في ظل عسكرة المجتمع، تبدو الأمور شديدة الخطورة في جعل أي تكوين ضمن مؤسسات ترويج كل ما يفعله النظام الانقلابي، فتبدو هذه التكوينات، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بمثابة بوق من أبواق الانقلاب أو ذراع من أذرعه، تحدث المنقلب عن أذرعه الإعلامية وقدرها، وأشار إلى تكلفة الذراع الواحد والعمل تحت مظلة التعليمات من أجهزة أمنية، أو أجهزة الشؤون المعنوية، لكن أحداً لم يفطن إلى الأذرع الحقوقية للمنظومة الانقلابية التي تستدعى عند الطلب، وبالأمر يخرج هؤلاء يقررون ويكررون ما يُملى عليهم بدون حياء أو خجل.
سوابق المجلس العسكري لحقوق الإنسان في هذا الشأن خطيرة وكبيرة، أهمها الدفاع عن ملف حقوق الإنسان في مصر أمام لجنة حقوق الإنسان الدولية في جنيف، يدافعون بالباطل وتفضحهم تقارير دورية، تصدر من هيئات حقوقية دولية، وتؤكد على ارتكابهم مآسي ومخازي في حق الإنسان والمواطن في مصر، الانتهاكات صارت حياة يومية من أجهزة أمنية، جعلت من ذلك عملاً ممنهجاً، وكذلك لا ننسى أداء هذا المجلس، بما تبناه من لجنة تقصي حقائق فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، والتي اتهمت المقتول وأخلت ساحة القاتل. وحمل رئيس لجنة تقصي الحقائق التقرير إلى الرئاسة، ولم يخجل وهو يقول إن السلطات طلبت منه حذف العبارات التي تشير إلى مشاركة الجيش في عملية فض الاعتصامين، خلافا للحقيقة والواقع.
يتراوح الأمر، هنا، بالنسبة لهذا المجلس بين التدليس والتزوير، فضلا عن دور “المحلل” المؤسسي الذي يقوم بتبييض وجه المنقلب وانقلابه، يتصدّر فيلقي بشهادات تبرئة وشهادات تثبت كيف تدلل “الداخلية” بسجونها وسجانيها المعتقلين إلى حد القتل وتسليمهم إلى المقابر، ولا يقوم المجلس العسكري لحقوق الإنسان إلا بدوره المحفوظ، مهما كان تهافته وتفاهته ووضوح تزويره وفبركته عن الذين قضوا في السجون، ماتوا وهم يتنزهون في رياض السجون وجنة المعتقلين، سجن العقرب سجن الخمسة نجوم، فهل رأيت الطاهي اللابس القفاز وهو يطبخ، ورأيت هؤلاء وهم يتذوقون الأطعمة الفاخرة، والجميع يقرّ أنهم فى أحسن حال.
زعم أمين عام المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد فائق، قبل أيام، أن “الشكاوى التي قدمتها أسر قادة الإخوان المسلمين غير صحيحة، على الأقل بنسبة 50%، والسجون خالية من أي تعذيب منهجي”.
نشرت حملة “الحرية للجدعان” تصريحات ميسون المصري، أخت ماهينور، قالت فيها: “فوجئت قبل أيام بالمؤتمر الصحفي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وجاءت اللجنة لتعلن فيه نتائج جولتها داخل عدد من السجون.. شعرت بالهزل الشديد، وأنا أسمع نتائج الجولة، التي أعلم، تمام العلم، من خبرتنا، أخيراً، بالاحتكاك بعالم السجون أنها غير صحيحة أبداً”. وأضافت: “لكن، ما أثار غضبي واشمئزازي حقاً من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان، هو كم الكذب والتلفيق في ادعائهم أن ماهينور، كما ادعى محمد فايق رئيس المجلس القومي، والمحامي حافظ أبو سعدة، عند زيارتهما سجن دمنهور، لم تكن هناك، محاولين أن يخفوا تقصيرهم وراء كذب وتضليل بأنها ربما تكون خرجت لجلسة تحقيق؛ لأن الحقيقة أن ماهينور كانت هناك، ولم يطلب منها أحد مقابلة أعضاء المجلس، والمعروف لدى الجميع أن ماهينور محكوم عليها حكماً نهائياً، فأي جلسة تحقيق يتحدثون عنها؟.
وجاءت شهادة ماهينور تحكي عن اللجنة الممزوجة بوجوه قبيحة، تحسب من المدافعين عن حقوق الإنسان، إلى جانب رتب “الداخلية” الذين رافقوا الوفد خطوة بخطوة. وسار الوفد في الجولة السياحية التي أعدتها الداخلية، يدخلون العنابر التي يسمح لهم بالدخول فيها فقط، تلك التي لن يجرؤ من في داخلها على التحدث عن الانتهاكات التي تحدث في الداخل. أخبرتنا عن المعاملة السيئة داخل مستشفى السجن، أو كما تسميها “المشرحة”، حيث تواجه السيدات التعذيب بالضرب على يد الطبيب المعالج، ما أدى إلى وفاة سجينة قبل عيد الفطر.
ورد أهالي المعتقلين تفنيداً لتقرير “جنة المعتقلين في سجن العقرب اللعين”، الصادرعن لجنة تابعة للمجلس العسكري لحقوق الإنسان، المحلل لانتهاكات أجهزة الانقلابيين، كلمة كلمة ليرسموا حالة الإهانة لكل المعتقلين، وحال العذاب في رحلات ذوي المعتقلين إن سُمح لهم بزيارة المسجونين. وبناء على ما تقدم. و”على الرغم من أن حالة سجن العقرب والانتهاكات الجمة التى تحدث فيه تتسع لها كتب ومجلدات، فإننا بصفتنا الشاهد الرئيسي على الجريمة التي ترتكب في سجن العقرب، وبما أننا المتضرر الأول والأخير، وأننا من يعيش وقائع المأساة يوما بعد يوم، نتقدم لكم بمطالبنا ومطالب أهلنا المعتقلين في العقرب (طرة الشديد الحراسة 992) لنضعكم أمام مسؤليتكم الإنسانيه والتاريخية”.
وقد تبرأ عضو اللجنة، محمد عبد القدوس، من التقرير المتسم بالكذب المبين، واعتبره مخالفا للواقع، ويحوي مغالطات كثيرة، مشيرا إلى المسرحية الهزلية، قائلا: “وعندما انطلقنا إلى هناك، كان واضحا جدا أن سجن العقرب تم إعداده تماماً، استعدادا لزيارة وفد حقوق الإنسان، وهو تقليد قديم معروف في السجون أن تأخذ زينتها وتتجمل، عند علمها بزيارة مسؤول أو تفتيش أو وفد حقوقي. وظهر واضحاً جداً في مطبخ السجن، “فأنا رد سجون”، وأعلم تماما طعام السجن المقدم، لكن ما شاهدناه طعام فاخر وأكل لذيذ لا يوجد إلا في الفنادق الكبرى، ولا يعقل أن يوجد داخل أي سجن”.
وأضاف ناشطون وسياسيون “كان حرياً بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، إن كان منشغلا حقيقة بتلك الحقوق الإنسانية، أن ينظم زيارة مفاجئة لتفقد الأوضاع على طبيعتها، وليشهد بعينه ما يعلمه القاصي والداني في مصر من سوء معاملة السجناء (وصل إلى وفاة بعضهم) والتغليظ عليهم، ومنعهم من أبسط حقوقهم، لا أن يذهب في وقت مرتب ومجهز لعرض أمور تجميلية، لا تعبر عن مرارة الواقع وقبحه”.
وتساءل أحدهم، على حسابه الشخصي في “فيسبوك”: هل المئات الذين توفوا في السجون ماتوا من العناية الفائقة؟ واختتم تدوينته: بعد قصيدة الغزل من مجلسهم لحقوق الإنسان في سجن العقرب، أقترح على من لم تسمح ظروفه بالاسترخاء في مارينا أو الساحل الشمالي، أن يحجز غرفة في سجن العقرب، تشجيعا للسياحة الداخلية.
ويستعير أحمد جمال زيادة مقولة الشاعر محمود درويش “ما أشد براءتنا، حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق، القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه”. فيقول زيادة: ما أشد براءتنا حين نظن أن حافظ أبوسعدة وعاء للعدل والحق، فحافظ هنا وعاء للحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه.
وأكتب، هنا، في النهاية، للمجلس العسكري لحقوق الإنسان “يوما ما ستنزلون في سجن العقرب، جنة المعتقلين التي بها تغنيتم وزورتم، اللهم حرّر المعتقلين وأنزل “مجلسهم المزور” و”المحلل الانقلابي المدلس” سجن العقرب في يوم قريب. قولوا معي آمين.