شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قميص عثمان.. بين خصوصية الحديث وجهل خالد منتصر!

قميص عثمان.. بين خصوصية الحديث وجهل خالد منتصر!
كتب المدعو خالد منتصر مقالا هزيلا عن الفتنة التي وقعت أيام سيدنا عثمان رضي الله عنه، أقل ما يقال عنه أنه شديد السطحية، يختزل أحداثا جساما في سطور قليلة، لإيصال رسالة خبيثة واحدة: خلط الدين بالسياسة هو منبع الشرور، والسياسة كل

كتب المدعو خالد منتصر مقالا هزيلا عن الفتنة التي وقعت أيام سيدنا عثمان رضي الله عنه، أقل ما يقال عنه أنه شديد السطحية، يختزل أحداثا جساما في سطور قليلة، لإيصال رسالة خبيثة واحدة: خلط الدين بالسياسة هو منبع الشرور، والسياسة كلها غالب ومغلوب، حتى الصحابة تنازعوا عليها، وهو تدليس واضح وجهل مدقع!

نتناول هنا بعض المغالطات التي تناولها مقاله الركيك، ليس دفاعا عن عثمان رضي الله عنه وهو الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وإنما ترسيخا لمبادئ عامة لا بد منها إذا أرادت هذه الأمة حقا أن تنتصر!

***

1- وجود معارضة لا يطعن في شرعية عثمان رضي الله عنه!

الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه هو ولي أمر شرعي، وأحد الخلفاء الراشدين الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، والمعارضون له لم ينكروا عليه ذلك، وإنما كان لهم مطالب، رآها بعض الصحابة معقولة، وأخذوا عليه بعض القرارات، التي اختلفوا بشأنها، ولم يقل أحد يوما أنه كان نبي أو مرسل من السماء مثلما قالوا عن السيسي!

وإذا كان وجود معارضة في أي دولة طبيعيا، ولاسيما إذا كانت كبيرة مترامية الأطراف، فإن السؤال على غرار “هل إذا كان هناك معارضة للحاكم عليه أن يتنحى؟؟” يكون ساذجا، لأن دائما وأبدا سيكون هناك معارضة، وإذا تنحى كل حاكم لوجود معارضة لما بقي حاكم واحد يوما واحدا في سدة الحكم!

بل إن كل الديمقراطيات في العالم تباهي بوجود معارضة حرة، حتى الطغاة، يلجئون لمعارضات ديكورية لإضفاء لمسة من الشرعية على حكمهم الاستبدادي! فهل صارت سبة في حق عثمان رضي الله عنه وكل حاكم يتبنى النهج الإسلامي؟؟

***

2- اتفاق عثمان رضي الله عنه مع المعارضة!

السؤال إذن لا يكون هل هناك معارضة أم لا؟؟ لأن هذا سؤالا ساذجا على غرار: هل هناك من لا يشجع الأهلي في مصر؟؟ أو هل هناك من يعارض اتفاقية كامب ديفيد في مصر؟؟ أو هل من يريد الهجرة من مصر؟؟ طبيعي ستجد ذلك في مصر وفي أي دولة.

السؤال الذي يصح هو: كيف يتعامل الحاكم مع المعارضة؟؟ هل يقمعها وينكل بهم ويحرقهم أحياء؟؟ (كما يفعل السيسي)، أم يستمع إليهم ويتحاور معهم، ويوجد أرضية مشتركة بينه وبينهم، ويتفقون على آلية واضحة لانتقال السلطة ووسائل التعبير عن الاحتجاج!

وفيما يخص معاملة سيدنا عثمان رضي الله عنه للمعارضة، فقد كان تعاملا راقيا، ليت كل حاكم يعامل معارضته مثله! فلقد رفض رفضا قاطعا التعرض لحركات المعارضة أو قمعها. وحين استأذنه واليه على مصر أن يعاقب عمار بن ياسر رضي الله عنه وقادة المعارضة الذي معه من أهل مصر، رفض وكتب له سيدنا عثمان رضي الله عنه:

” بئس الرأي أنت! من أن آذن لك بعقوبة عمار وأصحابه، فأحسن صحبتهم ما صحبوك، فإذا أرادوا الرحلة فأحسن جهازهم، وإياك أن يأتيني عنك خلاف ما أتيت به إليك!”

(تاريخ المدينة لابن شبة بإسناد صحيح وآخر حسن)

على العكس؛ لقد سعى عثمان بن عفان رضي الله عنه للتحاور مع المعارضة بشتى السبل، والتقى وفودا منهم في المدينة، وأبرم معهم اتفاقا حضره الصحابي الجليل سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الذي فوضه سيدنا عثمان رضي الله عنه وقال له:

” أعطهم على الحق وأن أرجع عن كل شيء كرهته الأمة”، قال جابر: “اصطلحنا على الحق، على أن نرد كل منفي، ونعطي كل محروم، ونعمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العامة” (المصدر السابق)

كما أقر لهم عثمان بن عفان رضي الله عنه بحقهم في الرقابة على بيت المال، وحقهم في ترشيح من يريدون من أمراء الأقاليم، ليكونوا عليهم، وفند شبهة من اتهمه بمحاباته أهل بيته، وإعطائهم من بيت مال المسلمين، فقال “إني لا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس” (الطبري)

***

3- الشحن الإعلامي وقلب الحقائق!

لكن بعد أن رجعت المعارضة راضية من عند الخليفة عثمان رضي الله عنه، وقد اتفقوا بعد المصالحة والمعاهدة، عاد الوفد المصري في الطريق ليقول أنهم وجدا كتابا مختوم بخاتم سيدنا عثمان رضي الله عنه، فيه أوامر لأمراء الأقاليم بقمع قادة المعارضة، فتداعت المعارضة من جديد وثارت ثائرتها!

اتُهم مروان بن الحكم بأنه وراء الخطاب، لأنه كاتب عثمان رضي الله عنه، وطلبوا من الخليفة إرساله إليهم، فخشي عليه أن يقتلوه، وهو لم تثبت عليه التهمة بعد. فتحولت المعارضة بعدئذ إلى معارضة متطرفة تطالب بخلع الخليفة نفسه!

(القصة كاملة تناولها الدكتور حاكم المطيري في كتابه تحرير الإنسان وتجريد الطغيا، مبينا الروايات الصحيحة من الضعيفة)

***
ولما جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما يسأله عن شائعات بحق عثمان رضي الله عنه، فسأله عن عدم حضور عثمان بدراً، أجابه ابن عمر بأنه لم يشهدها، فكبر السائل فرَحاً وشماتةً بعثمان، فناداه ابن عمر رضي الله عنهما وبيّن له أن تخلف عثمان هذا لم يكن من قِبله، إنما كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يُعدّ عيباً فيه، فقال له: وأما تغيبه عن بدر، فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه” (رواه البخاري وأحمد)

كما سأله الرجل عن رجوع عثمان إلى المدينة يوم أحد، فقال له ابن عمر أن بعض الصحابة رجعوا لأنه أشيع أن رسول الله صلى الله عليهم وسلم قد قتل، فآثروا حماية المدينة حتى لا تذهب إليها قريش بعد أُحد.

أما عدم حضوره رضي الله عنه بيعة الرضوان فلأنها عقدت من أجله هو، وقد أسرته قريش وحبسته، وقد كان رسولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فاجتمع الصحابة لبيعة النبي تحت الشجرة نصرة لعثمان رضي الله عنه!

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أثر الإعلام في شحن الناس وخلط الأمور وقلب الحقائق، لتحقيق أهداف سياسية خاصة، متلاعبين بالسذج من الناس، ومستغلين مشكلات حقيقية يكون علاجها بالحوار والاتفاق لا القتال والحرب الأهلية والإملاء تحت تهديد السلاح!

***

3- “حتى لا تكون سنة كلما سخط قوم إمامهم قتلوه أو خلعوه”

وقد استشار الخليفة عثمان رضي الله عنه الصحابة الكرام، فأشار بعضهم عليه بترك الأمر درء للفتنة، لكن كثيرا منهم، وعلى رأسهم ابن عمر رضي الله عنه أشار عليه ألا يفعل وقال له: “حتى لا تكون سنة كلما سخط قوم إمامهم قتلوه أو خلعوه”.

هنا سيدنا عثمان رضي الله عنه لا يفكر في نفسه، ولو كان يفعل لقمع المعارضة وما خشي شيئا، فهم أقلية وهو الخليفة ومعه الجيوش تأتمر بأمره، ولأرسل إلى المعارضة مروان بن الحكم المتهم بالتزوير وتهييج الناس بخطابه ليقتلوه وتهدأ الأمور، لكنه خشي على المسلمين من بعده، كلما اتخذ الحاكم قرار لم يعجب بعض الناس، طالبوا بخلعه! فأي دولة تستقر والحال هكذا؟؟

ثم من قال أن الناس كانت لتجتمع على خليفة واحد إذا ترك عثمان رضي الله عنه الأمر؟؟ هل كان سيقبل معارضو الكوفة برأي معارضي مصر؟؟ إذا اختلفوا حول ذي النوري الخليفة الراشد الذي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه راض، فهل يقبلون بمن هو دونه؟؟ لقد كان في هذا بحق تفتيت للدولة، واستقلال للولايات، منعه عثمان بموقفه الثابت رضي الله عنه.

***

4- خصوصية الحديث لعثمان رضي الله عنه.

هنا تذكر سيدنا عثمان رضي الله عنه – الذي تجاوز الثمانين – أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا المعنى، حيث جاء في الحديث:

حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا المنهال بن بحر أبو سلمة العقيلي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد ألما ، فأرسل إلى عثمان قالت : فسمعته يقول : ” إن الله سيقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه ” فقيل لها : فأين كنت ، لم تذكري هذا ؟ قالت : ” نسيته “
(رواه أحمد والطبراني في المعجم الأوسط)

والقميص المقصود هنا الخلافة، ونصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عثمان ألا ينزل على رأي بعض الناس، حتى لا يكون الحكم لعبة، وحتى “لا تكون سُنّة كلما سخط قوم إمامهم قتلوه أو خلعوه” كما نصحه بن عمر رضي الله عنه.

لم يفهم خالد منتصر أن مقولة سيدنا عثمان رضي الله عنه هي حديث من النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن نصيحة له أشبه بالوصية، كما أن ما لم يفهمه خالد منتصر، أن الحديث مقصور على سيدنا عثمان رضي الله عنه، ولا يجوز لحاكم من بعده أن يستخدم ذات الحديث لذات الهدف في موقف مشابه.

لكن المعنى الوارد في الحديث صحيح ويمكن الاستفادة منه، وهو أن من جاء بإرادة الناس يذهب فقط بإرادة الناس، وإذا أتى رئيس بإرادة الناس على رفض بعض الناس له فلا يحق “للبعض” أن يطغى على رأي “الأكثرية”، بأي حجة كانت، بل عليه اللجوء لوسائل واضحة متفق عليه لانتقال السلطة بشكل طبيعي لا استثناء فيه، على ألا يتم ذلك تحت تهديد السلاح!

وإذا كان خالد منتصر يلمح للرئيس مرسي، فلقد كان الرجل منفتحا باعتراف الجميع على كل الاقتراحات، بما فيه إجراء انتخابات مبكرة، رغم اعتراض أنصاره، على أن تسبق الانتخابات البرلمانية الانتخابات الرئاسية، أو أن يكونا متزامنتين على أقل تقدير، حتى لا يحدث فراغ من جهة، وحتى تبقى السلطة بيد الشعب، لا بيد العسكر من جهة أخرى، وهو ما رفضه العسكر، وألقي به من النافذة كما تبين لاحقا!

الحق أن السيسي الذي يؤيده منتصر هو الذي يستخدم الدين أسوأ استخدام، فيتخذ مفتين ينادون بقتل المعارضين، ويتملقونه فيشبهونه بالرسل والأنبياء، والخلفاء الراشدين، ويطالبون الناس بالتخلي عن أرباح أسهمهم في القناة التي اشتروها بعد حملة دعاية ضخمة لأنها ربا!

***

5- إنها حرب على الدين!

هناك خطأ منهجي عند خالد منتصر وأمثاله من العلمانيين، وهو أنه يفصلون مبدئيا بين آيات القرآن الكريم قطعية الدلالة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة من جهة، وبين سلوك الفرد والمجتمع والأحداث السياسية التي تقع من جهة أخرى، ويميلون لتفسير ما يجري بصورة بشرية بحتة، بعيدا عن التوجيه القرآني والمنهج النبوي وعن أي قيمة أو مُثُل، فتكون الفتنة الكبرى مثلا هو صراع على السلطة بين فريقين المنتصر فيها سيغلب، متناسين أو متجاهلين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حول هذه القضية، والتي كانت تحذر منها، بإشارات واضحة للفئة الباغية!

ومقصد خالد منتصر وأمثاله ليس البحث عن الحقيقة، بل تشكيك الناس في ثوابت الدين وتشويه لرموزه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام، وفي الإسلاميين بوجه عام، رغم أن السيسي هو من عاد لتزوير الانتخابات ونسبة الستة وتسعين، وقمع المعارضين، وأحرقهم أحياء وفي صناديق الغاز، وأسكت الصحفيين والناشطين، وملأ المعتقلات بالمعارضين وليس مرسي المنتخب بحق، والذي لم يسجن في عهده صحفي واحد، ولم يعتقل معارض واحد!

الحرب ليست حربا على الإخوان، بل على المنهج الإسلامي الذي قدر أن يحمله الإخوان في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة! الحرب على دور الدين في صياغة سلوك الفرد والمجتمع،ومن ثم شكل الدولة ومعاملاتها، حتى تنسلخ الأمة عن هويتها، والشعب عن عقيدته، تلك العقيدة التي يطعن فيها في إعلام السيسي والعلمانيين ليل نهار!

أليس خالد منتصر هذا الذي قال للأستاذ صبحي صالح في العاشرة مساء: وما دخل الله في السياسة؟؟ نعوذ بالله من هؤلاء الذين يريدون لأمة أعزها الله بالإسلام أن تبتغي العزة في غيره ليذلها الله!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023