معاناة سجن ” الأبعدية” في رمضان نهاية عام 1997
كنت ملتحقًا بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع دمنهور وقبل شهر من انتهاء مدة الحبس في القضية العسكرية رقم(8) لسنة 1995 كان امتحان نصف العام في آخر ديسمبر 1997 لم توافق الكلية على امتحاني بسجن مزرعة طرة بالقاهرة وطلبت أن انتقل إلي سجن الأبعدية التابع لمركز دمنهور .
وجاء يوم ترحيلي إلي سجن دمنهور (الأبعدية) قبل موعد الامتحان بيومين وكن ذلك يوم الخميس صعدت إلى سيارة الترحيلات وجدت عدد كبير من شباب الجماعة الإسلامية بعضهم في العقد الثاني والثالث من العمر، استقبلني الشباب بالاحترام والترحيب بعد أن تعرفوا عليّ، وكانوا مرحلين إلى ذات السجن وسألونى عن سبب ترحيلي لهذا السجن وبعد أن عرفوا السبب عاتبوني بشدة قائلين ملعون الامتحان الذي يجعلك تقبل الذهاب إلى هذا السجن، إنه سجن تعذيب يستقبل الداخل بالضرب والشتائم وهو معصوب العين فضلًا عن التعذيب داخل الزنازين والزحام وحالات الإهانة المتعمدة لنزلائه من السياسيين،
قلت لهم والندم يصارعني ليس هذا وقت التلاوم فقد أصبحت أواجه أمرا واقعاً.
اقتربنا من السجن وقت أذان المغرب فوجئت بأن الشباب كل منهم يخلع فانلته الداخلية ويعصب عينيه بها ثم اخذوا يترجونني أن اعصب أنا أيضا عيناي, قائلين إحنا خائفين عليك يا دكتور ليس هناك أحد له احترام في بلدنا فما بالك في السجون، شكرت لهم تعاطفهم وإشفاقهم علي ولكني قررت ألا افعل ذلك وإلا وضعت نفسي في وضع لا أقبله وسوف يسوقني نزولي معهم معصوب العينين لما هو أسوأ فقلت لنفسي، يا كسبانة يا خسرانة وعلي أن أفكر في حيلة لعلي أنجو من هذة التشريفة (علقة الاستقبال) وما بعدها ودعوت الله أن يلهمني ما ينجينى، نزلوا قبلي ورأيت المخبرين يأمرونهم بالجلوس علي ركبهم ويرفعوا أيديهم إلى أعلى بما معهم من عهد أو فلوس ومروا عليهم يضربونهم البعض بالعصا وآخرين على قفاهم.
نزلت من السيارة وتوجهت بعيدًا ومعي شنطتي ومرتبتي وناديت بصوت عالي ياحضرة المخبر تعالى هنا، فاندهش كبير المخبرين وقدم إلي قائلا سيادتك مين بقي، فقلت : أنا الدكتور إبراهيم الزعفراني أمين عام نقابة أطباء إسكندرية وجئت لأداء امتحان كلية الشريعة الإسلامية بتوصية من مباحث أمن الدولة) وأنا اعني أن جهاز امن الدول هو من وافق على أن أنتقل إلى هذا السجن لأداء الإمتحان) أين السيد ضابط أمن الدولة لأنه عارف أني سأحضر اليوم، قال كبير المخبرين باين عليك انك حكاية إستنى استدعي لك الضابط، وحضر ضابط برتبه ملازم أول بعد أن ترك طعام الإفطار حضر في زيه الرسمي قلت له حضرتك ضابط أمن الدولة هل وصلتك التوصية علىّ من إدارتك، وأنا متأكد أنه ليس ضابط أمن الدولة لأن ضباط أمن الدولة يرتدون الملابس المدنية أثناء أداء عملهم و أعرف أيضا مدى سيطرة وسطوة ضابط أمن الدولة على ضابط السجن وأن إشعار ضابط السجن بأي علاقة معهم سوف يحسب لها ضابط السجن ألف حساب.
ورد الضابط قائلَا لا لست أنا ضابط أمن الدولة فكررت عليه الكلمات التي قلتها للمخبر فما كان من الضابط إلا أن قال انتظرني سأحضر لك ضابط عظيم السجن، وحضر لي عقيد وهو في زيه الرسمي أيضا فقلت نفس السؤال حضرتك ضابط أمن الدولة الحمد لله، فقال لا انت إيه موضوعك فكررت له ما قلته للمخبر والضابط وأضفت عليها أنني محتاج لحجرة منفردة وبها إضاءة وتهوية جيدة حتى أتمكن من المذاكرة. قال يا سيد ضابط أمن الدولة أنصرف قبل المغرب ليفطر فى بيته، وهو لم يترك أي إخبارية بموضوعك، تشجعت وقلت أتصل سياتك به تلفونيا وأسئله أن لم تكن تصدقنى (وأنا على يقين أنه لن يجرؤ على أن يقلق راحة ضابط أمن الدولة بالإتصال به)
فوقع في حيرة وقال كل زنازين السجن مزدحمة 20 أو 25 فى كل زنزانة، مفيش عندى انفرادي إلا زنازين التأديب قلت له خلاص أروح التأديب, قال الحمد لله ريحتنا وأمر الضابط المخبرين أن يذهبوا بي إلى زنزانة في التأديب للسكن وليس لعقوبة، وقال لي خد حاجتك معاك وموعدنا يوم السبت حين يأتى ضابط أمن الدولة ويتضح موضوعك على حقيقته، ونسأله ان قال دخلوله سرير دهب هندخلك سرير دهب وان قال انزعوا عنه ملابسة هنقلعك وهنخليك بلبوص، تركته وذهبت إلى زنزانة انفرادي وكانت نظيفة لأن السجن حديث البناء رغم أنها ليس بها دورة مياه و ليس بها إضاءة مباشرة، الإضاءة في الخارج فكان علىّ أن اذاكر علي انعكاس الضوء علي حائط الزنزانة، ولكنى قلت الحمد لله عدت ونفدنا من العلقة بفضل الله في رمضان ويوم السبت يحلها ربنا ويتفضل عليّ كما تفضل عليّ وسلمني هذه الليلة ويوم السبت يفرجها ربنا.
“مذكرات الزعفراني”