مثقف كتب مستغربا لماذا ينتقد مثقف مرموق الانقلاب.. وكيف يردد ما تردده المظاهرات في الشوارع من الهتاف بسقوطه.. ويدعوه لينضم إلى مثقفين (كبار!!) بل و(وطنيين!!) يقفون بصف الانقلاب.. لا بل ينظرون لعبقريته ويدعون لقائده بالعافية ولخصومه بالانقراض كالهنود الحمر..
لكنه لا يدرك أن المثقفين نوعان: نوع اختلط ضميره بالوطن فعشقه.. ونوع اختلط عليه معنى الوطن فأنكره وزيفه واختصره في نفسه.. مثقفون لا يرون القتل في الشوارع لكنهم منشرحون لأن مخالفيهم في المقابر أو السجون.
مثقفون لا يرون الطفولة تُنتهك وزهرات يُلقين بالسجون وفقراء يلقون بعرض الطريق طالما أن الوطن منشغل في الفتك بخصومهم..
مثقفون لم يُسعدهم سقوط مبارك الذي كتم أنفاسهم ثلاثين سنة كالانقلاب على مرسي الذي عارضوه وشتموه وقذفوه وحاصروه فلم يتعرض لهم بكلمة.. لكنهم كمثقفين اطلعوا على نواياه في سرقة الوطن من أصحابه..
مثقفون لا يزعجهم أن أبناء مبارك استعادوا دولتهم الظالمة الفاسدة طالما أن البلتاجي أسد ميدان التحرير محبوس وأن عصام سلطان الصادح بالحق مكبل وأن أبو العلا ماضي الذي ادعوا صداقته مغيّب..
مثقفون لا يرتاحون إلا في حجر العسكر.. لأنهم إذا واجهوا الشعب لا يعرفون كيف يتواصلون معه.. يشعرون بالغربة عنه.. يتمنون لو وُلدوا في شعب آخر.. يرونه في السينما ولا يعرفونه في الشوارع والحواري..
مثقفون لا تُزعجهم العسكرة ولا يخشون تزوير الانتخابات ولا يألمون لانهيار الاقتصاد ولا يعانون من غياب العدالة.. لأن ذلك يحدث في وطن غير الوطن الذي يعيشون فيه.. فالوطن بالنسبة لهم أشخاصهم.. والوطن بالنسبة لهم أحلامهم.. أما الفقراء المحشورين في غرف ضيقة وأحياء نائية لا يصلحون إلا للدراما التلفزيونية بشهر رمضان ولا يستحقون التفكر بشأنهم..
مثقفون أزعجهم الحرس الجامعي أيام مبارك لكنهم باركو احتلال الشرطة والجيش للجامعات أيام الانقلاب.. مثقفون أزعجهم التوريث من مبارك لابنه غير العسكري.. فناهضوا الرئيس المنتخب المدني وساندوا عودة حكم الجنرالات..
مثقفون لا يعبرون عن شعوبهم.. بل عن الطاغية الساكن في عقولهم ولا يستغنون عنه في صحوهم حتى إذا غاب اخترعوه أو استعادوه.. لينقذهم ممن اختطف الوطن من الإخوان والبرابرة والهنود الحمر وشياطين جهنم.. لم يسعدهم شئ كسعادتهم بعودة الوطن إلى أصحابه الحقيقيين من العسكر والأغوات والملوك والبشوات..
فهنيئا لكم ثقافتكم بحجر الجنرالات..
لكن حظكم تعيس.. فالزمن ليس زمن العسكر ولا زمن البشاوات.. بل زمن الغلابة ومن يعبر عنهم لا من يخدعهم ليبرر سرقة أحلامهم.. فموعدكم يوم الزينة.. يوم يسقط الانقلاب ويخزى مثقفوه..