شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الدُوَل العميقة وأكذُوبَة حُكم الشّعب – مهند أبو سارة

الدُوَل العميقة وأكذُوبَة حُكم الشّعب – مهند أبو سارة
  بادرني أحدهم ذات مرة بسؤال عن تطبيق الشريعة وما هي الشريعة، وكان يرى أن الشريعة مفهوم فضفاض وغير مفهوم وتختلف...
 
بادرني أحدهم ذات مرة بسؤال عن تطبيق الشريعة وما هي الشريعة، وكان يرى أن الشريعة مفهوم فضفاض وغير مفهوم وتختلف الأفهام حوله، وإن كان ما قاله فيه كثير من الصحة وسببه الأساسي هو ضعف مفكري المسلمين وعلمائهم في البحث والتنقيب عن مفهوم النظام السياسي، إلا أنني تنبهت إلى أمر أظن بصحته، وهي المفاهيم المتداولة في العالم والتي تأثر بها أبناء المجتعمات الإسلامية كالحرية والديمقراطية، فإنّي أرى أن مفهوم الشريعة الاسلامية وتطبيقها مع ضعف البحث فيه إلا أنه أقل ضبابية من مفاهيم أخرى كالحرية والديمقراطية والتي لا يعرف ما هي قيودها خصوصا في المجتمع الاسلامي. 
 
هل يوجد فعلا حكم للشعب ؟ وهل سبق للشعب ان حكم في دولة معينة حكما كاملا ؟ إن هذه والأسئلة معقدة وسوف أحاول تبسيطها في الأسطر القليلة التالية، إن مفهوم الديمقراطية ظهر بداية لتعطى الكلمة ذات الأصل اليوناني المعنى ديمو قراط أي حكم الشعب وأن تكون له السلطة والفصل كاملا وحين لم يكن هناك إجماع من الشعب على اي رأي فسروها بأنها حكم الأغلبية ورأي الأغلبية من الشعب، وهذا الأمر تنبه له كثير من المفكرين والساسة في العصر الحديث، إذ علموا أن الجماهير بطبعها مهما اختلف زمانها ومكانها ودرجة تحضرها لا تملك بمجملها أسس التفكير المنطقي والبحث السليم ومِن مَن استغل هذا الأمر الزعيم النازي هتلر الذي قرأ كتاب سيكلوجيا الجماهير لغوستاف لوبون وكتاب بروغوباندا لإدوارد بيرنيس وجعلهما الكتابين المفضلين، وكذلك كان الزعيم الشيوعي ستالين صاحب الكاريزما القوية، إن هذا العلم وهو دراسة نفسيات الجماهير يعلمك كيف تقود هذه الجماهير كالقطعان، فالجماهير –كما ذكرت- ليست ذات عقلية مفكرة بالأساس ولا صاحبة منطق ومن الصعب عليها أن تحدد الصواب من الخطأ وسط التوجيه الإعلامي والنفسي الذي تمارسه السلطات المحلية والعالمية. 
 
إذا من يكون الحاكم الحقيقي في الدول التي تتسمى بالديمقراطية، إن الكلام الذي ذكرته لا ينفي أن يكون هناك سلطة يمارسها المجتمع والجماهير على الدولة، فمهما بلغ تسلط الدول يظل هناك سلطة محدودة للشعب تمارسها على الأنظمة حتى لو كانت أنظمة دكتاتورية صريحة، وفي هذا المقال وضعت له عنوان الدولة العميقة وهو المصطلح الذي راج في الفترة الأخيرة في مصر وتعود أصوله إلى تركيا الأتاتوركية والتي اسس فيها مجموعة تتكون داخل الدولة لتحافظ على المصالح العامة لهم وللدولة بمنظارهم، إن لكل دولةٍ دولةٌ عميقة تتحكم بها، ولكن الفرق أن الدولة الدكتاتورية الصريحة كالاتحاد السوفييتي سابقا والصين وكوريا الشمالية والممالك الخليجية المطلقة تكون الدولة العميقة فيها واضحه صريحة وتُظهر نفسها على الملأ، ولكن في الدول الغربية والتي تتنادى بالديمقراطية تكون الدولة العميقة فيها خفية، إن هذه الدول هي في الأصل دول رأسمالية تتوحش فيها رؤوس الأموال لتسيطر على الدولة، وقد وصف أحدهم وصفا دقيقا للديمقراطية الأمريكية حين قال "الديقراطية الأمريكية هي ديمقراطية اللوبيز" فكلما كان اللوبي في أمريكا قويا كانت سيطرته على الحياة السياسية أقوى وتحكّمه بمفاصل الدولة كان أعمق. 
 
إن الديمقراطية المطلقة هي مجرد شعار موهوم لم يحدث عبر التاريخ ولن يحدث، فالديمقراطية لا تتدخل في كل شؤون الدولة إلا نزرا يسيرا في حدود أساليب التعامل والحالة الاقتصادية، ففي الحين الذي كان يحكم الاتحاد السوفيتي حزبا يستأثر بالقرارات كان يحكم في العالم الغربي رؤوس الأموال التي تدير القرارات والحروب والسياسة الخارجية من خلف الستار ولا تأبه برأي الشعب وتترك الديمقراطية للأمور الأخرى التي لا تؤثر على مصالح رؤوس الأموال، فالديمقراطية هي غطاء صوري للحكم الرأسمالي الذي خلف الحكم الملكي السابق، ومما يذكر هنا أنه حين أرادت أمريكا أن تدخل الحرب العالمية الثانية بعد أن وجدت أن من مصلحتها الدخول في هذه الحرب أرادت أن تصنع الرأي العام لذلك فقامت بصنع رأي شعبي كغطاء لسياسات الحكومة الفدرالية فقامت الحكومة بدفع بيرنيس مؤلف كتاب "بروغوباندا" وقد كان هذا الرجل داهية اعلاميةً وقد أصّل لكتابه كيف يسوق الجماهير وصار كتابه مرجعا لوسائل الإعلام الغربية، فقامت بدفعه ليضع خطة يؤلّب فيها الشعب الأمريكي واقناعة بدخول الحرب العالمية فكان مما صنع أن وضع كاركاتير في الصحف الأمريكية يصور فيها الطائرات اليابانية تضرب تمثال الحرية، فقام الشعب الامريكي يطالب الحكومة الأمريكية بكل غضب أن يدخل في الحرب ليقضي على اليابان. 
 
وحين يظن أحدهم أن الدول العربية والمجتمعات الشرقية فقط هي التي تتأثر بالهالة الإعلامية، فالحقيقة أن الشعوب الغربية ليست أكثر ذكاء من الشعوب الشرقية وتأثرها بالإعلام ربما يكون أكثر أو مساويا لما هو في الشرق، فإن رؤوس الأموال التي تتحكم حقيقة بمفاصل الدول الرأسمالية الغربية هي التي ترسم السياسات للدولة وبعد ذلك تقوم بصنع الرأي العام من خلال وسائلهم المعروفة، ففي الحين التي تدّعي هذه الدول أن شعوبها هي التي تحكم لم نر أي اختلاف في سياسات هذه الدول تجاه الشرق الأوسط، هل يعقل أن يكون فعلا هذا موقف الشعوب الأصلي حيالنا لمدة تزيد على المئة عام ؟ فإن كان الأمر والسياسة والحروب بيد الشعوب حقيقة فقد وجب قتال أي شخص ينتمي لدول معادية كأمريكا أو بريطانيا مثلا، ولكننا نعلم أن الشعوب فعلا لا تحكم إلا نزرا يسيرا في حدود ما تسمح لهم دولهم العميقة ورؤوس أموالهم. 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023