يتجه حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية، إلى خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة منفردا، دون الدخول في تحالفات مع قوى أخرى، على أمل أن يكون ممثلا للتيار الإسلامي. وربما يأمل في ما هو أكثر من ذلك، وهو أن "يحل محل جماعة الإخوان المسلمين في برلمانات ما قبل الثورة المصرية"، التي أطاحت بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عام 2011.
وإن لم يعلن حزب النور، الحزب السلفي الوحيد الذي يخوض الانتخابات المتوقعة في الرابع الأول من العام المقبل، عن نسبة المقاعد التي سينافس عليها، يقول إن "النسبة التي حصل عليها الإخوان المسلمون في عهد مبارك تبقى حلما صعب المنال وسط أجواء التوتر التي نشهدها"، بحسب عضو الهيئة العليا للحزب، صلاح عبد المعبود.
هذه الأجواء يوضحها عبد المعبود بقوله، في تصريحات لوكالة الأناضول: "حزب النور يواجه أوضاعا استثنائية، حتى أنه يتجه إلى خوض الانتخابات منفرداً، بسبب عدم وجود توافق بينه وبين التحالفات الحالية التي تضع شروطا مسبقة.. لكن رغم تلك الأجواء تحلم قيادات الحزب بالحصول على 20% من مقاعد مجلس النواب (النسبة التي حصل عليها الإخوان في انتخابات 2005 التشريعية)، وربما الحصول على الأغلبية وتشكيل الحكومة".
غير أن ثلاثة خبراء سياسيين استبعدوا في أحاديث منفصلة مع الأناضول أن يحل السلفيون محل الإخوان في برلمانات ما قبل الثورة، مستندين إلى اختلاف السياق السياسي والاجتماعي بين الفترتين، ومعتبرين أن أجواء التوتر الواقعة، والتي يتحدث عنها قيادات الحزب السلفي، قد لا تؤهله إلى الحصول على تلك النسبة، ولن تجعله يتخذ مسارا معارضاً على غرار الإخوان في عهد مبارك.
وقبل ثورة 25 يناير2011، حصلت جماعة الإخوان المسلمين على 88 مقعدا في انتخابات 2005 التشريعية، بما عادل خمس مقاعد البرلمان، وبعد الثورة التي أطاحت بمبارك أسست حزبها "الحرية والعدالة"، الذى نجح في حصد أغلبية نسبية في برلمان 2011.
ويرى الكاتب الصحفي، فهمي هويدي، وله كتابات عن التيار الإسلامي ومشاركته في الحياة السياسية، أن "السلفيين لن يكونوا بديلا للإخوان، ولن يحصلوا على مقاعدهم في برلمان ما قبل الثورة، لاسيما أن لدينا فريق سلفي وحيد يشارك في الانتخابات المقبلة، وهو حزب النور، الذي يواجه معضلة في إمكانية التصويت له من جانب القوى الليبرالية من جهة، والإسلامية، وخاصة السلفية، من جهة آخري".
ومضى فهمي موضحا أن "التيار الليبرالي يختلف مع التوجهات الأيدولوجية لحزب النور، أما غالبية التيار الإسلامي فتعارض موقفه (حزب النور) في 3 يوليو2013 ، بالإضافة إلى أن الحزب خسر قطاعا من قواعده السلفية منذ مشاركته في الحياة السياسية التي يرفضونها".
وبدعم من حزب النور، جرى الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 ضد الرئيس محمد مرسي.
لكن القيادي في حزب النور، عبد المعبود، أرجع صعوبة موقف الحزب إلى ما قاله إنه "تأثير فترة حكم الإخوان المسلمين سلبياً على التيار الإسلامي، بسبب رفض الشعب المصري لممارساتهم وسياسات مرسي، وهو ما جعل المصريون يتخوفون من التيار الإسلامي) بأكمله، ودفع الحزب إلى القيام بحملات ضد العنف في محاولة للعودة إلى الشارع".
وعقب بيان الجيش يوم 30 يونيو 2013، الذي أمهل مرسي وكافة الأطراف السياسية 48 ساعة للتوافق، أصدر حزب النور بيانا مشتركا مع الدعوة السلفية يوم 2 يوليو من العام نفسه، دعا فيه مرسي إلى إعلان موعد انتخابات رئاسية مبكرة، استجابة للمحتجين، "لمراعاة مصالح البلاد وخطورة الدماء".
وجاء ذلك الموقف المتفرد بين الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، في الوقت الذي تمسك فيه 13 حزبا من التوجه ذاته، أبرزها "البناء والتنمية" و"الوسط" و"الراية"، بموقفها المساند لمرسي.
ومنذ الإنقلاب على مرسي، لم يعد حزب النور، أول حزب سلفي يتم تأسيسه في مصر الحديثة، محسوبا على المعارضة، فبحسب هويدي، "أصبح النور يقف إلى جانب السلطات الحالية والحكومة الحالية، حتى في حالة اعتراضه على قوانين".
وقال عبد المعبود إن "حزب النور قد يكون له تحفظات، لكنه لن يعرقل الحياة السياسية، ومؤخرا يعترض الحزب على (مشروع) قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، لكن الأمر لن يدفعه إلى الطعن على القانون أو منعه من المشاركة في الحياة الانتخابية".
مواقف حزب النور الحالية فسرها أحمد بان، الباحث المتخصص في الحركات السياسية بمركز النيل للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي)، في حديث مع الأناضول، بقوله إن "السياق الذي نشأت فيه جماعة الإخوان وصعدت فيه سياسيا إلى أن حصلت على 20% من مقاعد برلمان 2005 يختلف تماما عن سياق مشاركة حزب النور حاليا، لاسيما أن مشاركة الإخوان كانت نتاج تطور طبيعي كحركة اجتماعية وسياسية تعارض السلطات إلى جانب طريقة تعامل نظام مبارك مع القوى السياسية والقوى الإسلامية بشكل خاص، مثل السماح لها بالتواجد كهامش لتلك المعارضة، فيما يحاول النور حالياً أن يكون لاعباً ضمن المشهد السياسي، دون معارضة تؤدي إلى التصادم مع السلطات الحالية".
وهو ما يرى يسري العزباوي، الخبير في وحدة قياسات الرأي العام بمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" (تابع لمؤسسة الأهرام المملوكة للدولة)، أنه "سيدفع بحزب النور خلال فترة الانتخابات البرلمانية، وما بعدها إلى مزيد من التعاطي مع السلطة، التي لن تسمح بحصوله على نسبة تفوق الـ20%.
واعتبر الغرباوي، في حديث مع الأناضول، أن "انتقال الحزب من مربع تحالفه مع السلطات الحالية إلى المعارضة، على غرار الإخوان المسلمين قبل الثورة، يبقى احتمالا ضعيفاً، لاسيما وأن الحزب لديه فرصة أن يكون ضمن التكتل الانتخابي الذي يشكل الحكومة".
ودخل حزب النور الانتخابات البرلمانية الأولى، والوحيدة بعد ثورة 2011، بقائمة منفردة باسم " تحالف الكتلة الإسلامية"، وحقق مفاجأة بحصوله علي حوالي 24 % من مقاعد البرلمان (الذي تم حله بحكم قضائي في 2012)، ليحل ثانيا بعد "التحالف الديمقراطي" بقيادة الإخوان، الذي حصل علي 42 %، ما مكن حزب النور آنذاك أن يصبح "رمانة الميزان" في الحياة السياسية بين الإخوان والمعارضة اليسارية والليبرالية لهم.
وبحسب "بان، فإن "الحزب السلفي لن يحصل على أكثر من 5 % من مقاعد البرلمان المقبل، وفي الوقت نفسه فإن تلك النسبة لن تمكنه من ممارسة لافتة أو أن يكون ممثلاً للتيار الإسلامي، لاسيما أنه لا يشكل أكثر من 10% من السلفيين".
وهو ما اختلف معه أحد قيادات الدعوة السلفية، الذي أثر عدم ذكر اسمه، بقوله للأناضول: "نحن الدعوة السلفية دفعنا بحزب النور إلى الحياة السياسية، ونحن الوحيدين الذين نخوض الانتخابات ونعلن بوضوح أن مرجعيتنا هي الشرعية الإسلامية، وإذا لم نكن ممثلين للتيار الإسلامي فمن سيكون، بعد خروج الإخوان من المشهد السياسي؟!".
ووفقا لأحاديث منفصلة لمراسلة الأناضول مع قيادات في أحزاب سلفية، منها الفضيلة، والأصالة، والوطن، والراية، والجبهة السلفية، فإنه من المقرر أن تقاطع الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث يعتبرونها "جزء من نظام لا يمثل إرادة المصريين، الذين انتخبوا محمد مرسي رئيسا".
والانتخابات المقبلة هي الخطوة الثالثة والأخيرة في خارطة الطريق التي تم إعلانها في 8 يوليو 2013، عقب الإطاحة بمرسي، وتتضمن أيضا إعداد دستور جديد للبلاد، وما تم في يناير الماضي، وانتخابات رئاسية جرت في يونيو الماضي، وفاز بها عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقت الإطاحة بمرسي الذي لم يحكم سوى عام واحد.