"وأهو العيد اهوه جه وربنا يسهل … بس لازم طبعًا نفرح ونفرّح العيال" … جملة تلقائية سمعتها منذ عدة أيام من مواطنة مصرية بسيطة لاقتها مذيعة في إحدى محطات الإذاعة في الشارع أثناء شراء ملابس العيد الجميلة لأطفالها، بشرط طبعاً أن تكون أسعارها رخيصة وعلى دخل الأسرة ناعمة وطرية وكلها حنّية.
جملتها الصادرة من أعماق قلبها حملت كل معانى الحيرة والتعب والعجز مع الأمل والحب والفرحة … مشاعر متناقضة ولكنها، بكل ما في مصر من يقين، صادقة ولا يفهمها سوى بنى جنسيتها.
عند البعض تبدو أعياد العام الماضى أكثر إشراقًا، وعند البعض الآخر كانت أكثر صخبًا … وما بين الحسرة على ما صار وما كان يجب أن يكون، وبين الفرحة بالوصول إلى الإستقرار والتغيير المأمول … يمضي المصريون كلهم هذا العيد، ببال يمارس مهارته المعتادة في أن يصبح غير مشغول.
فنحن أساتذة في ممارسة فنون العلاج بـ "التنهيدة" … تلك التي نطلقها بكل ما يعترينا من مشاعر سلبية كامنة، ونصحبها بكامل تواكلنا على المولى، ثم بعدها ننصرف إلى أمورنا الروتينية … ونقضيها وكأن الدنيا بكل تفاصيلها البسيطة قد خلقت فقط من أجلنا.
هدوم العيد الجديدة يراها الأب بنظرة منكسرة وهي مازالت في أكياس المشتريات قبل العيد بأيام قليلة، ومن قبل هذه اللحظة تنتقيها الأم المصرية بمهارة سياسية وخبرة اقتصادية نادرًا ما تتوافر في امرأة من أي جنسية … فهى تحافظ على الميزانية مع إبقاء زوجها راضيًا عنها، وفي نفس ذات الوقت تشعر أولادها أنها لم تبخل عليهم بأي شيء واشترت لهم ما اختاروه وليس ما فرضته الظروف عليهم وعليها..
ثم ما إن يأتى العيد ويرتدي الأولاد الملابس الجديدة، وتتلاشى آخر نسمات التنهيدة، حتى تشرق معنويات الأب والأم على تلك الأراض الخصبة التي تتراقص من الفرحة أمامهم، والتي نجحوا في إستصلاحها بأفضل الطرق التي يرونها، وذلك بإعتصار كافة الإمكانيات المتوافرة حتى آخر قطرة.
"لازم طبعا نفرح ونفرّح العيال" … مهما كان الحال ..
والفرحة لا تكون فرحة بدون اللمسة المصرية الخاصة … بالذهاب إلى نفس الأماكن وزيارة نفس الأشخاص وممارسة نفس الطقوس السنوية التي تنبع من ثقافة قديمة عريقة إمتزجت مع جيناتنا ولن يستطيع أي اتجاه دخيل علينا ان يبدلها أو يغيرها، لأن الأعياد بدون اللمسة المصرية هتبقى ماسخة جدًا بالنسبة لنا.
تنهيدة عميقة تستطيع أن تخرج كل القلق ومناطق الإختلاف التي تتحول لخلاف … لن يدوم تأثيرها طويلًا، لا تقلقوا، سنعود سريعًا إلى قواعدنا ونمارس ما كنا نمارسه قبل عيدنا. ولكن تلك التنهيدة ستجعل تفاصيل العهيد الصغيرة البسيطة تبدو مبهجة ولذيذة وتشعرنا بكل الرضا والسعادة وتشحن خلايا الطاقة المعنوية لأقصى درجاتها ..
فلنفرح ببركات تلك التنهيدة … ولو بكوننا فقط على قيد الحياة فى تلك الأيام المباركة … ولنتواصل مع أطفالنا ومع طفولتنا، فالعيد بدون مشاعر طفولية يصبح مثل الخبيزة لما تعمل نفسها ملوخية.
فلنجعل العيد بدون أعباء وهموم … بل بمشاعر إيجابية براقة تبدو لنا جديدة مثل الهدوم .. فلنستمتع ببلدنا … بتاعتنا … ولنمسك بيدها ونتمشى سويا ونتبادل المعايدات المعتادة بيننا وبينها ومع كل من نراه أمامنا، سنجدها تبدو في أفضل صورها، ولو من على القشرة مش مشكلة .. أهي بداية والسلام مين عارف هيحصل إيه بعدها؟؟
إذهب إلى مكان تحبه تعلم أنك ستمضى وقتا طيبًا معه .. إتصل بمن فاتك لسنوات طويلة الإتصال بهم، ولو بإس إم إس أو حتى تويتة، المهم تكون الرسالة شخصية ومباشرة لكى يتعاظم تأثيرها. تواصل مع من حولك بإيجابية … انشر التمنيات بعيد فطر مبارك للغريب والقريب محاولًا أن تتجاهل تمامًا أي مشاعر إنعزالية أو طبقية.
كل سنة وإنت طيب … فيه أمنية بالذمة أحلى من كده ؟؟
إذًا فلنقلها ولنحاول جاهدين أن نكون طيبين بجد خلال تلك الأيام القليلة القادمة … على سبيل التجربة حتى، والموضوع مش صعب فالمصريين بالفعل أطيب شعب … ولكن هذه الطيبة تحتاج لنفض الكثير من الأتربة أحيانا عنها … ولن يستطيع أحد فعل ذلك سوانا إحنا.
كل سنة وكل عيد وكل لحظة وكلنا طيبين وعلى بعض محافظين ولحقوق بعض مراعين ..
كل سنة وإنتى طيبة يا مصر يا نور العين ..
وربنا ما ينول مراد أي من يحاول أن يحرمنا من بعضنا أو يغير من طبيعتك أو طبيعتنا ..
إدوها تنهيدة عميقة … وبعدين قولوا آمين