شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

لا لتسليح الثورة المصرية

لا لتسليح الثورة المصرية
كتب الدكتور الشيخ «جمال عبد الستار» الإخواني وأحد رموز الثورة المصرية الحديثة يدعو الى تسليح الثورة.. أو هذا ما يفهم من مقاله.. وقد ساق بضعة عشر مبررا.. وهذا ما أكتبه ردا ومناقشة لما طرح دون أن أقلل من مكانة الرجل واحترامي

كتب الدكتور الشيخ «جمال عبد الستار» الإخواني وأحد رموز الثورة المصرية الحديثة يدعو الى تسليح الثورة.. أو هذا ما يفهم من مقاله.. وقد ساق بضعة عشر مبررا.. وهذا ما أكتبه ردا ومناقشة لما طرح دون أن أقلل من مكانة الرجل واحترامي له وقناعتي بفهمه وإخلاصه، وأقول:

مقال الدكتور هو ومضة عاطفة ولحظة استعجال كالتي أصابت «الصحابي خباب بن الأرت» رضي الله عنه، يوم سأل النبي صلى الله عليه وسلم، «ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟». فالدكتور الفاضل قد تجاوز من حيث لم يرد الكثير من المفاهيم والقناعات المستندة لمجموع النص الشرعي وخلاصة تجارب ذات قيمة خلاصية، ومن ذلك:

1. أنه تجاوز فكرة أن ثورات الربيع العربي امتازت بميزتين حمتاها من البطش وكبلتا أيدي النظم عن استخدام قهر القوة الخشنة ضدها، والميزتان هما (السلمية والشعبية) فهو عندما يدعو الى تسليح الثورة إنما يغامر بالسلمية ثم يغامر بالشعبية لتتحول الثورة إلى فئوية نخبوية وهذا المعنى ينطبق على كل الثورات والمصرية منها خصوصا.

2.  وتجاوز أن الاعتماد النهائي في الثورات المسلحة هو على الذات التنظيمية والأيديولوجية للثوار النخبويين وللأحزاب الثائرة ببعدها التنظيمي وإمكاناتها المستقلة والاعتماد أيضا على التقديرات الموضوعية.. ولكن ليس على الشعب الذي تغلب عليه الغوغائية والعاطفية وسرعة التناثر تحت ضغوط التخويف والتطميع وعامل الارتجالية غير المنظمة.

3. وتجاوز ما استقر في الذهن والقناعة من أن طبيعة الشعب المصري خصوصا والشعوب العربية عموما من التأثر بقوة الدولة والخضوع لها أكثر من قوة الفكرة أيا كانت وجاهتها حتى لو كانت دينية مقدسة، هذه الطبيعة العاطفية والتأثرية هي أسّ ما وقعت فيه الثورات حتى الآن.. ذلك يعني أن أهم درس من تطورات الثورة المصرية والانقلاب بعدها لم يحظ بالاهتمام الكافي.

4.  وتجاوز ما يمكن أن تؤول إليه الثورة المصرية على مصر ذاتها كشعب ومجتمع ودولة قبل أن يكون على الانقلاب والانقلابيين.. فمصر إن انفلجت بالثورة المسلحة –لا قدر الله- فسيكون ذلك شرا مستطيرا في كل الاتجاهات، ما يعني أن على من يطرح هذا الطرح أن يفكر في الضمانات وأن يتبصر ويستشرف ما سيكون في اليوم التالي للثورة المسلحة، وهو ما يخلو مقال الدكتور من الالتفات أو التنبه إليه.

5.  وتجاوز ما يمكن أن يقع بسبب الثورة المسلحة على الثوار المعتقلين (وهم عشرات الآلاف من النخبة والعدة الإستراتيجية في أي تغيير جدي) من انتقام النظام وميليشياته وربما من جهات أخرى خارج طرفي الصراع وهذا تفريط بهذا المكتسب، فضلا عما سيرسمه من هزيمة معنوية على المدى والتاريخ.

6.  وتجاوز وجود إمكانات وهوامش عمل ثورية أخرى لا تقل وجاهة وأثرا عن الثورة المسلحة وإن على مدى أطول وتمهل أكثر، فإيذاء الانقلاب بتعطيل وإحباط أجهزته وأدواته -القضاء والأزهر والجيش والإعلام- وبإسقاط قيمته الأخلاقية وتأزيمه الاقتصادي وفض الالتفاف الشعبي عنه وبملاحقاته الإعلامية وتحريك جهات دولية ذات بعد رسمي أممي وأهلي وثقافي وقانوني وصولا للعصيان المدني. كل ذلك لا يقل أثرا عن الثورة المسلحة ولكنه في ذات الآن لا يعطي للنظام الانقلابي مبرر استخدام القوة المفرطة لكسر عزائم الثوار مما قد يفلح فيه.

7.  وتجاوز أن الانقلاب ليس مشكلة على الثورة والثوار فقط ولكنه قد صار عبئا على الشعب كله، وعبئا على داعميه في الخارج والداخل، وعبئا على الأكثرية الصامتة أو المنتظرة.. وقد رأينا كيف تتكاثر بإطراد حالات تخلي الكثيرين من رموز الانقلاب عنه ومنهم من انقلب عليه كالبرادعي وحمزاوي وحمدان والأسواني والهواري وغيرهم.

8.  ثم إن المقال قد تجاوز أن المواجهات المسلحة ضد الجيش تستلزم الارتكاز على قوة مالية وسياسية ومكانية إقليمية ودولية.. والسؤال: من هذه الجهة؟ لسنا نراها ولا نرى أنها متوفرة حتى الآن ولا في المنظور القريب كما أن المقال لم يشر إليها من قريب ولا بعيد!

9. وفي المفهوم الشرعي قد تجاوز المقال أن أحد أوجه مقاومة الانقلاب المراهنة على الزمن ومعالجاته ومفهوم «صبرا آل ياسر» وهو عدة لا تقل أهمية وحكمة من حمل السلاح إذا وضع كل في مكانه واشتراطاته.. كما تجاوز -وبالمنطق الشرعي ذاته والاستدلالي الفقهي- أن للمقاتل المسلم أن يترخص من المواجهة المسلحة إذا كانت معادلة العدد بينه وبين عدوه أكثر من «واحد هو لاثنين عدوه»، قال تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاَللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فكيف إذا كان الثوار القلة عددا وعدة في مقابل دولة بملايين أتباعها وأجهزتها وميليشياتها وعدتها وعتادها ودعم كل الخارج المعادي للثورات.. ونحن نتحدث في هذه الحالة عن كل عالم الغرب الرسمي وروسيا ونظم التهرؤ العربي.

10. وأخيرا أرى أن الدكتور جمال -الذي أحبه وأثق في صدقه وهمته- قد تجاوز المرجعية الصحيحة في طرح هذه الأفكار على صفحات الإعلام العام.. ما قد يؤدي لبلبلة أفكار البعض ولرمي العثار في طريق الثورة وما قد يؤدي لإرباك الضبط والتوجيه والسيطرة الذي لا تصلح الثورات بدونه، وأرى أنه كان الأولى أن يتوجه بخطابه لمؤسسات الثورة ومؤسسات الإخوان الذين هم -بالتأكيد- يبحثون عن الحكمة ويسترشدون بكل نقد.

آخر القول: لا يفهم من ردي –هذا- على الدكتور تحريم أو تجريم استخدام القوة في عرف الثورات والمواجهات عموما.. ولكني أناقش خطورة العنف في الثورات العربية الحالية تحديدا، وأضع في اعتباري ما يجدر أن تحافظ هذه الثورات عليه من مكتسبات، وأن ألفت أن رأي الدكتور -جمال- ليس مسلَّما به، لا كحقيقة دينية ولا كاستنتاجات قطعية على الأقل إذا كان للثوار أن يختاروا بين العنف المسلح والسلمية الواعية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023