لا تُقهر حين انتصرت على الأرجنتين في حرب جزر الفوكلاند، وزعيمة قررت أن ميخائيل جورباتشيف هو زعيم سوفياتي تستطيع ''التعامل معه''، وسياسية فرضت الاحترام لمبدأ ''التاتشرية'' باعتبارها فلسفة سياسية لم يتمكن أحد من مضاهاتها على الجبهة المحلية.
وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز في مقالها عن تاتشر اليوم انه سرعان ما وضعت بصمتها، ليس فقط في الداخل وإنما كذلك على المسرح العالمي – وساعدها في ذلك إلى حد كبير كلمة مبكرة هاجمت فيها الاتحاد السوفياتي، وهو ما دفع بالجيش الأحمر إلى أن يطلق عليها تعبير ''السيدة الحديدية''.
يذكر ان المعارضة في الغالب تعتمد على قيام الحكومة القائمة بتدمير نفسها. وقد أسدى حزب العمال لها معروفاً وفعل ذلك. فقد اتسم ''شتاء السخط والتذمر'' خلال 1978 – 1979 بإضرابات في القطاع العام أدت إلى تكويم القمامة بكميات كبيرة في الشوارع وعدم دفن الموتى. وتحطمت آمال حزب العمال الانتخابية لعقد من الزمن.
وحين جاءت تاتشر إلى السلطة في عام 1979 كان المجتمع السياسي البريطاني في حالة من الفوضى. فقد كان التضخم ومعدل البطالة في ارتفاع، وبالنسبة لكثير من الناس كان يبدو أن النقابات لا يمكن السيطرة عليها. وعلى خلاف الأفكار السائدة لدى الجميع قلصت الإنفاق الحكومي بصورة حادة. بل إنها في اجتماع مشهور طالبت بتقليص إضافي مقداره مليار جنيه على الرغم من التحذيرات من الحاضرين بأن بريطانيا ستنهار. وقاومت الدعوات التي كانت تطالبها بتليين موقفها، وقالت في مؤتمر لحزب المحافظين في عام 1980: ''إلى هؤلاء الذين ينتظرون سماع ''دورة كاملة''، التعبير المفضل لدى وسائل الإعلام، لديَّ شيء واحد فقط لأقوله لهم: قوموا أنتم بالدورة إذا رغبتم. لكن هذه السيدة ليست من النوع الذي يدور''.
كان الدواء الاقتصادي صعباً على البلع، فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وتراجع الناتج الصناعي، وتراجعت شعبية رئيسة الوزراء الجديدة. مع ذلك بحلول عام 1983 تراجع التضخم إلى ما دون 4 في المائة بعد أن وصل إلى ذروته عند مستوى 22 في المائة، وارتفعت أسهم حزب المحافظين مرة أخرى. وبعد سنوات قال اللورد كارادون، الذي أصبح وزيرا للخارجية في حكومتها: ''المناسبة التي حققت فيها أعظم نجاح في الواقع كانت في الاقتصاد وفي تغيير تصورات الناس عما ينبغي لنا أن نكون عاملين فيه''. وقال إن ذلك كان أعظم حتى من إظهارها لِسِمات القيادة في حرب جزر الفوكلاند.
وحين غزت الأرجنتين جزر الفوكلاند في عام 1982 لم تتردد تاتشر لحظة قبل إرسال قوة ضاربة تتألف من 25 ألف جندي لاستعادة تلك المستعمرة الصغيرة. وأدى النصر وتصميمها الذي لا يلين أثناء الحرب إلى توطيد صورتها كامرأة ذات تصميم في الداخل والخارج. وكذلك فعلت معاركها الناجحة، وضرباتها القوية على الطاولة للتأكيد على وجهات نظرها، في تقليص مساهمة بريطانيا في ميزانية الجماعة الأوروبية، حيث أصرت قائلة: ''أريد استعادة أموالي''. ورغم أن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وصفها بأن ''لديها شفتي مارلين مونرو وعيني كاليجولا'' (إمبراطور روماني كان شديد القسوة واتُّهِم بالجنون)، إلا أن نادي أنصارها الأوروبيين والعالميين تضاعف حجمه. وحين ننظر الآن إلى نصرها في انتخابات 1983 ضد حزب العمال الذي كان يقوده مايكل فوت، المتقدم في السن، نجد أنه كان سهلاً فوق الحد.
وإذا كان الانتصار العسكري في جنوب الأطلسي هو أكبر حادث درامي في رئاستها الأولى، فإن انتصارها الساحق في المعركة التي جرت وقت السلام ضد النقابة العامة لعمال المناجم كان النصر المؤزر في فترتها الثانية. فقد كان نزاعاً داميا مع مجتمعات ممزقة ومعارك ضارية بين عمال المناجم والشرطة. ومع ذلك فإن نقابة عمال المناجم التي كانت في السابق تُعتبَر نقابة لا تهزم على يد أية حكومة، اضطرت في نهاية الأمر إلى التراجع.
وعلى الجبهة الاقتصادية واصلت تاتشر معركتها الرامية إلى ''تقليص حدود الدولة''. وبدأت عمليات التخصيص ببيع شركة النقل العامة ناشونال فليت (إلى موظفي الشركة)، ثم توسعت لتشمل شركات الحديد والغاز والاتصالات والمياه. ونُزِعت مساندة الدولة للصناعة الخاصة بالتدريج. وبيعت المساكن المؤجَّرة من البلديات إلى ساكنيها مقابل حسم، ما أدى بصورة عجيبة إلى تعزيز ملكية المساكن، وإن كان ذلك على حساب فراغ طويل في تزويد المساكن للفقراء.
وكان يبدو أنه لا يمكن وقف عمليات المغازلة هذه باتجاه اقتصاد محلي أكثر توجهاً نحو الليبرالية، في سوق عالمية استعادت فيها بريطانيا احترامها. وكان يبدو عليها أنه لا يمكن وقفها كذلك. ففي مؤتمر لحزب المحافظين في 1984 في برايتون لقي خمسة أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون بجراح خطيرة حين انفجرت قنبلة وضعها الجيش الجمهوري الإيرلندي في فندق جراند قبل الثالثة صباحاً بقليل. وتمكنت تاتشر، وهي الهدف الرئيسي للتفجير، من النجاة. وفي صباح اليوم التالي أدانت الهجوم ووصفته بأنه محاولة لشل الديمقراطية، وقالت للصحافيين: ''هذا هو اليوم الذي لم يكن من المفروض أن أراه''.