ترجمة: صفاء مسعود
في السابع من شهر تموز يوليو جرت أول انتخابات برلمانية تشهدها ليبيا منذ وصول القذافي إلى السلطة في سبتمبر 1969 والثانية منذ تأسيس الدولة الليبية في عام 1951.
الانتخابات شارك فيها حوالي 2.8 مليون ناخب وذلك لاختيار 200 مرشح لعضوية المؤتمر الوطني العام.
بموجب قانون الانتخاب الذي وضع من قبل المجلس الوطني الانتقالي تحت رقم 14/2012 تم الآتي:
قسمت ليبيا إلى ثلاثة عشر دائرة انتخابية رئيسية إضافة إلى دوائر فرعية.
يتنافس على مقاعد المؤتمر الوطني العام حوالي 4500 بينهم 2501 من المستقلين و1206 مرشح عن الكتل السياسية و539 امرأة.
اختارت لجنة شؤون الأحزاب قبول 30 تنظيما حزبيا دفعة واحدة.
الخارطة الحزبية عشية الانتخابات
عشية الانتخابات تشكلت في ليبيا خارطة حزبية حفلت بتموضع مركز ومكثف لعدد كبير من الأحزاب والكتل السياسية هذه الأحزاب انحصرت في ثلاث تكتلات رئيسية وفق لمقارباتها الإيديولوجية والسياسية والنخبوية:
وأهم هذه التكتلات:
حزب العدالة والبناء الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين.
تحالف القوى الوطنية الذي يقوده محمود جبريل والذي يضم في صفوفه 44 حزبا سياسيا و236 منظمة من منظمات المجتمع المدني .
هذا التحالف يصنف ويشخص ككتلة ليبرالية.
حزب الوسط الذي يتزعمه وزير المالية والنفط السابق علي الترهوني.
كما يتموضع على الخارطة الليبية كل من:
حزب الوطن ويقوده عبد الحكيم بلحاج الذي قادة حملة السيطرة على طرابلس.
الجبهة الوطنية بزعامة إبراهيم صهد.
معروف أن الجبهة الوطنية انطلقت من خلفية تنظيمية وسياسية كانت تعرف باسم الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي تأسست عام 1981 في الخرطوم، وبيانها التأسيسي وزعته في عدة دول عربية وأجنبية بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا والسويد، وقد خاضت هذه الجبهة معارك ضد نظام القذافي مثل معركة باب العزيزية عام 1985.
ومن بين القيادات الرئيسية إبراهيم صهد ومحمد المقريف ومصباح الطيار وعاشور بن خيال وعلي الترهوني ومحمود شمام.
هذان الأخيران شغلا مناصب في المجلس الوطني الانتقالي بعد قيام ثورة 17 فبراير..
الانتخابات الليبية والمصاعب التي اعترضت طريقها
لم تنطلق الانتخابات التشريعية في ليبيا في السابع من شهر تموز فوق مياه هادئة وإنما واجهت العملية جملة من العوامل والمعوقات يمكن أن نلخصها كالتالي:
تشرذم الساحة السياسية وظهور أكثر من 100 حزب دفعة أولى في ساحة ظل النشاط الحزبي فيها محظورا على مدى أكثر من أربعة عقود، هناك من اعتبر هذا التعدد الحزبي ظاهرة صحية وآخرين اعتبره ظاهرة سلبية ستؤدي إلى تصاعد النزاعات المحتدمة في ليبيا إما على أساس مناطقي وجهوي أو اثني أو ديني أو علماني.
جرت الانتخابات في أجواء ساخنة أسهمت في تسخينها عدة أسباب:
توزيع مقاعد المؤتمر الوطني العام بين المناطق المختلفة وهذا التوزيع اعتبره سكان بنغازي والشرق مجحفا لأنه يعطي الأفضلية لطرابلس أي الغرب، بينما يخلق حالة من اللامساواة أو التوازن بل والتمييز وهو ما ظل حاكما وناظما لمنظومة التعامل مع الشرق وعلى الأخص في ظل نظام القذافي.
هذا التوتر تفاقم وتحول إلى احتجاجات واقتحام المراكز الانتخابية وإحراق محتوياتها في بنغازي وإجدابيا ومهاجمة المسؤولين عن الحملة الانتخابية.
وقوع حوادث مختلفة خلال العملية الانتخابية منها:
* إغلاق 101 مركز انتخابي دون أن يفتح ويستقبل جمهور المقترعين للإدلاء بأصواتهم ثم إطلاق النار على مروحية كانت تنقل أوراق التصويت وكذلك منع لجان انتخابية بالقوة من أداء مهامها هذا إضافة إلى إغلاق موانئ شحن النفط في السدرة وراس لانوف ومقاطعة الانتخابات في الكفرة.
* الحديث عبر تقارير عديدة عن جهود مكشوفة وغير مكشوفة من جانب أنصار القذافي لعرقلة الحملة الانتخابية بشتى الوسائل من بين هذه الوسائل هجمات وعمليات اغتيال وتهديد للمقترعين.
وفقا لإحدى المصادر الإعلامية عادل عبد الصبور فإن أنصار القذافي نشطوا من طرابلس حتى بلدة مساعدة على الحدود المصرية.
البعد الخارجي للانتخابات
يبدو من خلال متابعة المسار الانتخابي في ليبيا قبل انطلاقه في 7 تموز وأثنائه أن هناك قوى خارجية كان لها حضور في الساحة الليبية لدعم اتجاهات سياسية معينة، هذا الحضور كما يؤكد الباحث علاء سالم انقسم إلى مشهدين:
المشهد الأول: حضور غير مباشر لقوى دولية أوروبية وأمريكية يصب في دعم القوى الليبرالية ممثلة في شخوص تخوض الانتخابات تحت لافتة تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل وكذلك حزب الوسط بزعامة علي الترهوني المعروف في الأوساط الغربية وطائفة أخرى من الشخصيات التي عاشت في الغرب في عهد القذافي ونظمت حركات معارضة للقذافي في الخارج.
الدعم في هذا المشهد اتخذ أشكالا مختلفة دعم إعلامي وسياسي وتدخل لصالح هذا التيار في طرابلس.
هذا إضافة إلى الدعم التنظيمي في مجال إدارة الحملة الانتخابية وأنماط التأثير على الناخب وصياغة البرنامج السياسي القادر على استقطاب من يحق لهم التصويت.
المشهد الثاني: حضور مباشر لقوى إقليمية تتولى إنجاز أجندة الغرب مثلما شاركت في العمل العسكري لإسقاط نظام القذافي. هذا الحضور تجسد في الدور القطري والسعودي والإماراتي المالي والإعلامي والاستخباراتي.
تشير تقارير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على ضوء متابعة الدكتور علي كامل حسين إلى وجود استخباراتي مكثف كان ينشط خلف الكواليس من وراء الستار لدعم هذه التيار أو ذاك.
هذا الوجود ينتشر في طرابلس وبنغازي باعتبارهما أهم المراكز المؤثرة في ليبيا ويتستر وراء واجهات مختلفة مثل شركات تجارية شركات نفط بالإضافة إلى بعثات دبلوماسية وتنظيمات دولية مختلفة.
وقد أزاحت هذه التقارير الستار عن دعم قطري وسعودي لحزب الوطن الذي يقوده عبد الحكيم بلحاج دعما سخيا ماليا وإعلاميا وسياسيا، وهذا ما كان باعثا على التحذير من خطورة الدور القطري في العملية الانتخابية وما يمكن أن تترتب عليه من تقسيم لليبيا.
دول الجوار والانتخابات الليبية
يلاحظ أن دول الجوار وتعني مصر والسودان والجزائر لم يكن لها أي حضور أو دور في الانتخابات الليبية، وقد أضاف الباحث في الشؤون المغاربية الدكتور طارق الأحمد كبد الحقيقة في تشخيصه لهذا الدور عندما وصفه بدور المتفرج والواقف على الحياد ويبادر إلى التأكيد بأنه لا أحد يطالب هذا الدول أن يتدخل على غرار ما تفعله قوى أخرى قطر وتشاد والدول الغربية لكن مثل هذا الدور تستدعيه ضرورات أمنية وسياسية واقتصادية.
وهذه الضرورات هامة وجوهرية بالنسبة للسودان وبالنسبة لمصر وبالنسبة للجزائر.
ويرى الباحث القومي الدكتور محمود سلمان أن أية نتائج قد تسفر عنها الانتخابات لصالح التيارات المتشددة التيار الليبرالي الموالي للغرب أو التيار السلفي المتشدد سيفضي إلى أزمة إقليمية أمنية وسياسية وسيسهم في تعكير صفو العلاقات بين ليبيا والدول العربية المجاورة.
النتائج الأولية للانتخابات
حتى الآن لم تعلن النتائج النهائية للانتخابات ولا حتى بشكل غير رسمي.
القائمون على الانتخابات أعلنوا أن هناك حاجة لبضعة أيام ليتسنى الإعلان عن النتائج النهائية حتى تصل صناديق الاقتراع من كافة المناطق إلى طرابلس ثم يجري فرزها على مستوى ليبيا.
التقارير التي تعاطت مع النتائج في يوم الأحد والاثنين 8 و9 يونيو وتموز تباينت في تقديراتها بشأن الأحزاب المتقدمة في هذه النتائج.
بعض التقارير تحدث عن تقدم كبير للتيار الليبرالي أي تحالف القوى الوطنية أو ما يسمى بالجبهة الليبرالية.
لكن تقارير أخرى تم تداولها أشارت إلى فوز حزب العدالة والبناء وهو الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين.
بيد أن تقارير أخرى صادرة عن وسائل إعلامية مرتبطة بقطر حاولت الإيحاء بأن حزب الوطن الذي يقوده عبد الحكيم بلحاج يتقدم هو الآخر في النتائج الأولية.
يتبدى على ضوء هذه التقارير المتباينة أنها انتقائية لأنها تصدر عن جهات إما أن تكون مشاركة في هذه العملية الانتخابية أو جهات داعمة هذا الاتجاه أو ذاك.
على صعيد الحملة الانتخابية والمكونات السياسية المشاركة أو الفاعلة ضمن المنظومة السياسية الليبية الجديدة يمكن ملاحظة غياب التيار القومي العروبي وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التيار وتهميشه.
ماذا بعد الانتخابات؟
حال الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية وتشكيل المؤتمر الوطني العام ستعقبها مجموعة من الإجراءات:
تعيين رئيس الحكومة وتسمية الوزراء في هذه الحكومة التي ستكون انتقالية.
اختيار لجنة تأسيسية من خارج المؤتمر لصياغة دستور جديد لليبيا وتسمى هذه اللجنة باللجنة التأسيسية لصياغة الدستور تتكون من 60 عضوا وتصدر القرارات عن اللجنة بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد، المدة المحددة لصياغة الدستور لا تتجاوز 120 يوما ثم يطرح الاستفتاء عليه بالقبول أو الرفض.
بعد ذلك يصدر المؤتمر الوطني العام قانون الانتخابات وفقا للدستور خلال 30 يوما ثم تجري الانتخابات العامة خلال 180 يوما من صدور القوانين الخاصة بذلك.
وبذلك تستكمل عملية بناء المؤسسات أو دولة المؤسسات في ليبيا هذا إن لم تحدث تطورات مفاجئة ودراماتيكية تعيق الجهود المتبعة لبناء دولة ديمقراطية دولة مؤسسات.