“يا بني؛ الحياة مثل الدراجة، عليك أن تستمر في الحركة لكي تحافظ على توازنك!”
(من رسالة أينشتين لولده)
***
لا أميل إلى الرأي القائل أن ما يجري في مصر الآن مجرد أفلام، هدفها إلهاء الشعب، بل أرى أن ثمة تصدعات حقيقية في جبهة السيسي، التي سرعان ما انقسمت إلى أجنحة تضرب بعضها تحت الحزام!
وما يدفعني إلى استبعاد هذا الاحتمال، أنه يظهر انقلاب السيسي وكأنه لا يزال مسيطرا على مقاليد الأمور، ويحرك كل شيء، وهذا غير صحيح بالمرة! فكل الشواهد تدل أن السيسي يتخبط، ومنتقديه يزدادون يوما بعد يوم.
والسبب الثاني الذي يدفعني إلى الاعتقاد بوجود صراع حقيقي بين أجنحة الانقلاب، هو هذا التناطح الإعلامي الذي وصل حد الضرب بالجزم، وهو نفس ما أكدته مجلة فورين بوليسي الأميريكية الشهيرة، وهو ما سنتعرض له بالتفصيل قليلا.
***
كانت البداية مع انعقاد برلمان الانقلاب الحالي، والإعلان عن فتح باب الترشح لرئاسته. كان عكاشة يطمع في منصب رئيس البرلمان، أو وكيله أو أن يكون نائبا للجنة كبيرة من لجانه! لكنه فوجئ برفض شديد، وتقديم شخصيات لا يرى أنها خدمت السلطة الحالية بقدر ما فعل!
عانى عكاشة من التهميش داخل البرلمان، ومنع من الكلمة أكثر من مرة، فأعرب عن غضبه باعتصام رمزي في البهو الفرعوني في المجلس، ووضع شريط لاصق على فمه، مكتوب عليه ممنوع من الكلام! لكن المجلس لم يلتفت له، بل وطردوه من قاعة المجلس مرتين في يوم واحد، وأجبروه على الاعتذار!
قرر عكاشة أن ينتقم، ولكن بطريقته! قرر استقبال السفير الصهوني في بيته ودعاه على حفل عشاء! وهي خطوة تنم عن منزلة عكاشة الكبيرة لدى الكيان الصهيوني! ولا ننسى أن عباس كامل في التسريب الشهير له عن ال‘لاميين ذكر “الواد الحسيني” و “البت رولا” وآخرين ولم يذكر عكاشة! مما رجح أنه يتبع مخابرات أجنبية وليس المخابرات العسكرية!
كان عكاشة يدرك أنه بهذه الخطوة يضع عبئا كبيرا على البرلمان ككل، بل وعلى السيسي نفسه، الذي أمر نتنياهو وزراءه بعدم الحديث عن العلاقة الحميمة معه، خوفا عليه من النقد وتدهور شعبيته.
كان القرار الذي اتخذ لمواجهة هذه الخطوة هو ضرب عكاشة بالجزمة داخل البرلمان، في محاولة للتبرؤ منه ومن استقباله للسفير الصهيوني، مع استباق ذلك بتسريب صور له ولعائلته في زيارة لإسرائيل عام 2010!
لكن عكاشة كما توقعنا لم يسكت، وقرر أنه إذا سقط لن يسقط وحده، وتوقعنا أن يفتح ملفاتهم واحدا واحدا، وهو ما بدأ يتحقق فعلا بحلقة طويلة في قناته ـأمس هاجم فيها مصطفى بكري وحساسين وخالد صلاح وبالطبع كمال أحمد الذي ضربه بالجزمة! ولم ينس عكاشة أن يذكر أنه من طلب من نتنياهو (!!) التوسط لدى أوباما للاعتراف بـ 30 يونيو (الانقلاب).
***
خطوة عكاشة ليست فردية، وهي غالبا تمهيد لمزيد من التطبيع عن إسرائيل، بعد ربطه بين اللقاء مع السفير الصهيوني وموضع سد النهضة قائلا: أنه لا حل لهذه المشكلة دون دعم إسرائيل.
الحلم الإسرائيلي كان ولا يزال الوصول لمياه النيل، عبر اتفاق على إيصال مصر المياه إلى إسرائيل مقابل الحصول على حصة من المياه بعد تضررها المباشر من بناء السد الإثيوبي. خطوة عكاشة تمهيد صريح لهذه الخطوة فيما يبدو، تضاف لتصريح عزمي مجاهد، ومفاوضات الزمالك مع النادي الإسرائيلي!
لكن على كل الأحوال؛ ما يجري هو في صالح الثورة! فهذا التصدع في جبهة الانقلاب تستفيد منه الثورة في جميع الاحتمالات، وهو يظهر مدى الشعبية المنخفضة التي يتمتع بها الانقلاب ورموزه. ويظهر مدى هزلية القضايا التي تلفق للإخوان والرئيس مرسي بالتخابر، ولم يوجه ربعها لعكاشة “مفجر ثورة 30 يونيو”. وصدق المثل القائل: ماشفوهمش وهم بيرتبوا لانقلاب، شافوهم وهم بيتخابروا علنا مع إسرائيل!
أصبح الناس ينتقدون السيسي علنا في الشوارع ووسائل المواصلات، وبدأت رقعة الاحتجاج في الاتساع لدرجة تشمل قطاعات كانت من أشد مؤيدي السسيسي سابقا،أو قطاعات فئوية لا يمكن وصفها بالكامل أنها إخوان! (الأطباء – الدرب الأحمر- أهالي قرية المعدية البحرية في بلطيم). وهذه الاحتجاجات في صالح الثورة مهما كانت الأهداف التي ترفعها صغيرة أو جزئية أو ثانوية أو مؤقتة!
فكما قال أينشتين لولده ليعلمه الدرس المذكور في بداية المقال عن الحياة، فإن السيسي لكي يستمر عليه أن يضمن حدا أدنى من الاستقرار الاقتصادي المتمثل بصورة رئيسية في ثبات الأسعار، وهذا مستحيل تقريبا في بلد تستورد كل شيء تقريبا بالدولار، وتعاني انخفاضا شديدا في عائدات السياحة وقناة السويس وعائدات المصريين في الخارج!
والخليج بدأ يعاني وليس على استعداد للإنفاق على السيسي ببذخ كما كان يفعل سابقا، وليس أمام السيسي إلا التوجه إلى الشعب الفقير للضغط عليه اقتصاديا، ومهد الطريق لذلك بدعوته للتبرع لمصر بجنيه، وتمنيه أن لو كان يستطيع أن يبيع نفسه! ولسان حاله يقول إذا كان الرئيس سيبيع نفسه، فماذا عنك أنت يا صعلوك!!
ولا شك أن القرارات التي يوشك السيسي على اتخاذها ستزيد من اتساع رقعة الاحتجاجات، لتشمل قطاعات شعبية أكبر، يكون معه استخدام القوة باهظ الكلفة سياسيا، ويجعل تحافظ السيسي على توازنه صعبا، ويجعل استمراره على هذا الحال غير مأمون العواقب.