شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هل كان وهما …أم للمعروف جنود لا يعلمها إلا الله؟

هل كان وهما …أم للمعروف جنود لا يعلمها إلا الله؟
اليوم يوم عطلة والساعات ساعات الصباح، قررت أن أصطحب أطفالي لتناول الإفطار في إحدى المطاعم الجميلة التي تقع بالقرب من منزلي، فتحضرنا جميعا وذهبنا مشيا على الأقدام، وقع إختيارنا على واحد من سلسلة مطاعم طويلة، قررنا أنا نجلس

اليوم يوم عطلة والساعات ساعات الصباح، قررت أن أصطحب أطفالي لتناول الإفطار في إحدى المطاعم الجميلة التي تقع بالقرب من منزلي، فتحضرنا جميعا وذهبنا مشيا على الأقدام، وقع إختيارنا على واحد من سلسلة مطاعم طويلة، قررنا أنا نجلس خارجا فالطقس كان جميلا جدا، كان هناك سيدة تجلس على طاولة قريبة شيئا ما من الطاولة التي نجلس عليها، كانت تنظر إلى على إستحياء، أرادت الحديث مرارا وتكرارا لكن شيئا كان يمنعها، نظرت اليها جيدا بعيون محدقة إن كنت أعرفها؟ لم تحدثني ملامحها عن سابق معرفة بيننا، وبالرغم من أنني أحسست برغبتها في الحديث معي لكني قررت تجاهلها، تاركة لها لحظة البدء به إذا ما قررت ذلك، حولت إتجاه نظري عنها إلى شيء سواها، لكنها ظلت تراقبني بعين وعين أخرى تدعي غير ذلك، وبعد ساعة تقريبا، جاء نادل المطعم بقصاصة ورق قدمها إلي بيد وأشار بالأخرى إلى السيدة، فعلمت أنها أرسلتها الي، نظرت فيها وإذا مكتوب عليها ” لو كنت مكانك لما تجاهلتك” ، فنظرت اليها فإذا بها تتجاهلني وكأنها أيقنت أني سأبادر بالحديث اليها، عزمت على ذلك للوهلة الأولى لكني تراجعت عما عزمت عليه، فلو أرادت الحديث لبدأته، فقلبت قصاصة الورق وكتبت لها ” لو كنت مكانك لكنت أجرأ على الحديث منك”، وناديت ذات النادل، وطلبت منه إعادتها الها، وما أن قرأت عبارتي حتى وقفت وجمعت كل ما كان على  طاولتها، حقيبتها، وكوب العصير، وطبق الطعام، ثم إتجهت إلي، فإستقبلتها بإبتسامة تخفي ورائها شيئا من الحذر، ثم ألقت السلام فأجبتها بما هو أفضل من سلامها، فإستأذنتني بالجلوس وأذنت لها.

بدأت حديثها معي بأن عرفتني بنفسها فرحبت بها وعرفتها بنفسي ورحبت هي الأخرى، دار بيننا حديث عن أشياء كثيرة، لكني  بقيت أنتظر سماع شيئا آخر منها، لكني عبثا إنتظرت، فلا هي بدأت ولا أنا سألتها، بقي الحديث بيننا عادي لا يميزه شيء من الأهمية، حتى قررت أن أبادر انا بالسؤال، فسألتها عن سبب رغبتها بالحديث معي، ومراقبتها إياي طوال جلوسها، ففهمت وكأني أستعجل ذهابها عني، فقالت لي ” لقد قدمتي يوما معروفا لشخص لا سابق معرفة بينكما، فقط لأنك لمستي حاجته للمساعدة ، ثم ذهب كل منكما حيث ذهب، وأنا اليوم جئت أرد لك ذلك المعروف”، فإستقبلت حديثها بشيء من الفكاهه، وقلت لها ” لن أسألك عن أي معروف تتحدثين لكني سوف أسأل عن مغزى حديثك، فإلى ماذا يرمي قولك هذا؟ ” فأجابتني “أن مغزى حديثي قد أبلغتك إياه ولم أواريه، وهو أني جئت اليوم أرد لك معروفا نسيتي مكانه وزمانه وصاحبه”، نظرت إليها إن كانت جادة في حديثها أم أن شيئا قد أصاب عقلها، فسألتها بإستنكار “وهل أنتي من قدمت لها المعروف؟ حتى تريده إلي!؟” فنفت ذلك عنها،  فسألتها مرة أخرى” وكيف سوف تردي الي معروفي؟” فأجابت أنني عندما قدمت ذلك المعروف لم أخبر به أحدا، فكيف أطلب منها أن تحدثني عن معروفها الي؟ كان حديثها غامض لا لون له ولا رائحة، فلم أصب منه واقع ولا خيال، فقلت لها “دونك وهذا الحديث، فإن كان لديك غيره فتحدثي، وإن كان هذا كل حديثك إلي، فأعلمي أنه لم يلقى عندي قبول ولا تصديق، فإبحثي عن غيري تروق له مثل هذه الخزعبلات”، فإبتسمت في وجهي، ثم سلمت ومضت إلى أمرها، جلست قليلا بعد ذهابها، ثم نظرت إلى الطاولة وإذا بكوبها العصير وطبق الطعام الذي أكلته  لا زالا موجودان على طاولتي، فأيقنت أنها يجيد النصب بكثير من الطرق، فقد جلست معي على طاولتي ثم غادرت ولم تدفع الثمن، ضحكت بصوت مرتفع كيف أتقنت فعلها بمهارة! لكني تقبلت الأمر بروح طيبه ولم يهمني أمر ما فعلت، فلو حدثتني صراحة في ذلك لدفعت لها ثمن ما طلبت بطيب خاطر  ورضا.
بعد فترة من الوقت قررنا مغادرة المطعم، فطلبت من النادل إحضار الفاتورة عن ما طلبته وأطفالي، ولما طلبته السيدة قبل رحيلها، وما أن ذهب حتى فتحت حقيبتي لأدفع المال، وإذ لا مال معي، فتشت جيدا في حقيبتي حتى أني قلبت كل ما فيها على الطاولة لأفتشها  جيدا، لكني لم أجد محفظة النقود أبدا، فإما أن أكون قد نسيتها في البيت! وإما أن تكون قد سقطت في الطريق! أو أنها سرقت من حقيبتي! فكرت بسرعة في حل مناسب لما أنا فيه الآن، فالنادل على وشك الوصول، فقررت أن أطلب مقابلة مدير المطعم وأخبره بما حدث معي، وأقترح عليه ﻹن يرسل معي أحد الى البيت فهو قريب جدا لأدفع له ثمن الفاتورة، أو أسمع منه حل أفضل من هذا، حضر النادل إلي فهممت أخبره بما أضمرت في صدري، وقبل أن أبدأ بالحديث اليه، أخبرني هو أن ثمن الفاتورة قد دفع مسبقا، فسألته كيف هذا؟ ومن هو الذي دفع المال؟ فأجابني بأن السيدة التي كانت معي هي التي دفعت ثمن ما طلبته هي وما طلبته أنا قبل أن تغادر، فتحت فاهي وأنا لا أعلم إن كان صادقا في حديثه إلي أم كان يمزح!  لكنه أكد لي قوله وأصر عليه، غادرنا المطعم مشيا على الأقدام ، وفي كل خطوة من خطواتي سؤال لا أجد له إجابة، هل صدقت السيدة بما حدثتني به أم كان ما قالته لي خزعبلات وأوهام؟ هل ما حدثتني عنه بأنه معروفها هو ثمن الفاتورة التي دفعتها لي اليوم أم كانت تقصد شيئا آخر؟ وهل كانت تعلم أنه لا مال معي فبادرت بفعل ما فعلت؟ هل ما حدث معي هو محض صدفة أم  ترتيب قدر  لا صدفة فيه؟ وصلت بيتي وقد أوشك رأسي أن ينفجر كثرة التفكير، جلست على المقعد أفكر وأفكر وأفكر، ثم وقعت عيني على شيء ما من بعيد، إنها محفظة نقودي، لقد نسيتها على الطاولة قبل خروجي.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023