شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

لمحات من حياة العالم الرباني الدكتور صلاح الدين سلطان

لمحات من حياة العالم الرباني الدكتور صلاح الدين سلطان
  لفترة طويلة كنت أتتبع ما يكتبه الدكتور صلاح الدين سلطان وكذلك أتابع لقاءاته المتلفزة .. كنت أشعر...

 

لفترة طويلة كنت أتتبع ما يكتبه الدكتور صلاح الدين سلطان وكذلك أتابع لقاءاته المتلفزة .. كنت أشعر وأنا أسمعه بمعنى كلمة "الربانية" .. ومع بداية قدومه إلى مصر كنت أحرص على حضور الندوات والمؤتمرات التي يحاضر فيها ولو كلفني ذلك مشقة السفر..

قرأت كتابه "سورة الكهف .. منهجيات في الاصلاح والتغيير" وانشغلت بفكرة التفسير المنهجي للقرآن الكريم حتى أني اقتنيت من هذا الكتاب عددًا لا أكاد أحصيه هو قطعًا يزيد على العشرة أهديت أغلبها لمن أحب..

لم أتخيل يومًا أن الله سيكرمني بصحبة فضيلة الدكتور والتلمذة على يديه وصحبته لعام كامل .. عايشته فيها على حال السعادة والحزن والغضب والمرح والارهاق والقلق والقيام والسفر والحضر..

كم أود أن أكتب عن بعض ما تعلمته وبعض ما شاهدته خلال فترة ملازمة هذا العالم الرباني الجليل .. لعل الله يشرح الصدر ويجعل بعد عسر يسرًا..

 

كان مما نصحني به الدكتور صلاح الدين سلطان في أول لقائي معه أن قال:

ولدي إسلام .. إذا عاملت الحق فأخرج الخلق .. وإذا عاملت الخلق فأخرج النفس .. وإذا عاملت النفس فأخرج الهوى .. وكن عالمًا ربانيًا داعية دائمًا

في آخر عمرة له اتصل بنا من أمام الكعبة وأخبرنا أنه دعا لنا وعرض علينا أن نتعاهد على عهد أسميناه عهد الكعبة ونصه:

" نعاهد الله على المضي معًا مخلصين لله جادين في بناء أمتنا وتحرير قدسنا والتمكين لديننا"

اجتمعت أيادينا وتشابكت قلوبنا ونحن نردد العهد .. والله يشهد أني التقيت غالب من عاهد هذا العهد في أحلك الظروف وفي مواطن الخطر وهم على العهد أوفياء..

لم يكن يسمح لأحد أن يقبل يده .. وما قبل أحد يده عنوة إلا ورأيته ينحني ليقبل يد الذي قبل يده .. وكم من مرة عاجل واحدًا من طلابه فقبل يده..

لذا كنا ندفع الناس عن تقبيل يده لأنه يجهد نفسه كثيرًا في سحب يده أو في الانحناء تقبيلًا ليد غيره .. نموذج رائع في التواضع الصادق وليس المفتعل..

إذا أردت أن تلخص حال فضيلة الدكتور صلاح الدين سلطان فيكفي أن تقول أنه كان مجاهدًا..

حكى لنا عن مجاهداته لنفسه في شبابه ما قد يستغربه كثير من الناس .. ولقد عايشت أثر هذه المجاهدة على حياة العالم الرباني..

كان قليل النوم .. صاحبته في سفر وفي حضر .. وكان يستكثر علينا أن ننام أكثر من ثلاث ساعات متصلة ، وكنت أستغرب ذلك حتى عايشته ورأيته يكتفي بمثلها أو أقل..

كان قليل الطعام .. فلقد جلست معه على أكثر من مائدة فكان يطعمنا ويسامرنا أكثر مما يأكل..

وكان من دعائه " اللهم اكفني بالغمض من المنام .. والقوت من الطعام .. والقليل من الكلام"

كان حنونًا يحب بصدق ولم يكن ذلك يؤثر على حزمه الشديد .. وكثيرًا ما ترنم:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة .. فإن فساد الرأي أن تترددا

وكان يقول "إن الدعوة تخسر الكثير بسبب عدم الحزم والتراخي في المحاسبة ، ولو عاملنا العمل الدعوي ببعض الحزم الذي نعامل به شركة خاصة لاختلف الأمر ، من غير المعقول أن نترك المجال لتكرار الخطأ وتفويت الفرص وحدوث التقصير والخلل بدعوى الأخوة"

ورأينا هذا الحزم بأنفسنا .. كان يأخذ نفسه وأهله وطلابه بالحزم عند حدوث التقصير .. وكم من طالب اختاره لملازمته ثم ثبت عدم قدرته على الوفاء بواجبات الملازمة فاعتذر له الدكتور بكل لطف .. وكم من موظف اختاره لمهمة ولما تابعه وجد في أدائه تقصيرًا فأعفاه من مهمته..

هكذا تعلمت منه أن الحزم لا ينافي الحب والأخوة..

ولو أحببت أن تعرف مقدار عمق منهجياته القرآنية جرب أن تجلس معه على مائدة طعام..

أول ما جلسنا قال لنا "انظروا إلى طعامكم لدقيقة وتفكروا ستجدوا أن الله سخر لك عشرات الأشخاص بين مزارع وبائع وطاه حتى يصل هذا الطبق بين يديك .. والله تعالى قال (فلينظر الانسان إلى طعامه)" .. ثم بعد ذلك قال " اقتطعوا نصف طعامكم لتعطوه لغيركم فالله تعالى حدثنا في القرآن عن (الإطعام) أكثر ما حدثنا عن (الطعام) "

وتابعته وهو يأكل فكان أغلب جلسته إما يطعم أحدنا أو يسامرنا .. وقليلًا ما كان يأكل

يعبر عن مشاعره بكل صدق وصراحة .. هو أكثر من تعلمت منه معنى الحب في الله .. كان أحب الناس إليه هو الذي يغلب على ظنه أنه الأحب إلى الله والأكثر طاعة له .. وإذا قصر أحدنا في طاعة أو ارتكب شيئًا مما لا يليق تغير وجهه وتغير قلبه حتى يعلم أنه أحدث توبة وأصلح..

كان يحبنا ويصرح ويلمح بذلك .. ولو تراه يتحدث عن أحد تلاميذه واصفًا إياه "أخي وحِبي" .. ربما لو لم تكن على علم به تظنه يتحدث عن أحد أقرانه لا تلاميذه..

ومرة علم منا تقصيرًا في قيام الليل فعاتبنا عتابًا شديدًا كان مما قاله "أول مرة أشعر أنكم لستم أبنائي" .. هو يصنف الناس في قلبه على مقدار طاعتهم لله وجهادهم في سبيل الله .. لا بمقاييس العرف والهوى..

يقول لك متمثلًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ "والله إني لأحبك" ويقول "تعرف بعض قدرك عندي" وتجده يحرص على الاطمئنان عليك رغم انشغاله ، ويشير إليك في حديثه إشارة المحب..

رغم انشغاله وهمومه كان عاطفة متقدة وقلبًا نابضًا بالمحبة..

أسأل الله تعالى أن يأجره في جهاده ويرزقه السلامة والعافية

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023