لطالما احتل الرقم 100 مكانة مميزة في كثير من المعاملات والأحداث والحسابات، حيث يعتبر دلالة بارزة في سياق عمليات التقييم التي تجرى في الاختبارات والمشاريع وسلّم قياس النجاحات والانجازات العملية، ويشكل نقطة مفصلية في الانتقال من مرحلة زمنية لأخرى.
تشهد الأيام القادمة علينا تزاحمًا كبيرا حول الرقم 100 في صدارة الدلالة على أحداث جارية ومستقبلية، فبَعد بضع أيام سنكون على بُعد 100 يوم عن حلول شهر رمضان المبارك، وأقرب منه سنكون مع 100 يوم منذ حظر الحركة الإسلامية وعشرات المؤسسات الأهلية في الداخل الفلسطيني في السابع عشر من نوفمبر الأخير.
وقريبا منهما قد يدخل الأسير محمد القيق اليوم الــ – 100 لإضرابه عن الطعام احتجاجا على اعتقاله الإداري على يد السلطات الإسرائيلية ويخضع حاليا في مستشفى العفولة نظرا لتدهور حالته الصحية، مع أملنا أن نفرح بخروجه من الأسر الإداري قبل اليوم الـ- 100.
فيما ورد: “ما جاع فقير إلا بتخمة غني. ونقول: ما جاع محمد القيق إلا بتخمة أناس ذلّا وهوانا، نجوع للحرية والكرامة بعد أن شبعت أرواحنا قهرا وظلما، 100 يوم على حظر الحركة الإسلامية وتصنيفها بأنها “خارجة عن قانون نتنياهو” وإغلاق 24 مؤسسة وجمعية أهلية خيرية، ظلما وعدوانا، بتهمٍ زورا وبهتانا، ما أنزل الله بها من سلطان، ليكون حظر الحركة الإسلامية صافرة البداية لمشروع علنيّ تجاه وجودنا في الداخل الفلسطينيّ.
100 يوم على حظر الحركة الإسلامية وما زال البعض يمارس “الإضراب عن الكلام” ويلتزم “حق أو خزي الصمت” يعيش حالة من الإنكار في داخله, بأنه غير معرّض لذلك ويمكن أن يحمي نفسه إما بالصمت أو باسترضاء الجلاد, أو أن يجتهد أن يظهر مظهر “الوسطيّ” و”اللايت” وفهم الواقع، أو أنّ الحظر جاء مطابقا لهوى نفسه وميل نزعتها في رفضها الأزلي للحركة الإسلامية وحتى لكلّ إسلاميّ.
محمد القيق أضرب عن الطعام طلبا للحرية وتضحيته من أجلها لنفسه ولشعبه، إضراب كلّه عزّ وكرامة، وسانده ثلّة رأوا به مشروع تحرر وأيقونة نضال شعب سعيا للحرية وانتزاع حق من أنياب الظلم والبطش والطغيان. وآخرون أضربوا عن الكلام، بما يتعلّق بحظر الحركة الإسلامية وبما يتعلّق بقضية محمد القيق، وأُشغلوا من حيث لا يعلمون (أو أنّهم يدرون) عن نصرة الحق، وصمتوا صمت خذلان لقضية شعبهم ومستقبل مجتمعهم، ودفنوا رؤوسهم بالتراب، وصار مآل شعاراتهم إلى الخرابِ.
الـ – 100 يوم التي تلت حظر الحركة الإسلامية، شهدت الكثير من المواقف التي جاءت تباعا، من اشتراط الميزانيات بالخدمة المدنية وعملية تل أبيب وخطاب الكراهية في ديزنغوف، واقتراح القوانين العنصرية، تحمل نذير شؤم وخطر على داخلنا الفلسطيني، وكثير من هؤلاء المضربين، مصرون على مواصلة إضرابهم عن الكلام، رغم النداءات المتكررة، من أوجاع شعبهم وآلام مجتمعهم، وصرخات محمد القيق.
هؤلاء المضربون، ناشطون وطنيون، هكذا يسمون أنفسهم، نعرفهم جيدا، قرأنا لهم، وسمعنا عنهم، شدّة حرارة هجومهم على مواقف عدة للحركة الإسلامية، ولم يسلم منهم أيّ تيار إسلامي أو خطيب جمعة تكلّم بغير ما يرضيهم أو رأى صورة مغايرة لتلك التي يحبون رسمها. هم أنفسهم تطاولت ألسنتهم وأقلامهم “دفاعا عن حريات” اعتقدوا أنّهم الحارس الأمين لها في مجتمعنا، حتى لو طالت هذه الحريات من معتقدات دينية وأعراف مجتمعية، وفقط حينها يطلّون برؤوسهم من مخادعهم تجاه “الظلاميين والداعشيين والإرهابيين والتكفيريين”.
لكنّهم سرعان ما عادوا إلى مخادعهم وغضوا الطرف حين صودرت حرية محمد القيق، وحين صودر حقه، وحين صودرت صحته وسلامته، كذلك حين صودرت حريات في التنظيم والعمل والتعبير لأكبر جسم سياسي مجتمعيّ في الداخل الفلسطيني وعشرات المؤسسات الأهلية الفاعلة هي الأكبر والأضخم في مجال عملها المجتمعيّ، الإغاثي والخيري، والتعليمي والنقابي، مع أنّك قد تراهم في ناشطون في إحدى هذه المجالات، ولو بحثت في تاريخهم ومسيرتهم، تجد منهم من استفاد من خدمات إحدى هذه المؤسسات التي حظرت، لكنّهم للنعمة جاحدون ولفضلها منكرون.
لا شكّ أن الـ – 100 يوم هذه، أيام صعاب مرت على داخلنا الفلسطيني، وقد يكون القادم أصعب، لكنّها كانت 100 يوم كاشفة، كشفت معادن ذهب صلبة، رهنت أنفسها لحرية وحق شعبها وأمتها ومجتمعها، كما كشفت معادن زائفة، كشفت عورات “وطنية” أشبعت الناس كلاما في أيام خالية، ها هي تضرب عنه في وقت احتجنا له.
سينتصر بإذن الله، محمد القيق وما يمثله على سجانه، سيخرج مرفوع الرأس، وسيعود الحق إلى أصحابه وسيزول الظلم ويندحر الباطل، وحتى ذلك الحين، اشغل نفسك أن تكون مع الحق وأهله.