نجح «تنظيم الدولة» في يونيو الماضي في مهاجمة هدفين رمزيين للغاية بالقرب من طهران، هما البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني؛ وبهذا الهجوم أضاف التنظيم هدفًا هامًا إلى قائمته.
وفي عام 2014، كان الإيرانيون في حالة من الذعر مع اكتساب تنظيم الدولة أرضًا في العراق وإعلان زعيمها الخلافة. وعانت إيران من الإرهاب منذ أربعينيات القرن الماضي، لكن تنظيم الدولة جاء بأسلوب جديد؛ حيث كان يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي القريبة إلى الحدود الإيرانية التي يسهل اختراقها مع العراق، وكانت لديه موارد هائلة تحت تصرفه، ونشر عددًا كبيرًا من الأفراد؛ بما في ذلك المقاتلون الأجانب. ومما زاد الأمور سوءًا، أنّ التنظيم كان معاديًا للشيعة بشدة، وأظهر وحشية نادرًا ما شوهدت في العصر الحديث.
في بداية الأمر، قللت طهران من مخاوفها؛ لكن سرعان ما أصبح واضحًا أنّ تنظيم الدولة أصبح يشكّل تهديدًا أكبر، وأنّ إيران بحاجة إلى معالجة القضية بدلًا من تجاهلها. وتحقيقًا لهذه الغاية، نشرت قوة مكافحة الإرهاب التي تتمتع بسنواتٍ من الخبرة. ومع زيادة البلاد ميزانية الدفاع لتخصيص مزيد من الموارد لمكافحة الإرهاب، من المرجح أن يصبح هذا الجهاز أكثر قوة.
بدأت تجربة إيران الحديثة مع الجماعات «الإرهابية» في الأربعينيات من القرن الماضي، في الأشهر التي شهدت انتقال السلطة بين «رضا شاه» وابنه وخليفته «محمد رضا شاه»، وكانت الدولة في حالة اضطراب. وفي العقود التي أعقبت ذلك، حتى انهيار نظامه عام 1979، كان الشاه في الغالب متخوفًا من الجماعات والماركسية اللينينية والماركسية الماوية.
وكان الجيش الإيراني، إلى جانب أول جهازٍ استخباراتي بالبلاد، يعرف باسم سافاك، مسؤولًا عن مواجهة هذه الجماعات. ومع جهاز الشرطة، أجرى الجيش و«سافاك» مراقبة شديدة، وحددوا الشبكات الإرهابية، واعتقلوا أعضاءها، وجمعوا المعلومات الاستخباراتية لمنع الهجمات وتحييدها وردعها.
وبحلول أوائل السبعينيات، أنشأ «سافاك» وأجهزة إنفاذ القانون فرقة عمل مشتركة لتنسيق هذه الجهود. كما تعاون الجهاز مع القوات المسلحة الإيرانية وشركاء دوليين؛ بما في ذلك مجتمع الاستخبارات الأميركي والموساد الإسرائيلي، عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية والقيام بهجمات استخبارات مضادة. ومن أجل التصدي للإرهاب في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، وسّعت إيران قدراتها؛ بناءً على الأسس التي ورثتها من زمن الشاه.
حقق «السافاك» والقوات المسلحة الإيرانية وأجهزة إنفاذ القانون نجاحات، بما في ذلك اعتقال أفراد وقادة «إرهابيين». وفي أوائل الخمسينيات، انتُقدت إيران لاستعمالها التعذيب لجمع المعلومات الاستخبارية. وعلى الرغم من أنّه كانت هناك -ولا تزال- أساطير بشأن نفوذ السافاك وتكتيكاته، كان هناك جزء من الحقيقة وراء الشائعات.
ولم يكن من المستغرب دعوة الثوريين إلى تفكيك السافاك عامي 1978 و1979. لكن، مع الاستيلاء على السلطة، أدرك القادة الجدد أنّهم بحاجة إلى وحدة استخباراتية قادرة على تكملة الجيش والقوات الشبه العسكرية «الحرس الثوري» في جهودهم الرامية إلى مواجهة العراق في عهد «صدام حسين» والجماعات «الإرهابية» على حدٍ سواء. وبينما هاجم العراق إيران عام 1980، واصلت الجماعات «الإرهابية»، بما في ذلك بقية اليساريين وجماعات انفصالية، هجماتها ضد إيران.
تحوّل تهديد «الإرهاب» قليلًا في العقدين التاليين، واندمجت قوى إسلامية في النظام، في حين تركت الجماعات اليسارية بالبلاد إلى حدٍ كبير وأوقفت هجماتها؛ باستثناء مجاهدي «خلق». والآن، تعد التهديدات الإرهابية المحلية الرئيسة من الجماعات الانفصالية في البلاد، بما في ذلك «جند الله» النشطة بمقاطعتي سيستان وبلوشستان على طول الحدود الإيرانية مع أفغانستان وباكستان، ومجموعات كردية مختلفة، مثل بيجاك الناشطة في غرب إيران. ويأتي التهديد الأجنبي في الغالب من الجماعات السنية المتشددة، مثل القاعدة.
ولمعالجة هذه المشكلة في التسعينيات وبداية الألفية، وسّعت البلاد قدراتها الأمنية على الأسس التي بنيت في زمن الشاه؛ وشملت الحرس الثوري الذي يضم جهازًا لمكافحة الإرهاب، والقوات العسكرية التقليدية، ووزارة الاستخبارات والأمن، وأجهزة إنفاذ القانون. وتعمل كل منظمة كمظلة لوحدات صغرى تعالج مختلف الهجمات، وتعتبر القوة الرئيسة لهذا الجهاز بعد الثورة «الحرس الثوري»، الذي بدأ في السبعينيات كقوة حرب غير تقليدية، وأتاحت لهم خبراتهم ميزة كبرى في مواجهة مختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية.
عمل الحرس الثوري مع جماعات «إرهابية» لردعها عن استهداف إيران. على سبيل المثال، سمحت طهران بمنح أفراد عائلات قادة من تنظيم القاعدة الإذن بالإقامة في إيران. ونتيجةً لذلك؛ كانت قيادة القاعدة مترددة في ضرب إيران.
بالنسبة إلى إيران، كان تنظيم الدولة وحشًا مختلفًا تمامًا عن الجماعات السنية السابقة؛ لأنّه سيطر على الأراضي والموارد، وخلق فوضى حقيقية على حدود إيران، وتبنى موقفًا قويًا مناهضًا للشيعة، ووضع إيران ضمن قائمته المستهدفة، وحاول إنشاء فرع له في إيران، وقدمّ «وحشية» نادرة حتى بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية.
وبينما اكتسبت المجموعة قوة، سرعان ما نشرت إيران قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري في العراق ثم في سوريا؛ حيث انضم إليها الجيش في وقتٍ لاحق. وكان النظام في البداية مترددًا في إعلان وجوده في العراق وسوريا. لكن، مع شعور الجمهور الإيراني بقلقٍ أكبر إزاء وجود التنظيم بجوار إيران بشكلٍ متزايد، بدأت إيران في القيام بذلك بشكلٍ فعال. وأصبح قائد فيلق القدس «قاسم سليماني» رمزًا عندما نُشرت صوره مع قواتٍ عراقية وسورية مختلفة على إنستجرام ومنصاتٍ أخرى. واليوم، يتمتع «سليماني» بالشعبية على نطاقٍ واسع؛ وتمكّن من جعل الحرس الثوري أكثر شعبيةً أيضًا.
كما استغلت طهران علاقاتها مع مختلف الجماعات على الأرض، بما في ذلك المليشيات الشيعية والأكراد، فضلًا عن بغداد ودمشق. وعزّزت دفاعاتها وجهودها في الداخل عبر التشديد على التنمية في المناطق الحدودية التي يغلب عليها الطابع السني (وسبق أن تجاهلتها طهران)، والعمل مع رجال الدين والقادة السنة المحليين لتقويض رسالة داعش، وتعيين وزير للإشراف على شؤون الأقليات الدينية.
وكانت هذه الجهود ناجحة إلى حدٍ ما، وقبل عامٍ تقريبًا من وقوع الهجومين في طهران الشهر الماضي، كشفت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية خطة للتنظيم تستهدف ما يصل إلى 50 هدفًا مختلفًا في العاصمة. وأصدرت تفاصيل عن هذه المؤامرة في وقتٍ لاحق، وذكر المسؤولون الإيرانيون أنّهم فككوا شبكة تضم أكثر من ألف ناشط في البلاد.
وبالنظر إلى أنّ تنظيم الدولة وضع منذ ثلاث سنوات إيران ضمن أهدافه الثلاثة الأولى، من المثير للإعجاب أنّه لم تقع أيّ حوادث كبرى حتى الآن؛ خاصةً بالنظر إلى أوجه القصور في جهود مكافحة الإرهاب في إيران.
قبل كل شيء، دعمت طهران رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» في تبنيه سياساتٍ طائفية أهملت السنة، وساعدت تنظيم الدولة في نهاية المطاف. واليوم، تواصل طهران دعمها لـ«بشار الأسد» العلوي في سوريا؛ لأنّ نظامه يرتكب فظائع جماعية، ويطلق الأسلحة الكيميائية ضد السكان من الأغلبية السنية. ولعل بعض السنة في إيران، الذين لم تظهر مظالمهم ضمن الأولويات العليا للسلطة المركزية، قد وجدوا منفذًا إلى جماعات انتقامية.
ويبدو أن الرجال والنساء الخمسة الذين ارتكبوا الهجمات في طهران من الأكراد. وفي أعقاب الهجمات، بذل عضو كردي من البرلمان الإيراني جهودًا كبرى لينأى بنفسه وبالأكراد عن هذه التهمة؛ لكنّه أبرز أيضًا مظالم ناخبيه، وتحدث عن الفقر وانعدام الفرص الذي دفع البعض إلى العنف.
وفي ظل هذه الخلفية، تعزز إيران هجماتها لمكافحة الإرهاب في الداخل والخارج. ومنذ الهجومين المتلازمين في طهران، قتلت الحكومة بالفعل المهاجمين واعتقلت عددًا من المشتبه بهم الآخرين، وعززت بهدوء جهودها لمكافحة الإرهاب في المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل سيستان وبلوشستان؛ حيث قتل الحرس الثوري زعيم جماعة أنصار الفرقان السنية الأسبوع الماضي. كما أطلق الحرس هجماتٍ صاروخية تستهدف ما وصفوه بمقر تنظيم الدولة في بلدة دير الزور السورية، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. وتخدم الضربات الصاروخية غرضًا مزدوجًا؛ فهي تسمح لطهران بردع تنظيم الدولة، وكذلك جيرانها الخليجيين العرب، الذين يعتقد القادة الإيرانيون أنّه لا يمكن إعاقتهم إلا ببرنامج الصواريخ الإيراني.
ورغم معاناة جهود مكافحة الإرهاب في إيران من نقاط ضعف؛ إلا أنّ سجل البلاد في مواجهة تنظيم الدولة ما زال قويًا، وأدت الهجمات في طهران بالفعل إلى تحفيز السكان الإيرانيين. ومن شأن هذا أن يجعل الجهود الإيرانية في أفغانستان والعراق وسوريا أكثر شعبية؛ حيث تستطيع إيران الآن أن تتصدى للتنظيم، وأن تقود هجمات مكافحة الإرهاب الأوسع نطاقًا، بشكل أكثر وضوحًا وعلانية.