عصر البرمجة لم يُستحدث، ولكننا نحن الذين استُحدثوا، تم استئجار عقولنا، أجسادنا، مهاراتُنا، تفكيرنا، مُبادراتنا، تم استغلالنا، ومسحنا، ومن ثم تطويرنا، بالكذب …!
“نحن الفئة المُختارة، نحن الذين سنُحرر فلسطين، هُم نهجهم إسلامي مُقاوم ونحن منهجنا تفاوضي” … لهم طريقهم ولنا طريقنا، كُلٌّ في نهجه، وكلٌّ في مُعتقده، وكُلٌّ في سبيله، ولم تكن البُوصلة نحو الذريعة التي تأسسوا بتذرّعهم لأجلها، ماتوا عندما غُيَّب عنهم ما أُخذ عن ناظرهم، ماتوا عندما مات الوطن.
في مُجتمعنا المُجادِل المُسيّس المُنقسم، باتت السياسة هي النظام الذي يحكم توجهاتنا وفق أجندة تنظيمية بحتة، عقلونا هي المُحرك الناضج، هي شاشة الأوامر البرمجية والنواة التي تنبثق منها أفعالنا التي تتوافق مع الهوى التنظيمي لكل توجه سياسي، لم نعد كيان قائم بالذات، لا أحد منا يمتلك فكره المُستقل، جميعنا ضحايا للفيروسات السياسية، لأننا لم نعد بشر.
لم نعد الإنسان الذي يقوم لأجل ذاته، بل لوطنه، لمشاعر التي فُطر عليها، لم نعد نمتلك القدرة على الحُلم، تم استدراجُنا لنزوة الحُرية، استُحوذ على عقولنا، تمت إعادة تهيئتنا، غُسلت ادمغتنا، واستُبدلت اهوائنا وأحلامنا بلوحة برمجية تنظيمية كانت أولى الأوامر فيها أن نتعصّب، أن نُقاتل كُل من يرفض الفكرة التي سيتم زرعها في ادمغتنا الخاوية من كُل شيء سوى السياسة.
نحن لسنا سوى برامج يتم برمجتُنا بما يتوافق مع الأهواء التنظيمية والسياسية التي تحكم طريقنا، غذاؤنا أوامر برمجية، وإنجازاتنا تنفيذها فقط، أنت تقرأ، لكنك لا ترى سوى ما يُريد عقلك المُبرمج، لا تفهم سوى ما لقّنك إياه تنظيمك السياسي، لا تفطن سوى أنك الحق، لا تفطن سوى أن كُل من يُناقض فكرة تنظيمك هو العدو، البُوصلة التي تعمل لأجلها هي الوطن، لكن الوطن لا يحتاج إلى برنامج يا صديقي.
نعم أنت برنامج، وأنا برنامج، حتى المُبرمج برنامج، جميعنا آلة تنفيذ للهوى التنظيمي، نحن برامج خبيثة نحن فايروسات تعرقل تحرير الوطن عندما ننُفذ فقط.