تستضيف كلية دار العلوم بجامعة القاهرة يوم الأحد 22 سبتمبر 2013م مفتي الدماء الذي أفتى للعسكر بإباحة الدماء المعصومة؛ فأسهم في قتل أبرياء وسفْك دماء وحرق جثث؛ ليناقش رسالة علمية في قسم الشريعة الإسلامية بالكلية.
حين سمعت هذا الخبر أصابني ذهول شديد وحزن أسيف وحسرة بالغة؛ ذلك أنني لم أكن أتوقع أبدا أن يُقْدم قسم الشريعة الإسلامية على هذا .. صحيح أن القسم – الذي أنتمي إليه وأعتز به – كان يستضيفه مناقشا للرسائل من قبل، وكان هذا مستساغًا، لكن الآن وقد أفتى بما أفتى به، وأصبح خطيبا للعسكر ومفتيهم وخطيبهم، وأسهم بشكل علني في إبادة الآلاف وحرقهم ويفخر بهذا، فلا يصح للقسم ولا للكلية أن تستضيفه في شيء.
لقد ندم أحد الضباط حين قتل مائة نفس في الأحداث التي تمر بها مصر، ووجد وخزًا في ضميره، فذهب لأحد علماء الأزهر يستفتيه ويقول له: "لقد أفتانا الشيخ …… بأن هؤلاء جميعا خوارج على الدولة ويجب قتلهم، ولكنني نادم على ما فعلت وقتلت ما يقرب من مائة نفس، فاستبعد الشيخُ المستفتَى هذا الكلام، وقال إنني أستبعد أن يفتي فلان بهذا .. دعني أتصل به، وحين كلم هذا الشيخُ مفتيَ الدماء قال له في جرأة على الله لا يحسد عليها: "هات لي الضابط ده عشان اقبِّل راسُه"!!
إن دار العلوم، أعني دار علوم حسن البنا وحسن الشافعي وسيد قطب ومحمد عمارة ومحمد بلتاجي حسن وأحمد هيكل وعبد الصبور شاهين وعلي حسب الله وعبد الله شحاته وعبد الحليم عويس وجابر قميحة وسعد مصلوح وعبد العظيم الديب وعبد الرحمن سالم وصلاح سلطان وعبد الحميد مدكور وأحمد شلبي ورمضان عبد التواب ومصطفى حلمي ومحمد الشرقاوي، وهذه الكوكبة من العلماء الذين أثبتوا ربانيتهم وصفاءهم وإخلاصهم لله ولقضايا الأمة، هذه الدار يجب أن تظل دارا لهؤلاء؛ تحمل منهجهم، وتسير على طريقهم؛ حيث الجمع بين العلم والعمل، وبين التعليم والدعوة، وبين خشية الله ورحمة الخلق!
إنني أربأ بقسم الشريعة الإسلامية الذي لا يستريح له الأزهر الرسمي الآن، ويحسب الأزهرُ الرسمي الحالي دائما بهيئاته الرسمية من مجمع بحوث وهيئة علماء – وهذا يعرفه أهل الذكر فقط – أن دار العلوم عدوُّه، فلا ينبغي أن تزاحمه في هيئاته، ولا أن يستكثر منهم في رسمياته، لكن دار العلوم دار الوسطية والربانية والانفتاح والمعاصرة لا ترفض أحدا ولا تبعد أحدا بل تفتح أبوابها للجميع .. أقول: أربأ بقسم الشريعة بالكلية، وبالكلية كلها، أن تقبل عندها وتستضيف على أرضها من أحل الدماء المعصومة، ومن أسهم فيما وصلت مصر إليه الآن، ومن أسقط بما قام به وقاله – كما قال العلامة د. أحمد الريسوني – علمَه وخلقه وعدالته.
يا أيها القائمون على دار العلوم من عميد ووكلاء ورؤساء أقسام وإدارة، ويا أيها الشرفاء والأحرار في دار العلوم: احفظوا دار العلوم، وحافظوا على شرفها، ولا تفرطوا في كرامتها، فهي ليست ملككم وحدكم وإنما ملك للأمة كلها، فلا تخلطوا الأمور فتقولوا يجب أن نفرق بين الأمور العلمية داخل الكلية والأمور العملية خارج الكلية، فترحبون به وتهشون له وتبشون، وربما تهللون، فهذا لا يليق بكم ولا بتاريخ كليتنا الذي نغار عليه جميعا، وأقول لكم ما قاله الله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)". سورة هود. "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)". سورة الشعراء.
