قاسية على النفس هذه الكلمات ..!
ولا أدري كيف يشعر أولئك الذين يريدون منا ولنا أن “نصمت” عن هذا الموقف “المُلغز المُحير” الذي لم يكن يحسب جيلي كُله أو يقف تجاهه أو حياله، ولكن الحقيقة أننا صرنا نحيا معه بل فيه.
صبيحة 28 من يونيو 2013م، بين مجموعة من الاصدقاء أتوجه إلى ميدان “رابعة العدوية” حيث أقمتُ في خيمة لساعات بعيداً عن “المنصة” غالباً أرقب حرارة “الإيمان” في نفوس الأصدقاء، وأحمد الله أني أفتقدهم إذ توزعوا في البلاد غير أن أحداً منهم لم يتوفه الله فيما عدا نجل “أحدهم” مات في “حادث” غريب على التفكير فيما بعد، وصديق مقرب من بلدتي توفاه الله شهيداً في أحداث 14 من أغسطس التالية، اللهم أرحم العزيز إلى القلب الراحل “سيد محمود” فقد كان محباً للخير ويحبك وألطف بأهله أيا كريم.
هناك سآءلتُ نفسي بغير رفق:
ـ يونيو جديد يهل على مصر، ويأبى هذا الشهر، وليس الذنب عليه، ألا يُفارق مصر دون بصمة مميزة فمن يونيو/حزيران 1967 حتى 2013م ..46 سنة عجفاء قاسية، ومصر محلك سر من أزمة إلى أزمات، والخُطا على الطريق تتوه.
اتصلت حينها بصديقين رفضا الحضور، الأول “شاعر” اعتزل المسيرة وخط السير منذ أحداث ديسمبر/كانون أول 2012 المعروفة أمام قصر الاتحادية، بعد ما رأى من المشاهد ما أدماه، والآخر رئيس قسم بإحدى الصحف الناطقة باسم حزب كان في الحكم آنذاك ..كلاهما قال كلمات مريرة:
ـ الجولة انتهت.. الجيش لن يتراجع .. الخسارة فادحة .. على الإخوان التحلي بالحكمة .. سيجرون مصر إلى مأسآة لا يعرف إلا الله مداها!
“1”
سألتُ نفسي:
ـ او نفعل الصواب بالنزول الآن؟ ولماذا بميدان “رابعة”؟
وهل إذا حدث هجوم على “القصر” نستطيع الذهاب مسرعين .. أم أن الأمر سيُقضى في دقائق؟
ولاحقاً قال أحد مشايخ السلفيين الكبار إن لم يكن كبيرهم على الإطلاق على منصة “رابعة”:
ـ فض رابعة “طوعاً” يساوي أن “يؤتى” بهؤلاء الشباب من “بيوتهم” يا “أحمق”!
وكان يوجه حديثه للشيخ الأشهر “السلفي” الذي “شرب” الجمع لسنوات “مقلباً” ضخماً فيه ..
أي إن البقاء في “البيوت” لن يفيد .. إذاً يفيد الخروج. بمقاييس أيام ذاك!
لكن لماذا “رابعة” مع تقدير الوجداني والشعوري الهائل لجميع الذين كانوا في الميدان وتوفاهم الله أو أصيبوا أو أعتقلوا .. وإجلالي العقلي لهم . .لكن طالما تمنيتُ أن يجيب أحد عن أسئلة قليلة منها:
ـ من صاحب القرار بتوجه “الإخوان” والذين انحازوا إليهم إلى ميدان “رابعة”؟
بل من المسئول عن “النزول” من الأساس اعتراضاً على “الجيش”؟
وقبل أن تنطلق “التصورات” لدى كثيرين فإن صاحب هذه الكلمات ليس ضد “النزول” و”الاعتراض” على الباطل لكنه ضد معادلة الغباء في مقابل الخيانة!
“2”
ترغب في خدمة أمتك العربية والإسلامية، والإسلامية والعربية، فتفاجأ بأنك كالسائر على “السلك” تتخطفك من ناحية الخيانة التي تتأباها وترفضها منذ نعومة أظفارك، ولأجلها تقبل “خسارة” من الدنيا بل لا تعدها “خسارة”، وإن فقدت عملك، وجاء “الإخوان” إلى سدة الحكم فرفضوا انصافك إلا بعد فوات الأوان، وتلك حقائق بالغة المرارة، وتتحمل “غصة” حلقك لإنك تعرف إنهم أشرف الذين “هم” في مصر .. ولكن هل الشرف حينما يغلب على الناس وحده يكفي؟ وهل الثعالب الصغيرة لا تفسد مزارع العنب؟ برأي المثل غير العربي.
وأنت تحرص يا صاح.. على أن يكون اللون الأخضر هو الأعم الأغالب على حياتك، وأنت تحرص ألا تنساق إلى الظالمين فيمسك عذاب الله ثم لا تجد لك من ناصر، اعلم أنك لا تحارب النيران التي تلتهم الاخضر فتساوي الخيانة، فإن الأخيرة تساوي سرقة الجهد في بئر بلا قرار ..لكن البئر الحقيقي الذي تعرف أو لا تعرف .. لإنه لا قرار له بئر “الغباء” فحذار!
“3”
هل تعرف مقدار الشعور بالألم .. لإنك لولا الله تعالى وحسن توجهك إليه، فإنك أخطأت الطريق، وتوجهت إلى الذين نجوا، إجمالاً، برأيك من الخيانة فتسرب الداء المميت لدى بعضهم، وغلب على الباقين الغباء.
وفي قرار الترشح للرئاسة، بكل وضوح، فيما “الإخوان” ليسوا أهلاً لها، وقد نفوا الأمر عن أنفسهم قبل شهور، كانوا غير أذكياء إذ يطرقون باباً ليسوا أهلاً لفتحه ..
وتلك بداية المآسي لو يعلمون.
لا يكفي أن تكون غير خائن، في الأعم الأغلب، لكي تكون أهلاً للحياة، بل ينبغي أن تكون عاقلاً لكي تستطيع الاستمرار فيها، فإن الله جعلك “خليفة” له فيها، لا لكي ترضى بالموت والهوان واستمرار الهزيمة فيما انت باقٍ على حالك لا تأخذ بسبب ولا تتغير .. فيما العالم كله مضار من “الظلمة” وأنت مُعبأ بالثأر من بعض “قومك” وهو ما لم تحققه من قبل على مدار أكثر من 80 سنة، خلاصة تاريخك.
لما يكون “أهل السنة”، أهل الحق في الأرض، وأنت جزء منهم، يُبادون في العراق، وفي اليمن، وفي سوريا، ومن قبل وحتى اليوم في فلسطين، وفي ليبيا، وتكون الأمة كلها تتزلزل و”الإخوان” لم يشبعوا بعد من الانشقاقات، ولا يحاولون تنقية صفهم من المجرمين اللصوص مرتكبيّ الموبقات، واحدهم يبلغ عن نصف الصف فيستقبله النصف الثاني بالترحاب نكاية في الأول وإن أبلغ عن جزء من الأخيرين، بل لما يكون تم “استقباله” دون توثيق من الأساس، ويدعي الطرف الثاني إعمال التوثيق، ويأخذه ببلاياه وعلّله، وهو ليس مقصوداً في ذاته بل بلايا ودرجات غباء أناس كانوا في الحكم فعجزوا عن أن يكونوا أهلاً له، ومات منهم آلاف وأصيب آخرون، وعدد بالغ منهم بالسجون، والباقون الآن يتنازعون ويبقون الخونة مرتكبي الموبقات بالقلب منهم، وهذا غيض من فيض فإنما هذا الصف يستبدل من آسف، بعد رضي الدنايا والبلايا وصمت عنها، وأكثر ما يستطيعه انتخابات تخرج الذين يسمون ظلماً قادة، والبعض منهم لا يعرف كيفية قيادة أهل بيته فيريد أن يقود أمة..!
وللحديث بقية ما دام في العمر بقية.